البيولوجيا والتطوّر > التطور

لماذا يظهر الباندا بالأبيض والأسود فقط؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

تُعتبر البقعُ السوداء والبيضاء ميزة فريدة لدبّ الباندا، ولا مجالَ للخطِأ في هذا، أما للإجابةِ عن السؤالِ البسيطِ وهو "لماذا يظهر الباندا بهذه الألوان؟"، يمكنُ القولُ إن العلماء وجدوا فكرة أفضلَ لتوضيحِ سببِ امتلاكِ الباندا لهذا النمطِ المميزِ الذي يمكنُ أن تعودَ أصوله للطريقة التي يحصل بها هذا الحيوان على ما يكفيه من الطعام.

يؤدي المظهرُ العامُ والألوان في الحيوانات مجموعةً متكاملةً من المهام، كجذبِ الأقران أو التحذيرِ من الحيواناتِ المفترسة، إضافةً إلى المساعدة في الاختباء والتمويه، ولتحديدِ السببِ الذي يتبعه كائن ما في طريقة تلونه، غالباً ما يُقَارن علماء الأحياء بينه وبين أنواعٍ مماثلةٍ تحتل مواقع مشابهةٍ في بيئاتٍ أخرى.

فعلى سبيل المثال، وعلى الرغمِ من العيشِ في جهتين مختلفتين من الكرةِ الأرضية، تمتلك النمور في آسيا وأفريقيا من جهة، والنمر الأمريكي المرقط (jaguars) الذي يعيش في الأمريكيتين من جهةٍ أخرى، بقعاً سوداء على جسمها، تساعدها في الاختباء والتمويه -الذي يحاكي انعكاس ظلال الأغصان والشمس على الأرض- خلال تعقب ومطاردة فرائسها.

وتتمثل المشكلة عند الباندا أنها مميزة وفريدة نوعاً ما، ففي حين أن الخطوط والبقع شائعةٌ في المملكة الحيوانية، إلا أنه من النادر، أن نجد ما تمتلكه الباندا من جواربَ وكفوف سوداء وقميص أسود وبقع عيون سوداء إضافةً إلى الأذنين الداكنتين.

وبناءً على هذا النمط الفريد قام فريقان من جامعتين مختلفتين من كاليفورنيا بالعمل معاً لمطابقةِ كل جزءٍ من أجزاءِ جسم الباندا بشكلٍ منفصلٍ، مع كائنٍ آخر ومقارنته به. ويقول أحد الباحثين: "إن التقدم الذي تحقق في هذه الدراسة هو معالجةُ كل جزءٍ من أجزاء جسم الباندا كمنطقة مستقلة". فقد قارن الفريق، المناطق المختلفة في جسمِ الباندا، والموزعةِ بين الأبيض والأسود، مع 39 سلالةٍ من الدببة إضافةً إلى 195 نوعاً من اللواحم مع الاهتمامِ الشديدِ بالبيئةِ الخاصة بكلٍ منها.

درس الباحثون في هذا السياق آلافاً من الصور التي ضمت 20 لوناً مختلفاً على الأقل، موزعة على أكثر من 10 مناطق من الجسم، ويقول Ted Stankowich: "قد تستغرق الإجابة على أبسط سؤالٍ ممكنٍ وهو (لماذا يتلون الباندا بالأبيض والأسود؟) مئاتٍ من ساعات العمل الشاق". وبعد دراسةِ النتائجِ يمكنُ القولُ: أن بقع الباندا أتت من مزيج بيئتين مختلفتين من داخل مناطق الصين الجبلية، والتي تُعتبر موطنها الأصلي، الأمر الذي يمكنها من التواصل مع الأصدقاء والأعداء، فخلافاً لأبناء عمومتها اللاحمة تعتمد الباندا على نظامٍ غذائيٍ نباتي يتكون بشكلٍ أساسي من براعم نبات الخيزران، والتي رغم توفرها بشكلٍ كبيرٍ في بيئتها، لا تعد الوجبةَ الأسهل للهضم.

وبغضِ النظر عن مظهر الباندا القصير والبدين، إلا أنه لا يمكّنها فعلياً من تخزين ما يكفيها من الدهون اللازمة لها في أشهر الشتاء العجاف، وهذا يعني أن على دببة الباندا أن تبقى نشطة على مدار العام حتى عند تساقط الثلوج، لتجد ما يكفي من الغذاء لتلبية احتياجاتها من الطاقة.

ويفسر الباحثون أن امتلاك الباندا لبطون ورؤوس بيضاء، يساعدها على الاختباءِ في المناطق الثلجية دون التعرض لمضايقة نمور وثعالب الثلج، التي تنظر إليها كوجبةٍ جيدةٍ.

ومن ناحيةٍ أخرى، تساعد الأجزاء الداكنة من الأطراف الأربعة على إخفائها في ظلال بساتين الخيزران، التي تختبئ فيها خلال الأشهر الأكثر دفئاً، أما تلك العيون الحنونة لدى الباندا، يُفترض بأنها تساعد هذه الحيوانات على التواصل مع بعضها، أو أنها ربما تكون بمثابةِ إشارةِ تنبيهٍ لحدوث عدوانٍ من منافسٍ ما، في حين أن الأذنين قد تؤدي إشارات تحذيرية مفادها " ابقَ بعيداً" أو "أنا غاضب" ترسلها إلى الحيوانات المفترسة.

وقبل بضع سنواتٍ فقط، قال نفس الفريق البحثي في دراسةٍ أجراها على الحمار الوحشي، أن الخطوط الموجودة على جسمه، ساعدته في تضليل وإرباك الحشرات، ووفرت له بعض الحماية من لسعات الذباب.

ربما لا تشكل هذه النتائج الجواب الأخير والمقنع الذي يجيب على سؤال ألوان الباندا، ولكنه بالتأكيد يفتح طرقاً لمناقشةٍ أوسع.

المصدر والورقة البحثية:

هنا

هنا