التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

تاريخِ الشعوبِ العربيةِ قبل الإسلام... لمحةٌ تاريخيةٌ وطبقاتُ العرب

استمع على ساوندكلاود 🎧

يستثيرُ البحث التاريخيُّ لأوضاعِ العرب قبل الإسلام اهتمامَ كثيرٍ من الباحثين ممّن يتطلعونَ إلى سبر أغوارِ ماضي الأمَة العربية، لأنها تُشكّل بداياتِ حركة التاريخ العربي وتقدمُ لوحةً تتضمنُ إنجازاتِ العرب القدماء في مختلف نواحي الحياة. بالإضافة إلى أُسس تاريخهم الذي لا يمكننا تفسيرُ الكثير من ظواهره إلا إذا بحثنا في أصوله القديمةِ في مرحلة الجاهليّة.

لم يحظَ تاريخُ العرب قبل الإسلام بالاهتمام الكافي من جانبِ المؤرخين العرب، وقد وصلت أخباره إلينا مشوّشة، تختلط فيها الحقائق التاريخية بالرواياتِ الخرافية، ويسودها العنصُر القِصصيُّ بما لا يمكن الاعتمادُ عليه كمصدرٍ رئيسي. وأكثر ما ذكرهُ الرواة هو أساطيرٌ وقِصصٌ شعبيةٌ اقتَبسوها من أهل الكتاب لا سيما اليهود، وما وضعه الكُتّاب في الإسلام لغاياتٍ خاصة، انصبّت كُلها على الجوانب السلبية؛ كالغزوِ ووأدِ البنات وما شابه ذلك، ولم تُشرْ إلى الجوانب الحضارية المضيئةِ إلا قليلاً.

وظلّ الناس يتداولون هذهِ الأخبار على أنها تاريخُ العرب قبل الإسلام حتى منتصفِ القرنِ الثامنِ عشرَ الميلادي، عندما دخل المستشرقون والمنقبون على خطِّ البحث عن الكنوز العربية الدفينة في اليمن والحجاز وجنوبي بلادِ الشام، ودوّنوا ما عثروا عليه من النقوش الكتابيةِ القديمة، وآثارِ مدنٍ وقلاعٍ ومعابدٍ وسدودٍ، معتمدينَ على الحقائق العلمية الناتجةِ عن الأبحاث الأثريّةِ بعيداً عن الأساطير المتداولة، وهذا ما ألقى أضواءً هامة على جوانب من حياة العربِ قبل الإسلام، وفَتحتِ الباب للولوجِ عبرهُ إلى جذورهم التاريخية.

عاشَ العربُ الجاهليون في جزيرتهم منقسمين إلى قبائلٍ، يخضعون لمشيئة شيخ القبيلة ويأتمِرون بأمره، ويسيرون بهدِيهِ، في حينِ تتفرّعُ القبيلة إلى بطونٍ وأفخاذٍ لكلٍّ منها زعيمٌ، لكن يجمعها عصبيّةٌ قبليّةٌ هي القاسمُ المشترك أيام الكرِّ والفرِّ. وشكّلتِ الأسرةُ العربية وحدةً اجتماعيةً هي أساسُ القبيلة، وقد سبقَ الانتسابُ إلى الأب، الذي كان سائداً في المجتمع العربي الجاهلي القريب من ظهور الإسلام، الانتسابَ إلى الأم.

تتصلُ ديانة العرب بالعقائدِ الساميّة، المشتركةُ في جوهرها مع جميعِ شعوب منطقةِ الشرق الأدنى، فعبَدوا الأجرامَ السماويةَ كالشمس والقمر والزُّهرة التي تحولّت في الشمال إلى اللاّتِ والعِزّى، كما عَبدوا الحجارة المؤلّهةَ كما هي الحالُ في مكة، وأقاموا في أعيادهم مواسماً للشعرِ والمفاخرة.

صنّفَ معظمُ علماءِ الأنساب الشعوبَ العربية إلى طبقتين؛ بائدة وباقية. ويعنون بالبائدةِ القبائلَ العربيةَ القديمة التي كانت تعيشُ في جزيرة العرب، ثم بادتْ قبل الإسلامِ وانقرضت أخبارها، أي بمعنى الهالكةِ التي لم يبقَ على وجه الأرض أحدٌ من نسلِها. ويُطلق على هذه الطبقةِ أيضاً اسمُ(العاربة) وهي إما بمعنى الراسخة في العروبية أو المُبتدِعةِ لها، بمعنى أنها كانت أول أجيالها. إنها أقدمُ طبقات العرب و أولُ من تكلم العربية. وهم (عاد وثمود وعمليق وطسم وجديس وأميم وجاسم) ويضاف إليهم في بعض الأحيان (عبيل وجرهم الأولى، ودبار) ويرجعون بنسبهم إلى سام بن نوح.

