العمارة والتشييد > التصميم المعماري

النَّبيذُ والعمارة... تجربةٌ مميَّزةٌ من الأرجنتين

استمع على ساوندكلاود 🎧

قد لا يهتمُّ معظمُنا بالذَّهابِ لزيارةِ مزارعِ العنبِ ومخامرِ النَّبيذِ، لكن عندما نتعرَّفُ على تفاصيلِ هذه المخمرةِ سندخلُ إلى عالمٍ آخرَ ساحرٍ وجميلٍ لننعمَ بتجربةٍ مميَّزةٍ تبدأُ من المزارعِ الى آخرِ مرحلةٍ لتذوُّقِ أفخرِ أنواعِ النَّبيذِ، تجربةٌ تجعلُنا نرغبُ بعيشِ هذه اللَّحظاتِ الممتعةِ والفريدةِ. لنتعرَّف معاً على هذهِ المخمرةِ الرَّائعةِ في الأرجنتين.

صُمِّمت هذه المخمرةُ المخصَّصةُ لأفخرِ أنواعِ النَّبيذِ في باراخي ألتاميرا Paraje Altamire، في مقاطعةِ سان كارلوس وتبعدُ 130 كم جنوبَ مدينةِ مندوزا حيث تُحاطُ بكرومِ العنبِ وتقعُ في قلبِ Valle de Uco. تُعرَفُ هذهِ المنطقةُ عالميَّاً بملاءمتِها لإنتاجِ النَّبيذِ بسببِ مناخِها الطَّبيعي الرَّائع.

في هذا السياق، اكتسبت سياحةُ النَّبيذِ أهميَّةً كبيرةً ليسَ فقط نتيجةَ صناعةِ النَّبيذِ بحدِّ ذاتِها بل أيضاً لأهميَّتِها السِّياحيَّةِ.

كانَ لصناعةِ النَّبيذِ تأثيرٌ كبيرٌ على المناطقِ النَّائيةِ حيثُ بدأَ ظهورُ نشاطاتٍ وبنيةٍ تحتيَّةٍ جديدةٍ مرتبطةٍ بصناعةِ النَّبيذِ.

بدأت الفنادقُ، والمطاعمُ المحليَّةُ، والتَّطويراتُ العقاريَّةُ باكتشافِ أبعادٍ جديدةٍ للإبداعِ ليقدّموا للزُّوارِ طرقاً جديدةً ومبتكَرةً في اكتشافِ العالمِ السَّاحرِ للنَّبيذِ ومزايا المناطقِ المحيطةِ.

يتعاملُ الحلُّ المعماريُّ مع هدفين رئيسيّين: من جهةٍ أن يكونَ المبنى عمليَّاً يلبّي الحاجاتِ الزِّراعيَّةِ وحاجاتِ تخميرِ النَّبيذِ التي تتطلَّبُ شروطاً تقنيَّةً وتشغيليَّةً صارمةً وأساسيَّةً لتصنيعِ نبيذٍ فاخرٍ، ومن جهةٍ أخرى يلبّي المتطلَّباتِ السياحيَّةِ، إذ يلعبُ الزُّوارُ دوراً أساسيَّاً فيه، ومعَ وجودِ مناظرَ طبيعيَّةٍ خلَّابةٍ كلُّ شيءٍ يصبحُ ممكناً.

أتت المعصرةُ بحدِّ ذاتِها كتقديرٍ لجبالِ الأنديز القاسيةِ والمقدَّسةِ هناك، والتي تحدِّدُ طقسَ المنطقةِ وتربتَها. تظهرُ المخمرةُ بشكلٍ مباشرٍ من التربةِ لتشكِّلَ جزءاً من الجبل، باحثةً عن الكمالِ والتَّوازنِ البصري الذي ينسجمُ معَ المنظرِ الطَّبيعي المحيطِ.

من وجهةِ النَّظرِ الإنتاجيَّةِ، تمَّ تصميمُ المخمرةِ بمحورٍ قوي يصلُ بينَ جميعِ الفراغاتِ المشغِّلةِ لها. بما يُشبه العمودَ الفقري الذي يتكرَّرُ على الطَّوابقِ الثَّلاثةِ:

يحتوي القبو براميلَ النَّبيذِ، ويتضمَّنُ الطَّابقُ الأرضيُّ كلَّ أجزاءِ عمليَّةِ الإنتاجِ بالإضافةِ إلى المخبرِ، بينما نجدُ منطقةَ الإدارةِ وبوَّاباتِ الخزاناتِ في الطَّابقِ الأوَّل.

يعتمدُ النِّظامُ الإنتاجي على الجاذبيَّة، يُدخلُ العنبُ بعدَ قطافهِ، ثمَّ يتبعهُ نظامٌ دقيقٌ من الاختيارِ المزدوجِ. ثمَّ يوضَعُ في براميلَ ضخمةٍ يتمُّ رفعُها ونقلُها إلى الخزَّاناتِ لتودع هناك، تبدأُ بعدها مرحلةُ التَّخمُّرِ.

