البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

فئران الخلد العارية... سرٌ جديد يُكتشف!

استمع على ساوندكلاود 🎧

فئران الخلد العارية هي حيوانات خارقة بما للكلمة من معنى! صحيح أنها لم تحظَ بالشهرة التي حظيت بها فئران التجارب، إلا أنها محط أنظار الكثير من الباحثين حول العالم لأسباب عدة يطول الحديث عنها هنا، لذا نترككم مع جانب من "مقابلة" كنا قد أجريناه مع هذا الكائن العجيب سابقاً وتجدونها كاملةً في هذا الرابط:

هنا

(*) حسناً بالحديث عن الشهرة ... أخبرني أصدقاء أنك نلت قسطاً وافراً من الشهرة لأسباب "بحثية"... حدثنا عن ذلك

(-) نعم عندما وصلت مجموعة من أقاربي منذ فترة من إفريقيا علمت أنهم يعملون في أحد المخابر. قالوا لي إنكم معشر البشر مهووسون بالتخلص من الشيخوخة والعيش طويلاً -مع أني لا أرى ميزةً في ذلك-كما أنكم تشكون السرطان الذي لم أسمع به يوماً. على عكس الفئران نعيش إلى عمر قد يصل إلى الـ 30 عاماً دون أن تظهر علينا أعراض الشيخوخة، كما لا يوجد ارتباطٌ بين معدل الوفيات وعدد سنوات العمر، بمعنى أننا لا نموت بداعي التقدم في السن.

مقاومةٌ تلقائية للسرطان والأورام المحدثة مخبرياً... يقولون إننا تحدينا علاقة التوازن بين نظريات الشيخوخة والأكسدة والسرطان ولو أنني لم أفهم معنى ذلك حقاً، يعتقد البشر أن أهمَّ اكتشافٍ توصلوا إليه هو معرفة التعديلات الجزيئية المقاومة للسرطان في تسلسل الجينوم الخاص بنا.

لا شكَّ أنه لقاء شائق، لكننا مضطرون للاكتفاء بهذا القدر منه لنسهب فيما نحن بصدد الحديث عنه اليوم، وهو المقدرة العجيبة على العيش دون أوكسجين مدة 18 دقيقة! معلومة صادمة بالتأكيد ولكن إن عرف السبب بطل العجب، والسبب باختصار هو أن هذه الحيوانات تستطيع تغيير مصدر الطاقة الذي تستخدمه في الاستقلاب - أي استخدام أحد أنواع السكريات في الاستقلاب بدلاً من الآخر، وقبل أن ندخل في التفاصيل من الضروري أن نتعرف على بيئة هذه الحيوانات الغريبة.

تعيش فئران الخلد العارية التي تشابه الفئران في حجمها في مستعمرات مؤلفة من 300 فرد يعيشون في جحور تحت الأرض حيث يكون الأوكسجين شحيحاً، ولذا تعد هذه الحيوانات مقاومة، لقدرتها على العيش في هواء ذي مستويات عالية من ثاني أوكسيد الكربون. أراد الباحثون معرفة إلى أي حد يمكن لهذه الحيوانات الاستغناءُ عن الأوكسجين، فوضعوها مع فئران في حجرة مخلاة من الأوكسجين، فما لبثت الفئران أن ماتت في أقل من دقيقة، فيما كان الأمر مختلفاً عند فئران الخلد العارية، إذ انخفضت نبضات القلب من 200 إلى 50 ضربة في الدقيقة، وفقدت وعيها بسرعة، إلا أنها استطاعت أن تسترد كامل عافيتها رغم قضائها 18 دقيقة في الحجرة بمجرد تعرضها للهواء الطبيعي.

ما السر وراء هذه القدرة الفريدة؟

قد يكمن السر في طريقة استقلاب السكر. لنفهم الأمر أكثر، دعونا نستعرض سريعاً كيفية حدوث الاستقلاب. يحطم الإنسان وغيره من الثدييات الجلوكوز للحصول على الطاقة في عملية التحلل السكري (glycolysis) التي تتطلب وجود الأوكسجين، ودون وجوده تتراكم مركبات ثانوية مثل اللاكتات فتثبط المراحل الأولى من التحلل السكري، ونتيجة لذلك يتوقف إنتاج الطاقة وتُستنفذ مخازن الطاقة سريعاً، خاصة في الدماغ وبذلك تبدأ الخلايا بالتموُّت.

لو كانت فئرانُ الخلد العارية كائناتٍ عاديةً لماتت من فورها! ولكنها مختلفة بطريقة ما، لذلك حاول الباحثون معرفة التغيرات الكيميائية التي تحدث عندها عند حرمانها من الأوكسجين، فوجدوا أن هناك سكرين في الدم يوجدان بمستويات عالية جداً، وهما الفركتوز (سكر الفواكه) والسكروز (سكر ثنائي يتألف من جزيء جلوكوز وجزيء فركتوز). بالإضافة إلى ذلك، وبالمقارنة مع ثدييات أخرى، وُجد أن لدى فئران الخلد مستويات أعلى من كل من المركبين التاليين:

- GLUT5: جزيء ينقل الفركتوز إلى الخلايا.

- الإنزيم الذي يحول الفركتوز إلى شكل آخر قابل للدخول في دورة التحلل السكري.

يسمح وجود هذين المركبين باستخدام الفركتوز مصدراً للطاقة بدلاً من الغلوكوز في ظل غياب الأوكسجين.

لكن لماذا الفركتوز؟

يدخل الفركتوز دورة التحلل السكري في مرحلة متأخرة، ويستمر إنتاج الطاقة في ظل غياب الأوكسجين حتى مع توقف المراحل الأولى من التحلل السكري على خلاف الغلوكوز الذي يستهلُّ دورةَ التحلل السّكري التي لا تتم إلا بوجوده (عندما يكون هو مصدر الطاقة المستخدم).

الغريب في الأمر أنه حتى السلاحف والأسماك التي تستطيع العيش مدة طويلة دون أوكسجين لم تُعدَّل دورة التحلل السكري لديها بهذه الطريقة، وهذا يمثل "مثالاً مبهراً عن قدرة التطور على إيجاد حلولٍ مختلفةٍ لنفس التحديات البيئية أو التحديات المشابهة"، وعلى الباحثين أن يكتشفوا ما إن كانت حيوانات أخرى من تلك التي تعيش في بيئات منخفضة الأوكسجين قد تطورت لاستخدام الفركتوز بنفس الطريقة.

السؤال الاعتيادي: " ما شأننا نحن في ذلك؟"

إن فهم آلية الانتقال الطاقوي (أي الانتقال من الاعتماد على مصدر طاقة إلى مصدر آخر) عند فئران الخلد العارية بشكل أوفى يمثل أملاً كبيراً بالنسبة للبشر، فمثلاً خلال السكتة الدماغية أو الذبحة الصدرية يتوقف تدفق الأوكسجين إلى الدماغ، وتبدأ الخلايا الدماغية بالتموت خلال دقائق. والأمر الذي يأمُله الباحثون هو ربما إن تمكنوا من تفعيل مسار الفركتوز عند البشر، سيكون من الممكن إطالة عمر الخلايا في ظل الحرمان المؤقت من الأوكسجين.

المصدر: هنا