أما العربُ الباقية والذين يسمَّونَ أيضاً بالمتعرّبةِ والمستعربة فهم بنو يعربَ بن قحطان، وبنو معدٍ بن عدنان بن أِدْ، الذين أخذوا اللغةِ العربية عن العرب البائدة، وقد تعرّبَ قحطانُ وجماعتهُ عندما نزلوا اليمن واختلطوا بالناس هناك. وفي روايةٍ أخرى، كان يعربُ يتكلم السريانية فانعدلَ لسانه إلى العربية فتعرّب. وهم العربُ الباقون الذين يشكلون مُجمل العرب بعد هلاك الطبقةِ الأولى، وينتمي إليهم كلَّ العرب الأُصلَاء عند ظهورِ الإسلام، ويرجعون بنسبهم إلى سام بن نوح.

وهناك تصنيفٌ آخر يقسم العرب إلى ثلاث طبقات؛ العرب البائدة، والعرب العاربة، والعرب المستعربة، ويطلق على الطبقتين الأخيرتين اسمُ العرب الباقية. فالعرب العاربة هم الذين انحدروا من نسل قحطانٍ، وهو أول من تكلمِ بالعربية، وهم العربُ ذو الأصالةِ والقِدَم، وهم من حِمْيَر، وأهلَ اليمن وفروعها الذين يمثلون أهلَ جنوب بلاد العرب.

أما الطبقةُ الأخرى فهم العربُ المستعربة، وهم المعديّون الذين انحدروا من ولدِ معد بن عدنان بن أد، وسكنوا نجد والحجاز والشمال، وينحدِرون من إسماعيل بن ابراهيْم، ولم يكونوا عرباً فاستعرَبوا، لأن إسماعيلَ عندما نزل مكة كان يتكلمُ العبرانية أو الآرامية أو الكلدانية، فلما صاهرَ اليمنيّن تعلم لغتهم العربية.

ويصنّفُ ابن خلدونٍ العربَ إلى أربع طبقاتٍ متعاقبة في المدى الزمني؛ العربُ العاربة وهم البائدة، ثم العربُ المستعربة وهم القحطانية، ثم العربُ التابعة لهم من عدنان والأوس والخزرج والغساسنة والمناذرة، ثم العربُ المُستعجمةُ وهم الذين دخلوا في نفوذ الدولة الإسلامية.

وكما ذكرنا سابقاً فإنه لَمِنَ الأمور التي تثير الأسف هو تهاون المؤرخين في تدوين تاريخِ الشعوب العربية قبل الإسلام، لا سيما القسمَ القديم منهُ، والذي يبعد عن الإسلام قرناً فأكثر، فإن هذا القسم ضعيفٌ لا يصح أن نسميهِ تأريخاً، فهو بعيدٌ في طبعهِ وفي مادته عن طبع التواريخِ ومادتها. فلم يظهروا مقدرةً في تدوينه، بل قصّروا فيه تقصيراً ظاهراً. فاقتصر علمهم فيه على الأمور القريبةِ من الإسلام، وحتى في هذه الحقبة لم يُجيدوا فيها إجادةً كافية، ولم يُظهروا فيها براعة، ولم يتناولوا كافة موضوعاتها. فتركوا لنا فجواتٍ لم نتمكن من ردمها حتى الآن، لاسيما في تأريخِ جزيرة العرب، حيثُ نجد فراغاً واسعاً، وهو أمر يدعو إلى التساؤل عن الأسباب التي دعت إلى حدوثه، فهلْ تعمّد الإسلامُ إلى طمس أخبار الجاهلية؟ أو أن العرب لم يكونوا يميلون إلى تدوين أخبارَهم وأخبارَ من تقدمَ منهم وسلف؟

مزيدٌ من التفاصيل عن أوضاع العرب الاجتماعية والدينية والسياسية، بالإضافة لتاريخ الدولِ والممالك العربية سنقدمُها لكم ضمنَ سلسلةِ تاريخ الشعوب العربية قبل الإسلام.

المصادر:

طقوش، محمد سهيل. تاريخ العرب قبل الإسلام، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2009.

معطي، علي. تاريخ العرب الاقتصادي قبل الإسلام، دار المنهل اللبناني، بيروت، 2003.

ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد. تاريخ ابن خلدون المسمى بالعبر وديوان المبتدأ والخبر، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، بيروت، 1979.