الفيزياء والفلك > أساسيات الرصد الفلكي

أساسيات الرصد الفلكي - القواعد

استمع على ساوندكلاود 🎧

تحدّثنا في مقالاتٍ سابقةٍ من هذه السّلسلة عن المناظير وآليّة عملها، ومن ثمّ عرّفنا لكم أهمَّ أهداف المناظير لكلِّ فصلٍ من فصول السّنة. والآن دعونا نعرّف لكم أخواتها الأكبر حجماً: المقاريب (أو باللغة الدّارجة التّليسكوب Telescope).

تأتي المقاريب بأحجامٍ وأنواعَ مُختلفةٍ، فبعضُها الصّغير وبعضها الكبير، منها ما هو مُخصّصٌ للتّصوير الفلكيّ وغيرُها ما هو مُخصصٌ للبحث الفلكيّ، بعضُها محببٌ لصائديّ المجرّات وبعضها محببٌ لراصديّ الكواكب، منها ما هو مُخصصٌ لمُراقبة الأجرام اللّيليّة وأٌخرى مُخصّصةً لمُراقبة الشّمس. تتميّز المناظير بصغر حجمها وخفّة وزنها، لذا فنحن لسنا بحاجةٍ إلى قاعدةٍ لحملِ المِنظار، على الرّغم من توافُر هذه الإضافة بالأسواق. أما المقاريب فهي كبيرةٌ في الحجم وغالباً ثقيلةٌ في الوزن، لذا فهي تحتاج إلى قاعدةٍ لحمل المِقراب وتوجيهه إلى هدفه. هناك نوعٌ وحيدٌ من المقاريب التي لا تحتاج إلى قاعدة ألا وهي المقاريب الغالوليّة، أو مقاريب غاليليو Galileoscope، كالمِقراب الظّاهر في الصورة أدناه:

هذه المقاريب ليست ذاتُ قوّةٍ عاليّة إلا أنّها تتفوّق على المناظير بقُدرتها على تبديل العدسة العينيّة وتغيير قُدرة التّقريب. سنتحدث في مقالاتٍ لاحقةٍ عن أنواع المقاريب الأخرى، أما الآن دعونا نتحدّث عن القواعد التي تحمل المقاريب الكبيرة.

تنقسم القواعد إلى قسمين رئيسييّن:

• القواعد السّمتيّة Azimuth أو اختصاراً Az

• القواعد المداريّة Equatorial أو اختصاراً Eq

الفرق بين النّوعين كبيرٌ جداً، دعونا نبدأ بالقواعد السّمتيّة Azimuth.

الكلمة Azimuth اشُتقت من اللّغة العربيّة من الكلمة "السّمت" والتي تعني الاتّجاهات. مبدأ عمل القاعدة سهلٌ جداً، فهي تستطيعُ توجيه المِقراب باتّجاهين فقط. الاتجاه والارتفاع.

يُعرّف الارتفاع بعدد الدّرجات فوق الأفق. بحيثُ يأخذ الأفق القيمة صِفر والأعلى تماماً (وسط السّماء) القيمة 90. أما الاتّجاه فهو الجّهة التي ينظُر إليها المِقراب، أي إما الشّمال أو الشّمال الغربيّ أو الشّرق وهكذا. تُقاس الجّهة في القواعد السّمتيّة بالدرجات، بحيث يأخذ الشّمال القيمة 0 وتزداد القيمة باتّجاه الشّرق لنعود إلى الشّمال بالقيمة 360. الشّكل التّالي يوضّح الفكرة أكثر:

تتُيح القواعد السّميتة للمُبتدئين في الرّصد الفلكيّ فرصةً كبيرةً في رصدِ وتحديدِ الأهداف، وهذا بسبب آليّة رصد الأهداف السّهلة جداً. إذ يجب على المُراقب توجيه المِقراب بحيثُ يُطابق الشّمال القيمة صفر على القاعدة والمِقراب جاهزٌ للرصد. كل ما علينا فعله تالياً هو الحصولُ على إحداثيات الأجرام السّماويّة على الشّبكة السّمتيّة ومن ثمَّ إدخالُ الإحداثيات. هكذا تبدو الشّبكة السّمتيّة:

