الكيمياء والصيدلة > صيدلة

عشر أدوية غيرت تاريخ البشرية - الجزء الثاني

استمع على ساوندكلاود 🎧

يمكنكم الوصول للجزء الأول من هنا

نتابع معكم الآن ما بدأناه سابقًا:

6. الأسبرين:

أكثر من مسكن للصداع فحسب "كان الأسبرين أول دواء يستخدم للألم البسيط. فالبشر معظمهم يعانون أحد أنواع الألم الطرفي، كألم العضلات أو الصداع أو ألم المفاصل، وبالنسبة إلى هؤلاء لا يحبذ استخدام المورفين، من هنا جاءت أهمية الأسبرين" كما يقول ستون.

هنالك بالطبع مسكنات ألم أخرى تشبه الأسبرين في آلية عملها، بعضها أكثر فاعلية عند بعض الأشخاص وبعضها الآخر يخلو من آثار الأسبرين الجانبية. لكن بعد أكثر من مئة عام على اكتشافه، ما زال الأسبرين واسع الانتشار. ينوه هنا كل من ستون وغرينبيرغ إلى أن استخدام الأسبرين يمر بحالة انتعاش، لأنه يملك خواصًا مضادة للالتهاب، وهي العملية المركزية في نشوء كل من أمراض القلب والسرطان. ويوصي الأطباء حاليًا كل رجل تخطى الأربعين وكل امرأة تخطت الخمسين من العمر بتناول الأسبرين.

7. سالفارسان:

علاج الشهوة ربما لم يخطر في بالك هذا الدواء عندما كتبت قائمتك الخاصة بأهم الأدوية، لكن الحقيقة أنه فعلًا يقع ضمنها. السالفارسان هو الاسم التجاري للدواء أرسفينامين الذي اكتُشِف عام 1909 لعلاج السفلس، وذلك لاحتوائه على الزرنيخ ذو السمية الكبيرة بالنسبة إلى بكتيريا السفلس مقارنةً بالخلايا البشرية.

إن العلاج باستخدام السالفارسان أنهك المرضى لدرجة شديدة لكنه لم يقتلهم، في وقت كان يؤدي السفلس إلى الموت المحتم. كان مرضى السفلس بحاجة إلى علاج دوري بالسالفارسان لعشرين حتى أربعين مرة في العام حتى يُعالج المرض. يقول غرينبيرغ: "كان السالفارسان علاجًا محددًا لمرضٍ محدد، لذلك يصعب إقصاؤه من قائمة أهم الأدوية التي بين أيدينا."

إضافة إلى ذلك، يعدّ السالفارسان أول علاج كيميائي، وأدوية السرطان الحديثة معظمها تعمل بطريقة مشابهة له، فهي أدوية سامة، ومنهكة لمتلقيها، وتُعطى بجرعات معينة تقضي على المرض قبل المريض.

جدير بالذكر أن إرليتش Ehrlich مكتشف السالفارسان كان قد طرح فكرًا جديدًا مع هذا الدواء، وهو أن لعلماء الدواء ومصنّعيه مسؤوليات أخلاقية أيضًا. يقول غرينبيرغ: "كان الناس يرمون الأحجار على شباك إرليتش، فقد كانوا يعتقدون أن السفلس هو عقوبة إلهية لممارسة الجنس خارج إطار الزواج، وأن إرليتش كان يتدخل ليمنع ذلك."

8. الأدوية النفسية: مهدئات العقل المضطرب

لطالما أنشئت المصحات العقلية في السابق لاحتواء الأشخاص المصابين بأمراض نفسية شديدة تُعرف بالذهانات، ولطالما عوملت هذه الحالات الصعبة بطرائق "علاجية" أكثر صعوبة. لكن اكتشاف الأدوية النفسية الحديثة في خمسينيات القرن الماضي غيّر كل شيء. بينما يصوت بينيت للثورازين (دواء نفسي ضعيف الفاعلية) ليكون ضمن قائمتنا هذه، يختلف معه ستون ويدلي بصوته للهالدول، أول دواء نفسي عالي الفاعلية.

كان الثورازين أول دواء يستخدم لعلاج الأمراض النفسية. وعلى الرغم من أن الليثيوم سبقه إلا أن الثورازين أتاح للأطباء علاج المرضى والإبقاء عليهم طلقاء في منازلهم عوضًا عن حجزهم في المصحات العقلية.

يقول ستون عن الهالدول: "كان الهادلول من أوائل الأدوية التي ساعدت في السيطرة على الفصام، إذ يعمل عملًا انتقائيًا في مناطق الدماغ المصابة في هذه الحالة، من دون تثبيط المريض وتهدئة جهازه العصبي تهدئة كاملة. لقد كان لهذه الأدوية تأثير اجتماعي كبير، فقد أدى استخدامها إلى تحرر مرضى الفصام واضطرابات المزاج من الحجز داخل المستشفيات وانخراطهم في المجتمع."

هنالك أدوية جديدة بالطبع تلت الثورازين والهالدول تسمى مضادات الذهان غير النمطية، تتميز بآثار جانبية أقل مع محافظتها على فاعليتها العلاجية.

9. مانعات الحمل:

لقد غيرت مانعات الحمل الفموية العالم، فإعطاء النساء القدرة على التحكم بوظيفة التكاثر لديهن كان له أثر طبي واجتماعي هائل وغني عن الشرح.

10. الأدوية التي تدعم وظيفة القلب يدين مرضى القلب اليوم كثيرًا لدوائين رئيسين: الديجوكسين (لانوكسين) والفوروسيمايد (لازيكس). يقول ستون: "يكاد يكون الديجوكسين الدواء القلبي الأهم، لأن مرضى الفشل القلبي لم يكونوا لينجوا من دونه."

بينما يصرح بينيت: "في نظري الفوروسيمايد (أحد أوائل مدرّات البول العروية) هو الأهم ربما، وما زال ذا أهمية كبيرة لمرضى ارتفاع ضغط الدم والفشل القلبي. توجد بالطبع أدوية أحدث لكن الفوروسيمايد كان فتحًا علميًا بفاعليته العالية، ثم إن كثيرًا من مرضى فشل القلب الاحتقاني يمكن علاجهم بمدرات البول زهيدة الثمن على الرغم من وجود أدوية أخرى تستخدم للاستطباب ذاته."

أما بالنسبة إلى الوقاية من أمراض القلب فإن الستاتينات (خافضات الكوليسترول الشهيرة) تمتاز بتأثيرها الوقائي المهم. يصنف بينيت الليبيتورlipitor (أحد أوائل أدوية هذه المجموعة) بوصفه الأهم بسبب تأثيره الهائل على نسبة الكوليسترول في الدم. بينما يجادل خبراء آخرون كون الستاتينات أدوية حديثة جدًا ولا يمكن تضمينها في قائمة واحدة مع البنسلين على سبيل المثال.

أدوية أخرى بالغة الأهمية أيضًا:

- ليفو دوبا: عندما طُرح لأول مرة كان بمنزلة الدواء المعجزة بالنسبة إلى مرضى الباركنسون. فقد كانوا غير قادرين على الحركة نهائيًا في المراحل المتقدمة من المرض، لكن جرعة من الدواء كانت كفيلة بإعادة قدرتهم على المشي خلال 15-20 دقيقة. كان لليفو دوبا أهمية أخرى إذ أكد فهم الباحثين للآلية التي يعمل بها المرض، وسيكون لنجاحه دور كبير أيضًا في تطور علاجات داء الباركنسون في المستقبل القريب.

- الستيرويدات: للهيدروكورتيزون وغيره من الستيرويدات استخدامات متنوعة في حالات عدة يجب فيها محاربة الالتهاب والتحكم في ردة الفعل المناعية للجسم، ومن دونها سيكون هناك أمراض كثيرة بلا علاج.

- الفياغرا: يعدّ الفياغرا خيارًا جدليًا هنا، إذ يجد الخبراء صعوبة في تضمينه، هو أو غيره من الأدوية المعالجة للضعف الجنسي، في قائمة واحدة مع الأدوية التي ساهمت في المحافظة على حياة البشر من خطر الموت. لكن ستون يوضح حجته بالقول: "هنالك إجماع بين الناس على أن علاقة جسدية صحيحة هي عامل أساسي لحياة صحية وسعيدة، وهنالك الملايين من الرجال حول العالم غير القادرين على الممارسة الجنسية، وقد ساهم الفياغرا في تحسين نوعية حياتهم، من أجل ذلك كان يجب إيراده في قائمة الأدوية الأهم."

- الكبسولة: كان الأطباء قديمًا يصفون بعض الأدوية لمرضاهم على شكل مسحوق يوزن مقدار معين منه ثم يذاب في الماء أو الكحول لتناوله. لم تكن تلك الطريقة مربكة للمرضى فحسب، بل كانت تؤدي إلى أخطاء في الجرعة سواء بزيادتها عن الحد الآمن أو نقصانها عن الحد العلاجي الفعال، إلى أن اخترع د.أبجون Upjohn كبسولة الجيلاتين التي أتاحت تصميم جرعات فردية من الدواء، التي جاء من بعدها اختراع الأقراص الدوائية للغرض ذاته.

- السايكلوسبورين: هو أول دواء يثبط عمل الجهاز المناعي، والأول -بالتالي- الذي ساهم في نجاح عمليات زراعة الأعضاء إذ منع الجسم من رفضها.

- الأدوية المضادة لفيروس نقص المناعة المكتسبة: يخص بينيت هنا مثبطات البروتياز بالذكر، على الرغم من وجود أدوية أخرى. وجد الأطباء أن الاستخدام المشترك لمثبطات البروتييز مع أدوية أخرى مصممة لعلاج الإيدز تحافظ على مستويات فيروس نقص المناعة المكتسبة في حدود دنيا تمنع من تظاهر المرض ونشوء أعراضه. إن السبب الوحيد الذي قد يمنع بعض الخبراء من عدّ أدوية فيروس نقص المناعة المكتسبة ضمن أهم الأدوية هو أملهم باكتشاف دواء يمثل علاجًا نهائيًا وشافيًا تمامًا للإيدز وليس مخففًا لأعراضه فحسب.

- الريتالين: هو دواء يستخدم في علاج حالات فرط النشاط ونقص الانتباه لدى الأطفال وقد أثبت أن ملايين الأطفال المصابين به يمكن أن يحظوا بطفولة طبيعية.

بعد أن انتهينا من استعراض أهم الأدوية التي استخدمتها البشرية من وجهة نظر الخبراء في المجالات الطبية والدوائية والتاريخية، ترى ما الدواء الذي يلوح اسمه في الأفق ويمكن أن نضيفه إلى القائمة قريبًا؟ لننتظر ونرى، وحتى ذلك الحين ينبه سوان إلى أهمية دعم نظم اكتشاف الأدوية الجديدة وتطويرها، في مستوى الجامعات ومراكز البحث العلمي وشركات الصناعة الدوائية والحكومات على حد سواء.

المصدر:

هنا