تتوزّعُ العمليَّةُ على شكلِ حرفِ U حولَ تيراسٍ مركزي حيثُ يضمنُ إنتاجاً مريحاً وخفيفَ الحركةِ، وحمايةً من الظُّروفِ الجويَّةِ القاسيةِ في المنطقةِ.

بُنيت المخمرةُ من البيتونِ المسلَّحِ بشكلٍ كاملٍ تقريباً، تبدو الأحجامُ الثَّقيلةُ والضَّخمةُ كأجسامٍ تخرجُ من السَّطحِ مُظهِرةً ملامحَ الأرضِ بطريقةٍ لتعبّرَ بذلكَ عن هويَّتِها الخاصَّةِ. وقد أُعطِيت الأولويَّةُ لاستخدامِ عناصرَ محليَّةٍ كالرَّملِ والمياهِ من نهرِ تونويان Tunuyan. وكانَ استخدامُ الأيدي العاملة المحليَّة جزءاً من الخطَّةِ.

تخرجُ أسطحُ المبنى الرَّئيسي من الأرضِ لتكشفَ عن أحواضِ النَّبيذِ التي تأخذُ شكلَ المخروطِ المقطوعِ، وهذهِ الأحواضُ نتاجُ سنينٍ منَ خبرةِ فريقِ تصنيعِ النَّبيذِ. صُنِعت منَ البيتونِ مسبقِ الصُّنعِ. تمّت معالجةُ كلٍّ من الفراغِ الدَّاخلي، والوسطِ المحيطِ، والمعدَّاتِ بنفسِ المادَّةِ مما أعطاها مظهراً متجانساً حيثُ تملأ خطوطُ الإنارةِ الاستراتيجيَّةِ النَّاعمةِ الجدرانَ بإضاءةٍ حيويَّةٍ وطبيعيَّةٍ. يتركُ هذا التَّأثيرُ الأحواضَ والمساحاتِ مكشوفةً ويُظهِرُها وكأنَّها كهفٌ وكأنَّ الحاوياتِ كانت دائماً موجودةً هناكَ، لكن لم يتمَّ الكشفُ عنها إلى الآن. هدفت الفكرةُ إلى إظهارِ المخمرةِ كامتدادٍ لحقولِ العنبِ.

تظهرُ القُبَّةُ المعدنيَّةُ بين الجدرانِ الإنشائيَّةِ وتمثِّلُ بدَورِها العالميَّة والأبديَّة لتضيءَ على التَّفاصيلِ المميَّزةِ للمكانِ، فتعكسَ ضوءَ الشَّمسِ خلالَ أوقاتٍ مختلفةٍ من النَّهارِ في هذهِ الطَّبيعةِ الجبليَّةِ. تتعاقبُ داخلَ المبنى مناطقُ التَّخزينِ ومناطقُ تذوُّقِ النَّبيذِ، ويمثِّلُ ذلكَ مرورَ الزَّمنِ وتصوُّرَ المستقبلِ.

عندما تمرُّ خلالَ المخمرةِ، ستتمكَّنُ من فهمِ فكرةِ المبنى الذي يدعوكَ لاكتشافِ كلِّ زاويةٍ منهُ، فتشعرُ بالرَّهبةِ منذُ لحظةِ عبورِكَ الجدران الخارجيَّة الطويلة المهيبة، واجتيازِكَ الفراغ الداخلي واكتشافِ المساحاتِ المختلفة التي تُظهِرُ لكَ لعبةَ الضَّوءِ، وتغيُّراتِ الحرارةِ، والسُّكونَ والصَّدى.

تسمحُ كلُّ هذهِ الميِّزاتِ للزُّوارِ بتجربةِ عمليَّةِ تخميرِ النَّبيذِ وإغرائِهِم بالخيالِ الغامِضِ والجاذِبِ لعمليَّةِ تصنيعِ النَّبيذِ. من دونِ هذهِ التَّجربةِ سيكونُ منَ المستحيلِ فهمُ هذهِ العمليَّةِ أو الإحساسُ بها.

أن تصنعَ نبيذاً يحترمُ هويَّةَ المنطقةِ هو نشاطً مميَّزٌ يَنتجُ من البحثِ والتَّطويرِ، إذ يقتضي ذلكَ التزاماً كبيراً وشغفاً ليسَ فقط بمزارعِ العنبِ بل أيضاً بالمخمرةِ. فهو نشاطٌ يبحثُ بشكلٍ أساسيٍّ عن فهمِ المكانِ وخصائصِهِ المميَّزةِ غير المكرَّرةِ. باتِّباعِ هذه المباني، التَّصميمُ هو مرآةٌ لازدواجيَّتِهِ، إذ أنّ ترافُقَ المنظورِ التِّقنيِّ للمكانِ معَ المشاعرِ يعطينا تجربةً لا تُنسى.

ما انطباعُكَ بعدَ التعرُّفِ على هذا المبنى؟ هل تعتقدُ أنَّهُ مبالغٌ به، أم أنَّهُ أعطى وظيفتَهُ التَّجربةَ التي تستحق؟

المصدر:

هنا