البيولوجيا والتطوّر > التطور

ممَّ تطورت الخلايا وما الذي دفعها للانقسام؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

رغمَ التقدم الكبير للعلم في العقدين الأخيرين، وتوصُّله للإجابة على العديد من الأسئلة المعقدة والمتقدمة، إلا انَّ هناك بعضَ الأسئلة التي ما تزال مستمرةً في إقصاء العلماء حتى اليوم، بما في ذلك السؤالُ الأكثر شهرةً، وهو كيف ظهرت الحياة لأول مرةٍ من مواد الأرض الأولية؟

إلا أنَّ التعاون العلميَّ بين علماء الفيزياء والأحياء في ألمانيا، وجد حديثاً شرحاً لتطور الخلايا الحية لأول مرة.

وكان عالمٌ بيوكيميائيٌّ روسي، قد طرح فكرةً عام 1924 ،مفادُها أنَّ الخلايا الحية قد تطورت من قطراتٍ سائلة أُطلِق عليها اسم protocell، تتألف من نوعين من الجزيئات، وهي جزيءٌ من أنزيم نسخ RNA يتوضع في المركز، وتركيبٌ محيطيٌّ مؤلفٌ من أحماضٍ دسمة، وهي تمثِّل نسخةً بدائيةً مبسطةً للخلية، قادرةً على النموِّ والتكاثر والتطور، وعلى الرغمِ من أنَّ هذه العملية لم تنجح مخبرياً حتى الآن إلا أنَّ هدفَ تحقيقه يبدو قريب المنال.*

وأعربَ الباحثُ عن اعتقاده أنَّ هذه الخلايا البدائية، يمكن أن تكون بمثابة تشكيلٍ طبيعيٍّ، على هيئة حاوياتٍ عديمةِ الغشاء، تحتوي موادَّ كيميائيةً مركزةً مما يؤدّي إلى تعزيز تفاعلها.

وكان فريقٌ من العلماء من معهد Max planck لفيزياء النُّظُم المعقدة ومعهد البيولوجيا الخلوية الجزيئية وعلم الوراثة، كان قد اعتمد في بحثه عن أصل الحياة على فرضية Oparin من خلال دراسة فيزياءِ النشاط الكيميائيِّ لقُطَيرات Protocell وخلافاً للنوع غير الفعَّالِ من القُطيرات، كقُطيرات الزيت في الماء والتي ستستمر في النمو فقط في حالة إضافةِ المزيد من الزيت الى المزيج، لاحظَ الباحثونَ أنَّ قُطيرات protocell تنمو إلى حدٍ معينٍ ثم تنقسم من تلقاء نفسها.

يُحاكي هذا السلوكُ عمليةَ الانقسام في الخلايا الحية ويمكن أن يُشكِّل صلة الوصل بين السائِلِ الأوليِّ الذي يُعتَقد أنَّ الحياة قد نشأت منه من جهة، والخلايا الحيةِ التي تطورت في النهاية لخلق كل أشكال الحياة على الأرض من جهةٍ ثانية.

يقولُ أحدُ الباحثين المشاركين، إنَّ الأمرَ يمكن أن يكون مقبولاً أكثر، عندما نقول أنَّ الحياةَ نشأت بشكلٍ عفويٍّ من سائلٍ غيرِ حي.

وفي مناقشةِ السؤال، كيف تمكنت الخلايا من الانقسام لإعطاء خلايا جديدة، يقول David Zwicher أنَّ الإجابة هي بالطبع مفتاحٌ للتطور، إذا كنَّا نريد التفكير بهذا الاتجاه.

قُطيرة الحياة:

يتكهن البعضُ بأنَّ هذه القُطيرات ما زالت كامنةً في أنظمتنا، كالذُبابِ داخلَ كهرمانٍ حيٍّ ما زال يتطور.

وصاغَ Zwicher نموذجاً خارجاً عن نظامِ ما يُسمى السنترسوم في عملية الانقسام، وهو نظامٌ نشطٌ كيميائياً، مكوِّنه الأساسيُّ هي البروتيناتُ المتحركةُ إلى داخلِ وخارجِ القُطيرات.

يوجد في هذا النظام حالتانِ للبروتين:

الحالةُ الأولى (A) وهي حالةُ البروتين المنحلِّ في الماء، والحالة (B) وهي حالة البروتين غير المنحل في الماء، ويمكن أن تتحول كلُّ حالةٍ إلى أخرى، إذا وُجِدَ مصدرٌ كافٍ للطاقة، حيث يتحول عندها البروتين من الحالة (A) إلى الحالة (B) متخطياً حاجزاً كيميائياً معيناً، ويستمرُّ هذا التفاعل بالحدوث بوجودِ مصدر الطاقة، ويتمثَّلُ مصدرُ الطاقة في حالة الأرض القديمة بأشعةِ الشمس، ويعتقدُ Odrin أنَّ صدمةً ضوئيةً أو نشاطاً حرارياً داخلياً للأرض القديمة، يمكن أن يكون قد تسبب في هذه التفاعلات الكيميائية في القُطيرات البروتينيةِ السائلة.

إنَّ هذا التفاعل الكيمائي، والذي يحدث في الاتجاهين؛ تدفُّقُِ البروتينات غير المنحلة إلى الداخل، وخروجِ البروتيناتِ المنحلّةِ إلى الخارج، لا بدَّ أن يصل إلى موازنة نفسه، وعندما تصل تلك القُطيرة النّشطة إلى حجمٍ معين، ينمو فيها حجمها ليتجاوز عشراتٍ أو مئاتٍ من الميكرونات، تتوقفُ عن النمو، ووفق محاكاة Zwicher هذا هو نفس الحجم الذي تصل إليه الخلايا الحية قبل الانقسام.

ويشرحُ المخططُ المرفق كيف ساعَدَ دخولُ البروتينات بشكلٍ غير متجانسٍ عبر السطح الخارجيِّ من زيادة مساحة هذا السطح وحصول التَّخصُّر ثم الانقسام.

الخطوةُ التالية المُرادُ معرفتُها هي: تحديدُ متى طوَّرت هذه الخلايا قدرَتها على نقل المعلومات الوراثية، حيث يعتقد Julicher وزملاؤه أنه وفي مرحلةٍ ما طَوَّرت الخلايا أغشيتها من القشورِ التي تطورت من الليبدات التي تنمو طبيعياً ، والتي فضلت البقاءَ عند تقاطعات تلك القُطيرات خارج السائل ، وكنوعٍ من الحماية لما في داخل هذه الخلايا يمكن أن تكون الجيناتُ قد بدأت بترميزِ هذه الأغشية ، وبالطبع ما زلنا بحاجةٍ لإجراءِ المزيد من التجارِب للتأكد من هذه المعلومات.

وبناءً على ما سبق، وإذا كانت الحياةُ شديدةُ التعقيدِ قد نشأت من شيءٍ غير واضح مثل تلك القطيرات الأولية، فإن شيئاً مماثلاً يمكن أن يكون قد حدث خارجَ كوكب الأرض، ويكونَ بذلك سبباً لنشوء الحياة فيها.

على كُلِّ حال، يمكن لهذا البحث أن يساعدنا على فهم كيفيةِ نشوء الحياة على الأرض كما نعرفها، من أبسط المواد، وكيف أنَّ العملياتِ الكيميائيةَ التي جعلت حياتنا ممكنةً خرجت من هذه المواد، و إنه لمن المذهل،كم من الطاقة والوقت استغرقت الخليةُ الأولية protocell لكي تتطور إلى خلايا حية، ثم تتطور الخلايا الحية إلى أجزاءَ أكثرِ تعقيداً، التي تتطور بدورها إلى كائناتٍ معقدة، فلقد استغرقت هذه العمليةُ ملايينَ السنين وليس من الغريب أننا بحاجةٍ إلى المزيد من الوقت لكي نفهم ما حدث بشكلٍ أفضل.

المصادر:

هنا

هنا