كما تلاحظون مركز الشّبكة هو وسطُ السّماء والأفق الشّماليّ يوافق القيمة 0، الشّرقيّ يوافق القيمة 90 والجنوبيّ القيمة 180 والغربيّ القيمة 270. المُشكلة في هذه الشّبكة أنّها ثابتةٌ في وسط السّماء، أي أنّها لا تتحرّك مع النّجوم، هذا يعني أنَّ إحداثياتِ الأجرام السّماويّة تتغيّرُ باستمرارٍ وهذا لأنَّ الأرض تدورُ حولَ نفسها.

القواعد السّمتيّة تبدوا بهذا الشّكل:

القواعد المداريّة Equatorial

تأتي القواعد الألمانيّة بستّة أنواعٍ مُختلفةٍ (Eq 1، Eq 2، Eq 3، Eq 4، Eq 5، Eq 6) الفرقُ بينها هو القُدرة على التّحمل وإمكانيّة إضافة موازٍ لنجمِ الشّمال وإضافة مُلحقاتٍ أخرى، أما آليّة العمل فهي نفسها. برز الألمان في صناعة القواعد المداريّة وأصبحت القواعد المداريّة الألمانيّة معروفةً في العالم ومصدرَ ثقةٍ بسبب دقّتها العاليّة وثباتِها.

تعتمد القواعد المداريّة على فكرة دوران الأرض حول محورٍ ثابت يمر من قطبها الجنوبيّ إلى قطبها الشّماليّ. وأثناء دوران الأرض حول نفسها تبدوا النّجوم وكأنّها تدور حول نقطةٍ ثابتةٍ في السّماء، تلك النُّقطة تُدعى القطب السّماويّ الشّماليّ Celestial North Pole. فإذا أنشأنا شبكةً يكون مركزُها هذا القطب فإنه بإمكاننا وضعُ نقاطٍ إحداثيّة لكل جرمٍ من الأجرام السّماويّة، بحيث تكونُ الإحداثيات لذلك الجّسم ثابتةً، وهذا لأنَّ الشّبكة تتحرّك مع دوران الأرض إلا أنّ مركزها ثابت. تبدو الشّبكة المداريّة بهذا الشّكل:

مَن يعرف في مراقبة السّماء سيلاحظُ أنَّ نجمَ القطب (نجم الشّمال) Polaris يقع بالقرب من القطب السّماويّ الشّماليّ. الصورة المتحركة التاليّة توضح دوران نجم الشّمال وبقيّة الأجرام السّماويّة حول القطب السّماويّ الشّماليّ.

في الواقع، إنَّ القواعد المداريّةَ مُعقدةٌ جداً فهي تتألف من أربعة محاور، الاتّجاه، الارتفاع، الإنحراف وصعود اليمين. تبدأ عملها بموازاةٍ مثاليّةٍ مع نجم الشّمال، وذلك لإيجاد القطب السّماويّ الشّماليّ، وعند إتمام الموازاة المثاليّة (الأمرُ الذي يحتاج لمهارةٍ عاليّةٍ وصبرٍ وجهد) تُصبح القاعدة جاهزةٌ للعمل.

تبدوا القواعد المداريّة بهذا الشّكل:

تتفوّق القاعدة المداريّة على القاعدة السّمتيّة بقدرتها على تتبُّع الأهداف في السّماء، إذ أنه عندما تتم الموازاة المثاليّة، فإنَّ محورَ صعودِ اليمين يُصبح محورَ دوران الأرض وبالتالي فإنَّ محور الانحراف سيتمكن من تتبُّع النُّجوم والأجرام السّماويّة خلال دوران الأرض حول نفسها وهذا أمرٌ لا يمكن للقواعد السّمتيّة عمله. ولهذا فإن القواعد المداريّة مُحببةٌ ومُفضلةٌ لمصوريّ الأجرام السّماويّة. أما القواعد السّمتيّة فهي المُحببة والمُفضلة لصائدي كنوز الكون، المجرّات والسّدم. إذ أنّ أحدَ أفراد عائلة القواعد السّمتيّة يُدعى القواعد الدوبسونيّة Dobsonian.

