البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

المُخيخ... جزء الدماغ المنسي |دور جديد للمخيخ لم يخطر على بال العلماء

استمع على ساوندكلاود 🎧

المخيخ حرفيّاً هو المخ الصغير "Little Brain" (تصغيراً للمخ باللغة العربية)، ودائماً ماكنا نعتقد أنّ دوره يتلخّص في مساعدتنا على التّوازن والسيطرة على عملية التّنفس وبعض المهام الأخرى فهو يتلقّى المعلومات القادمة منا للأعضاء الحسّية في الجسم ومن النخاع الشوكي بالإضافة إلى تلقّيه الإشارات من مناطق أخرى في المخ ويوجد بداخله عدد من الدارات والسبل المختصة بنقل السيالات إلى الأماكن المتخصّصة، كما يقوم المخيخ بتنسيق الحركات الإرادية مثل الوضعة والتوازن والكلام، فينتج عن كل تلك العمليات فعاليّة عضلية متناسقة وسلسة.

ينال المخ –جار المخيخ الأضخم- كلّ الاهتمام والتركيز وتُجرى عليه الكثير من الدراسات والبحوث بشكل مستمر فهو مقرّ الذّكاء ومركز عمليّات التفكير والتخطيط، وهو ما يميّزنا عن أسلافنا السابقين الأقل ذكاءً. بينما بقي المخيخ مهملاً لفترةٍ طويلة ولم تُجرى محاولة اكتشاف وظائف جديدة له إلّا في الآونة الأخيرة إذ اكتُشف بعد إجراء سلسلة من التجارب في جامعة ستانفورد وجود خلايا عصبيّة في المخيخ قادرةٍ على الاستجابة للمكافآت وتوقّعها كذلك، وهذا الأمر جدير بالاهتمام؛ لأن نظام المكافأة الموجود في المخ والقائم على الإشارات الكيميائية للناقل العصبي الدوبامين يؤثّر على سلوكيات الأفراد ويلعب دوراً مهمّاً في اتخاذ القرار والإقبال على ألعاب القمار والمراهنات والإدمان على المخدّرات والاضطرابات الذهانية النفسية والفصام.

ليكون هذاالاكتشاف خطوةً أولى على طريق معرفة المزيد والمزيد من الأسرار التي يخفيها المخيخ.

كما أن ذلك سيفتح أبواباً عديدة للباحثين في مجالات علم الأعصاب لمعرفة أصول عمليّات الإدراك والاستعراف لدى الإنسان وكيفيّة نشوئها.

كيف توصّل الباحثون إلى هذا الاكتشاف؟

في الماضي عندما كشف المشرّحون القدماء عن المخيخ وحاولوا تقصّي وظائف هذا لعضو، أدركوا أنّه يساعد في التحكّم بالعضلات لأنه إذا أصيب المخيخ بأيّ خلل فسيتظاهر ذلك بخلل في تنسيق الحركات.

لا شكّ في أنّه كان هنالك بعض الإشارات والتلميحات التي تبيّن الدور الكبير الذي يقوم به المخيخ ولكن لم يتمكّن الباحثون من اكتشافها أو رصد هذه الإشارات لأن الخلايا العصبيّة التي تشكّل معظم المخيخ هي خلايا معقدة الوظيفة وليس من اليسير دراستها بشكل معمّق.

وتُعرف هذه الخلايا العصبيّة التي تمّ الكشف عن دورها بالخلايا الحُبيبية (granule cells) وتشكّل حوالي 80% من الخلايا العصبيّة الموجودة في الدماغ وجميعها موجودةٌ ضمن نسيج المخيخ لكنّ حجمها يبلغ فقط 10% من الحجم الكلّي للدماغ. وبالحديث عن مستوى تلك الكثافة التي تبلغها كتلة الخلايا المحببة فإنّ التقنيات والطرق التقليدية التي تعمل على تحرّي وكشف نشاط الخلايا وفعاليّاتها لاتؤدّي الدور المطلوب بالقدر الكافي، وعندما لم يكن هنالك وسيلة ملائمة لدراسة هذه الخلايا وقف العلماء عاجزين أمام الوصول إلى معرفة كاملة عمّا يقوم به المخيخ حقيقةً.

كيف تمّ إجراء الدراسة؟

من أجل دراسة الفعالية العصبية لهذه الخلايا والتحكّم بالحركات قام العلماء بالتالي:

دُفعت الفئران للحركة عبر تلقّيها ماء محلّى بعد زمن قدره ثانيةٌ واحدة وذلك عند قيام كل فأر بدفع رافعة صغيرة مخصّصة للتجربة، وفي الوقت الذي يقوم به كل فأر بدفع رافعته يتلقّى مكافأته، كان مارك فاغنر (Mark Wagner)، أحد القائمين على الدراسة، يقوم بتسجيل النشاط الحاصل ضمن الخلايا المحبّبة الخاصة بكل فأرٍ من فئران التجربة، وكان يتوقع أنّ النشاط الحاصل في الخلايا المحبّبة سيكون مرتبطاً بتخطيط وتنفيذ حركات الأذرع كما هو متعارف عليه من وظائف المخيخ.

وكان (فاغنر) على حق إلى حدّ ما ، فبعض الخلايا الحبيبية تفعّلت عند بدء حركة الفأر، لكن الجزء الآخر من الخلايا الحبيبية تفعّل في الوقت الذي كان فيه الفأر ينتظر مكافأته من الماء المحلّى، وعندما تمّ تخبئة المكافأة عن هذه الفئران بقي بعض من تلك الخلايا الحبيبية مفعّلاً.

استُنتِج من ذلك أن هذه الخلايا تستجيب فعلاً للمكافأة على غرار خلايا أخرى موجودة في المخ.

إنَّ هذا الاكتشاف إنجازٌ هامٌّ في مجال علوم الأعصاب، إذ أنّه ولخمسين عاماً ظنّ العلماء بأن وظائف الخلايا الحبيبية تكمن في أداء المهام الأساسية، ولكن نتيجةً عدم وجود الوسائل المناسبة لدراسة وظائف هذه الخلايا في الوقت المناسب عن كثب، لم نتمكّن من التوصّل إلى تلك المعلومات عن الخلايا الحبيبية.

يمتلك الباحثون الآن فهماً أفضل ومعرفةً أكبر عما يحدث في المخيخ، ونتمنى أن نحقّق شيئاً أضخم في المستقبل بعد حصولنا على هذه المعرفة، وعلى الرغم من الحجم الكبير الذي كان تحتله الخلايا العصبية في المخيخ فلم يتم دمج دور المخيخ بشكل جيّد مع دور المخ في عمليات حل المشاكل وأداء المهام، وسبب عدم الدمج هو الفرضيات السابقة التي اعتبرت دور المخيخ ينحصر في الوظائف الحركية فقط.

ويأمل (فاغنر) أن يتم توحيد هذا الاكتشاف مع دراسات مستقبلية تُجرى على مناطق مختلفة وباحات متنوعة من القشرة المخيّة لنتمكّن من كشف ألغاز مايجري بداخل رؤوسنا بشكلٍ كامل.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا