الهندسة والآليات > منوعات هندسية

رحلة تطوّر المصاعد

استمع على ساوندكلاود 🎧

أُدرِكَتْ الحاجةُ لنقلِ الأغراض والأشياءِ إلى مستوياتٍ أعلى منذ آلافِ السّنين. حيثُ عرفَتْ المصاعدُ تاريخًا طويلًا بدءًا من أرضيةٍ صلبةٍ يتمّ سحبهُا يدويًا بواسطةِ حبالٍ مربوطةٍ بها، وحتى وصلت في أيامنا هذه إلى ذلك الصندوق الذي يتحرك صعودًا بسلاسة وهدوء. سنبدأُ هنا بمعرفة تاريخِ المصاعد

قصةُ المصعدِ الأول:

تتحدثُ إحدى الفرضياتِ عن استخدام الفراعنة للمصاعدِ الشاقولية في بناء الأهرامات، لكنّها تبقى فرضية غيرَ مثبتة، إلا أنّ المثبتَ هو أوّل استخدامٍ للمصعد والذي تمّ تسجيلهُ في القرن الثالث قبل الميلاد. يرجعُ الفضلُ لاختراعِ أوّلِ مصعدٍ إلى عالم الرياضيات والفيزياء والفلك اليوناني أرخميدس، حيثُ اعتمدَ في الجهازِ الذي اخترعَه على الحبال والبكرات، فيتمُّ لفُّ الحبل على محورٍ أسطواني بواسطةِ الطريقةِ المبينة في الصورة 1. هذه المصاعدُ أو الروافعُ الأوليّة كانت تعتمدُ على القوة العضلية البشريّة، أو قوة الحيوانات أو حتى على قوة المياه، وكانت تُستَعملُ لرفعِ الأحمالِ الثقيلة كموادّ البناء.

بقيتْ المصاعدُ تستعملُ لرفعِ الأشياءِ الثقيلةِ فقط وذلك حتى القرن الأول للميلاد، حيثُ تمّ صنعُ أوّلِ مصعدٍ يقومُ برفعِ الأشخاص، وتخصيصِ هذا المصعدِ في رفع الحيوانات المتوحشة والمصارعين من المستوى السُّفليّ حتى مستوى ميدان القتال في المدرج الرومانيّ. أما في العصور الوسطى، فقد كانت المصاعدُ هي الوسيلةُ الوحيدةُ للوصول إلى الدّيّر الذي يرتفعُ ما يقارب 60 متراً عن سطح الأرض في مدينة سان بارلام في اليونان.

امتلكَ الملكُ لويس الخامس عشر واحدًا من المصاعدِ البدائية والتي تمّ تصميمُها خصيصاً للاستخدام البشريّ، وقد كان يُعرَفُ باسم "كرسي الطيران”. وقد تمّ تثبيتُه من قبل Blais-Henri Arnoult في قصر فرساي عام 1743 م. تقفُ الخيانةُ وراءَ اختراعِ هذا المصعد عندما احتاجَ الملكُ لويس مصعدًا خاصًا ليتمكنَ من لقاءِ عشيقته سراً. أما طريقةُ تشغيلِه فهي في غايةِ السهولة حيثُ يقومُ المستخدم بسحب سلكٍ موصولٍ إلى نظام بكرات مع ثقل موازن.

جاءت القفزةُ الكبيرةُ في تكنولوجيا المصاعد مع اختراع المحرّكِ البخاري عام 1765 من قبل James Watt. قدّمَ هذا الاختراعُ الجديدُ مصاعدَ جديدةً أكبر وأقدرَ على حمل حمولات أثقل – مثل الفحم والخشب والفولاذ الصلب-، ونقلِهم إلى طوابقَ أعلى في أبنيةٍ أطول، وذلك خلال عمليات البناء أثناء الثورة الصناعية.

قدّمَ Elisha Graves Otis أوّلَ مصعدٍ آمن عام 1852م، والذي كان يمنع المصعدَ من السقوط في حال انقطاع الكابلات الحاملةِ لعربةِ المصعد. يتألفُ نظامُ الحمايةِ من شريطِ مسنّناتٍ على المصعد وآخر على الجدارِ المقابلِ، وكذلك نابض يشدُّ المصعدَ بشكلٍ دائمٍ بعيدًا عن شريط المسننّات المعلّق على الجدار. عندما تنقطعُ كابلاتُ الّرفع يتوقفُ النابضُ عن شدّ المصعد، وتتعشق المسنّنات ببعضِها البعض، ويتوقف المصعد عن الحركة تمامًا. قامت شركة أوتيس بإنتاج أوّل مصعد كامل مع نظامِ الحمايةِ الآمن، والذي دخل حيّز التشغيل عام 1857 في متجر في مدينة نيويورك.

في عام 1880م قام Werner Von Siemens ببناء أوّلِ مصعد كهربائي. يعتمدُ مبدأُ عملِ هذا المصعد على محركٍ كهربائي مثبتٍ تحت غرفة المصعد، ويقوم المحركُ برفعِ غرفةِ المصعد باستخدام نظامِ المسننات. كان من المفترض أن يتمّ الكشفُ عنه عن طريقِ رئيسِ معرضِ التجارة والزراعة Mannheim Pfalzgau في ألمانيا، ولكنه تأجلَ لمدة شهرين. لكي يحققَ بعدَ ذلك نجاحاً كبيراً وذلك في القدرة على نقلِ آلاف الركاب.

يوجدُ الكثيرُ من اللحظات التاريخية المهمة الأخرى في رحلة تطوّر المصاعد، ونذكر منها:

- عام 1878م، تقدّمُ شركةُ أوتيس أسرع مصعد هيدروليكي، واقتصادي جدًا كذلك.

- عام 1887م، قام المخترع الأمريكي Alexander Miles باختراع ميكانيزم لإغلاق أبوابِ حجرةِ المصعد آليًا.

- قام المخترع الأمريكي Joseph Giovanni باختراع نظام أمان في عام 1944م، والذي يمنع من إغلاق باب المصعد على المستخدمين أو أي عائق آخر.

- قامت شركة أوتيس للمصاعد، بتركيبِ أوّل نظام تحكم يقومُ بالتحكم آلياً بالسرعات المختلفة للمصاعد في عام 1924م. يتحكمُ هذا النظام بالتسارع والسرعة بين الطوابق، ويقوم بالتباطؤ عند الوصول إلى الطابق المطلوب والتوقف.

- قامت شركة أوتيس بتركيب مصعد في مبنى Empire State الجديد، وكان يسيرُ بسرعة 1200 قدم بالساعة (أي ما يعادل 366 متر بالدقيقة)، يحتوي مبنى Empire State الآن على 73 مصعدًا.

- قدمت شركةُ أوتيس معالجات صغرية في أنظمة تحكم مصاعدها، وأطلقت عليها Elevonic 101 وذلك عام 1979، وهو ما جعل المصاعد مؤتمتة بشكل كامل

المصاعدُ بيئةٌ خصبةٌ جدًا للابتكار!

كلّما ازدادت الأبنيةُ ارتفاعاً زادت الحاجةُ للمصاعد؛ لتكونَ قادرة على مواكبةِ العددِ المتزايدِ من الطوابق، والحاجةِ لنقل المستخدمين إلى الطوابق المرجوة بسرعة. ووفقاً لوكالة CNN يحمل برج شنغهاي _ثاني أطول برج في العالم بارتفاع 2074 قدم (632 متر) في الصين ثلاث أرقام قياسية: المصعد الأسرع والمصعد الأطول والمصعد الأسرع ذو الطابقين، وقد قامت شركةُ ميتسوبيشي الكتريك في اليابان بتصميمِ مصاعد هذا البرج بسرعاتٍ تصلُ إلى 67 قدم بالثانية (20.5 متر في الثانية) وتقوم بخدمة 121 طابق. ربما تصمدُ أرقامُ برج شنغهاي القياسيّة حتى إتمامِ بناءِ برج مدينة جدة السعودية، الذي سيكون أطول برجٍ في العالم وربما مصاعده الأسرع في العالم.

من أهمّ المجالاتِ التي تتطور سريعًا هي مجالات السّلامة وحماية المستخدمين، ولعلّ شركةَ أوتيس للمصاعد هي السّباقة في هذا المجال، ففي عام 2009م كشفت الشركةُ عن نظامها الجديد الذي يقومُ بالكشف عن السرعات غير الطبيعية كسقوط المصعد مثلًا، عندها يقومُ النظامُ بتشغيلِ المكابح الميكانيكية آليًا والتي تُوصَلُ بمشغل الكترومغناطيسي. يوجدُ براءةُ اختراعٍ أخرى لعام 2011 باسم المخترع السويسري Juan Carlos Abed، وهي عبارةٌ عن دارة آمان، تعمل على تخفيف سرعةِ المصعدِ بأسلوبٍ موجهٍ ومحكمٍ عند وجود أيّ حالةٍ طارئة.

مستقبل المصاعد، مصاعد مغناطيسية، أفقية، وتصل إلى الفضاء!

تعتمد التقاناتُ الجديدةُ على تطوير واكتشاف الإمكانيات لصنعِ مصاعد أطول وأسرع وأكثر سلامة.

تهدفُ المصاعدُ الجديدةُ إلى الاستغناء عن الحبال واستبدالها بمغانط. حيث قامت شركةُ تايسن كروب الألمانية بتطوير مصعدٍ أطلقت عليه اسم MULTI مستفيدةً من مبدأ الرفعِ المغناطيسيّ. المصعد الجديد ليس مثالياً بالنسبة للبيئة فقط، وإنّما سيتمكن من القيام بتحسينٍ كبيرٍ في كفاءةِ نقل الأشخاص باستخدام عدة عربات في نفس الحجرة.

بشكل مشابه للمصعد في فيلم Willy Wonka and the Chocolate Factory، فقد يتمكنُ المصعد من خلق احتمالاتٍ جديدةٍ كالتحرك بشكل أفقي.”

إلى أيّ طولٍ يمكن أن نصلَ في بناء المصعد؟ أشاعَ كاتب روايات الخيال العلميّ Arthur C. Clarke في روايته "ينابيع الجنة Fountains of Paradise" فكرةَ بناءِ مصعدٍ إلى الفضاء. كما ذكر الكاتب في روايته، يحتاج هذا المصعد إلى خمس ساعات منذ انطلاقهِ من سطحِ الأرضِ حتى الوصول إلى مستعمرة في الفضاء. بعيدًا عن الروايات، أعلنت ناسا بأنّ المصعدَ إلى الفضاء قد يصبحُ حقيقة في المستقبل القريب! فهل سنتمكن قريبًا من مشاهدة كوكب الأرض يزداد صِغَراً ونحن جالسون في مقعدنا في المصعد الفضائي؟

المصدر:

هنا