القواعد الدوبسونيّة مُخصّصةٌ لحمل المقاريب الكبيرة في الحجم، لا بل المقاريب الهائلة في الحجم وبأسعارٍ رخيصةٍ جداً. وكما سنتعرف لاحقاً، صائدو المجرات والسّدم بحاجةٍ إلى مقاريبَ ذاتِ فتحاتٍ كبيرةٍ بعضها يصل إلى 60 سم. الصورة التاليّة هي لمِقرابٍ نيوتونيٍّ مُثبتٌ على قاعدةٍ دوبسونيّة:

القواعد المحوسبة

أصابت عدوى عالم الحوسبة عالَمَ الفلك وفتحت لهُ أبواباً واسعةً، إذ تتوافر اليوم قواعدٌ محوسبةٍ تُسهل عمليّة إيجاد الأهداف في السّماء وتتبّعها وبالتّالي تصوير الأهداف السّماويّة. يُمكن إيجاد الحواسيب على كلا نوعي القواعد: السّمتيّة والمداريّة وتأتي الحواسيب بثلاثةِ أنواع:

• المحرّكات المداريّة Motor Drives

• حواسيب ادفع إلى PushTo

• حواسيب اذهب إلى GoTo

المحرّكات المداريّة صغيرة ويُمكن إلحاقها بالقواعد المداريّة فقط. مُهمة تلك المُحرّكات تدوير المِقراب بسرعةِ دوران الأرض وذلك لُتسهل عمليّة تتبّع الأهداف خلال دوران الأرض حول نفسها. أي أنّه يجبُ على المُستخدم القيام بعمليّة الموازاة بشكلٍ مثاليّ ومن ثمَّ إدخالُ إحداثيات الهدف ومن ثمَّ تشغيلُ المُحرك للمُحافظة على الهدف في وسط العدسة العينيّة.

حواسيب (ادفع إلى) تأتي بشكلٍ رئيسيٍّ مُلحقةً بالقواعد الدوبسونيّة. فكرةُ عمل الحواسيب سهلةٌ جداً. كلّ ما على المُستخدم فعلُه هو توجيهُ المِقراب يدويّاً إلى نجمين شهيرين جداً ومن ثمَّ تعريفُ الحاسوب باسم النّجمين. سيستطيعُ الحاسوب عندها مَرْكَزَةَ نفسِه ومعرفةَ الاتّجاه الذي ينظُر إليه، والآن يستطيع المُستخدم اختيارَ هدفٍ من قائمة الحاسوب وسيُظهر الحاسوب على شاشته موقعَ الهدف، ومن ثمّ على المُستخدم توجيهُ المِقراب يدوياً بالاتّجاه الذي يُظهره الحاسوب.

حواسيب (اذهب إلى) هي النّسخة المُفضلة لدى مُحبيّ التّصوير الفلكي. تأتي هذه الحواسيب مُلحقةً بالقواعد السّمتيّة والمداريّة. فكرة عملها سهلةٌ جداً. فكل ما على المُستخدم فعله هو توجيه المِقراب يدوياً إلى نجمين (أو أكثر) شهيرين ليستطيع الحاسوب مركزة نفسه. والآن يجب على المستخدم اختيارُ هدفٍ من قائمة الحاسوب، ومن ثمَّ يقومُ الحاسوب بتوجيه المِقراب آلياً إلى الهدف المنشود، علاوةً على ذلك، فإنَّ الحاسوب سيتابع توجيه المِقراب ليُبقي الهدف في وسط العدسة العينيّة، وهذا الأمر لا تستطيع حواسيب (ادفع إلى) القيام به.

الهدف من التّرتيب السّابق هو فرق الأسعار، إذ أن حواسيب "ادفع إلى" غالية الثمن في حين المُحرّكات المداريّة رخيصةُ الثّمن، ولكن لكل حاسوب محاسنُه ومساوئُه.

المصدر: Night Watch by Terence Dickinson