الفنون البصرية > سلسلة تاريخ الفن

الفن الروماني الكلاسيكي- ج2

استمع على ساوندكلاود 🎧

فنّ النحت

يمكنُ تقسيم فنّ النحتِ الرومانيّ إلى أربعةِ أٌقسامٍ رئيسية، وهي: - النقوشُ التاريخية وتشمل التماثيل الكاملة والنصفيّة، - وتماثيل الفروسية، - والنقوش الجنائزية كنحوت المقابر والتوابيت، وأخيراً - نسخٌ طبق الأصل عن أعمالٍ إغريقية قديمة.

فكما كان هدفُ الفنِّ الرومانيّ إبهارَ الشعبِ كان لفن النحت نفس الغاية بالإضافة لإبراز عظمةِ وقوة الإمبراطورية الرّومانية. غلبَ المظهرُ الجدّيّ في أهمّ أعمالهم النحتية مبتعدين عن التأمّل وعن المفهوم اليوناني في النحت. فوضعيّةُ التمثالِ وملامحُ وجهه ومزاجِه أظهرت وقاراً وجدية نمطييَّن. ومع ازديادِ قوةِ الامبراطوريّة عما كانت به خلال حكم أوغسطس (31 قبل الميلاد-14 م) بدأت تماثيلُ قادتِها تبدو بأوضاعٍ أكثرَ سماحةً. كما واتسم الفن التشكيليّ الروماني بواقعيته فالنقوشُ الدقيقة التفصيلية على عمود تراجان وعمود ماركوس أوريليوس هي مثالٌ واضحٌ على مدى التركيز الدقيق في النحت. بالإضافة لكونها مصادرَ معلوماتٍ مهمّة للباحثين عنِ الجيش الروماني ومعدّاته وتكتيتاته الحربيّة.

1- النقوشُ التاريخيّة

يعودُ اختراعُ المنحوتات البارزةِ لإنسانِ العصر الحجري وليس للرومان ولم يظهر النحاتون والبنائون أيّ مهارةٍ جديدة. إذ كان هدف الرومان من هذه النقوش التاريخية هو صنع التاريخ، لكن الإغريق أضافوا بعداً ثقافياً لتاريخهم باستخدامهم مشاهدَ أسطورية في نقوشهم. فالرومان كانوا واقعيّين في نقوشهم ونحتوا تاريخهم على حقيقتِه.

2- التماثيل:

تعدُّ أعمال نحت الرخام وأحياناً البرونز أحد أهم مساهمات الرومان في فنّ العصور القديمة، فقد عُرضت صورُ وتماثيلٌ لقادةٍ رومان في الأماكنِ العامة لعدةِ قرون. وتم نسخ عدةُ تماثيل نصفية رخامية وكاملة للأباطرة وإرسالها لكافة أنحاء الامبراطورية لتذكير الناس بمدى اتساع الامبراطورية فعملت كقوّة موحِّدة عامّة مهمة. إذ قام إداريو الدولة بنصبِ هذه التماثيل أو وضعها في السّاحات أو المباني العامة، وقامَ الأثرياءُ بشرائها لتزيين قاعاتِ استقبال منازلهم وحدائقها تعبيراً عن ولائهم للامبراطور. ولعلّ الرومان استعاروا نحت التمثيل النصفيّة من الفنّ الاتروري/ الاتروسكي وليسَ من اليوناني لأن تماثيلَ الفنِّ اليوناني لم تكن تظهِرُ الكتِفين وإنّما الرأس فقط.

أهمّ التماثيل النصفيّة والكاملة لأباطرةِ الرومان:

تمثال تراجان- المتحف البريطاني:

رأس نيرون- المتحف البريطاني:

تمثال تيتوس- متحف الفاتيكان:

تمثال بالبينوس النصفي – متحف كابيتولين اليوناني:

تمثال كلاوديوس الإله جوبيتر- متحف الفاتيكان:

3- التمثايلُ الجنائزيّة والدينية:

كان للفنِّ الدينيّ شعبيةٌ إلا أنه لم يكن استثنائياً مقارنةً بباقي أشكال النحت الروماني. فإحدى الميزات المُهمَّة للمعبدِ الروماني هو تمثالُ الإله الذي خُصّصَ من أجلِهِ المعبدُ، فنُصبت هذه التماثيل بالحدائقِ العامّة والخاصّة. أيضاً كان للتماثيل التعبّدية الصغيرة شعبية وكانت توضَعُ على الأضرحةِ التي نقشت بنقوشٍ عاجية وخشبية.

وبتحوّل روما من إحراق الموتى للدفن في نهاية القرن الأوّلِ الميلادي أصبحَ الطلبُ كبيراً على التوابيت الحجرية، والتي اشتهرت ثلاثة منها: وهي التوابيت المصنّعة في العاصمةِ الرومانية، والتوابيت ذات طراز يشبه العليّة والمصنعة في أثينا، والتوابيت الآسيوية المصنَّعة في فريجيا. ونقشت هذه التوابيت وزيّنت بالتماثيل وأغلاها هو ما يُنحَتُ من الرّخام إضافة لصناعة توابيت من الخشب والرصاص. بقيت هذه التوابيت تلعب دوراً مهماً حتى نهاية الامبراطورية الرومانية ممهِّدةً الطريق أمام الفنّ المسيحيّ الروماني.

النسخ الرومانية عن الإغريقية:

على الرغم من افتقارِ النسخ التي قام الرومان بنسخها عن أغلب التماثيل الإغريقية للدقة والإبداع، إلا أنَّ عملهم هذا لهُ الدورُ الكبيرُ في حفظِ تاريخِ فنِّ الإغريق والذي اختفى 99 % من تماثيله. وتعدّ هذه النسخ الرومانية أهمّ ما قدّمه الرّومان لتاريخِ الفنّ، فلولاها لما نالَ الفنّ الإغريقيُّ نصيبَه من الاستحقاقِ ولكانَ لفَنِّ عصرِ النهضة منهجَاً آخرَ غير الذي نعرفه.

أواخرُ مراحل فن الامبراطورية:

أدّى تقسيم الامبراطورية الرومانية إلى غربيةٍ ضعيفة مقرُّها رافيينا، وروما، وأُخرى شرقيّةٍ قويّة مقرُّها القسطنطينية. وشهد الفن في بداية الحقبة المسيحية ظهور تغييرات في الفنّ الروماني الحديث. ففي حين ازدهرت اللوحات الجداريّة والفسيفساء والتماثيل الجنائزية تضاءلت شعبيةُ التماثيلِ ذي الحجمِ الطبيعيّ واللّوحات. فقد استوعب الفن الروماني في القسطنطينية التأثيرات الشرقية لإنتاج الفنّ البيزنطيّ فانتقلَ النحّاتون والفنّانون للقسطنطينية لمتابعةِ أعمالِهم وتجارتهم. وتُعَدُّ كنيسةُ آية صوفيا -والتي أصبحت جامعاً فيما بعد- واحدةً من أشهر الأمثلةِ عن فنّ عمارةِ القبة الرومانية والذي تطلّب بناؤها عشرة آلافِ عاملٍ ومختصٍّ بتكليف من الامبراطور جستينان (527-565).

إن آية صوفيا بالإضافة لفسيفساء رافيينا هما الرمَق الأخير لفنِّ امبراطوريةٍ حكمتِ العالمَ شرقاً وغرباً.

موزاييك رافيينا

قبة آية صوفيا من الداخل

المصدر:

هنا