البيولوجيا والتطوّر > التطور

لماذا بعض الحيوانات عمياء؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

حسناً، فلنبدأ بالسؤال المحوري، لماذا بعض الحيوانات عمياء؟ أولُ من تصدى لهذا السؤال كان تشارلز داروين، حيث قال أنَّ عميان اليوم هم أحفاد مبصري الأمس، وبتعبيرٍ أكثر دقةً وتحديداً فالحيوانات العمياء اليوم تنحدر من أسلافٍ مبصرة لكنها خسرت بصرها بسبب عدم استعمالها لها، أما اليوم، وفي دراسةٍ من جامعة ولاية أريزونا، فإن الباحثين قد يثبتون خطأ تصور داروين.

ولنكون واضحين، فالتطورُ "دراويني" لكن ليس كما قال داروين! وما نقصده هنا هو أنَّ فكرة عدم استخدام العيون التي اقترحها داروين ليست صحيحة، لكن الفكرة الجوهريّة في النظرية التي طرحها داروين وهي فكرةُ "الانتقاء الطبيعي" و"البقاء للأفضل" هي ما يفسر وجود حيواناتٍ عمياء، أي أن هناك انتقاءً للكائنات العمياء على حساب الكائنات المبصرة في الحياة ضمن الكهوف.

في هذه الدراسة، اختار الباحثون نوعاً مدروساً بشكلٍ جيدٍ من قبل العلماء هو الـ Astyanax mexicanus وهي سمكةٌ صغيرةٌ ذاتُ لونٍ ضاربٍ إلى الوردي، بطولٍ لا يتجاوز بضع سنتيمترات، وهي قادرةٌ بسهولةً أن تصنع مسكناً لها في البيئات المائية.

وقبل أن نفهم ما جاء في الدراسة، لا بد لنا أن نعرف ما دفع العلماء لاختيار هذه السمكة دوناً عن غيرها. حسناً، لقد عاشت هذه السمكة في الكهوف لحوالي 2-3 مليون سنة، وهذا يعني أنها أنتجت ما يقرب من 5 ملايين جيل. والنقطة الأهم، أن هناك سمكةً أخرى قريبةً لها لكنها تعيش على السطح، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى –وهو الأهم- أنَّ هذه القريبة استعادت بصرها. هذا يعطينا مجموعتين متشابهتين جداً إلّا في صفةٍ واحدة، وهذه الصفة هي محل دراستنا. ومن هنا يحاول العلماء اكتشافَ دورِ العوامل المتعددة في نشوء هذه الظاهرة.

يقول القائمون على الدراسة أنَّ المشكلة التي اعترضتهم تجسدت في كون الأسماك المبصرةِ قادرةً على الهجرة إلى الكهف حاملةً الجينات الخاصة بالرؤية معها، وهذا سيمنعنا من العثور على اختلافاتٍ بين المجموعتين إلا في حالةٍ واحدة هي وجودُ عواملَ تعطي أفضليةً كبيرةً جداً للعمى. ونحن نتحدث هنا عن عواملَ من القوة بحيث تكون أقوى بـ 48 مرة من معدل الهجرة –هجرة الأسماك القادرة على الرؤية إلى الكهف- لكي تتمكن من إعطاء الأسماك العمياء الأفضلية. عواملُ بهذه القوة يجب أن تشير بسهولةٍ إلى اختلافٍ بين مجموعتي الأسماك، وهو ما لم يستطع العلماء العثور عليه.

لكن، وليحل العلماء هذه الإشكالية، قاموا بمراجعةِ دراسةٍ قديمة، في الواقع قديمةٍ جداً، تعود إلى عام 1925 حيث نُشرَت في مجلة nature بواسطة E. Ray Lankester الذي أشار فيها إلى أنَّ الأسماك التي تسطيع أن ترى، تتوجه إلى الضوء، وبمعنىً آخر، تخرج من الكهف إلى السطح، أما التي لا ترى، فتبقى في الكهف لأنها لا تستطيع أن ترى، وبالتالي، تصبح الأسماك في السطح مبصرة وفي الكهف عمياء؛ إن هذا التفسير ببساطة هو انتقاءٌ طبيعي –تحدث عنه داروين- وفي نفس الوقت ليس التفسيرَ الذي ساقه داروين لهذه الحالة.

هذا يعني، أنه وباستمرار الهجرة –هجرة الأسماك المبصرة خارج الكهف- فإنها ترحل آخذة معها جيناتها مما يجعل نسبة نسل الأسماك العمياء أكبر، ومع الزمن ستختفي الأسماك المبصرة من "المحتوى الجيني gene pool" للكهف (أي مجموعة التوليفات الجينية المختلفة في بيئةٍ ما) تاركةً الأسماك العمياء هناك.

ويضيف الباحثون أن نسبة هجرةٍ صغيرة بإمكانها –بحكم الفترة الزمنية– أن تفسر كون أسماك الكهف عمياء.

ويختمون: حبذا لو قام أحدهم بدراسةٍ جادةٍ لفرضية Lankester وإذا ما كان فعلاً بإمكانها تفسير ما نراه.

وبغض النظر عن صحة هذه الفرضية، فإن سؤال "كيف نشأت الكائنات العمياء؟" هو من أهم الأسئلة التي أرَّقت علماء الأحياء، وسيكون البحث عن جوابٍ لها مشوقاً بالتأكيد..

المصدر: هنا

الورقة البحثية: هنا