الرياضيات > الرياضيات

سلسلة ملكة الرّياضيّات: الأعداد المثاليّة

استمع على ساوندكلاود 🎧

العدد المثاليّ بالتّعريف عددٌ يساوي مجموع قواسمه جميعًا عدا نفسه. فمثلًا، العدد 6 عددٌ مثاليٌّ لأنّ 6 = 3 + 2 + 1، وهذه الأعداد الثّلاثة تمثّل قواسمَه جميعًا عدا نفسه، والعدد المثاليّ الّذي يتلوه مباشرةً 28، ويتلوه الأعداد 496، و8,128، و33,550,336. نلاحظ أنّ الفجواتِ بين هذه الأعداد واسعةٌ جدًّا، ما يجعل العثور على المزيد منها أمرًا مضنيًا. رغم ذلك يبدو أنّ الإغريقَ كانوا على درايةٍ بالأعداد المثاليّة الأربعِ الأولى، إذ لم يُدوَّن العددانِ الخامسُ والسّادسُ بشكلٍ واضحٍ ومباشرٍ حتّى القرنِ الخامسَ عشرَ، وتلاهما العدد السّابعُ في القرنِ السّادسَ عشرَ. إلى تاريخنا هذا عُثر على 49 عددًا مثاليًّا فقط، يتألّف أكبرُها من 44,677,235 خانةً، وجميعها أعدادٌ زوجيّةٌ.

والسّؤالان الّلذان يطرحان نفسيهِما هنا:

1- هل يوجد عددٌ غيرُ منتهٍ من الأعداد المثاليّة؟

2- هل يوجد أيُّ عددٍ مثاليٍّ فرديٍّ؟

لم يستطع أحدٌ حتّى اليومِ أن يجيب عن هذين السّؤالين ببرهانٍ عامٍّ وحاسمٍ.

منذ أكثرَ من ألفي عامٍ، برهن إقليدسُ صحّةَ ما يلي: إنْ كان العدد عددًا أوّليًّا، فإنّ العدد عددٌ مثاليٌّ زوجيٌّ. فمثلًا:

، وأيضًا .

مع ذلك لم يبرهن إقليدس أنَّ كلّ عدد مثاليٍّ زوجيٍّ يجب أن يكون من الشّكل . في الواقع لم يُبرهَن ذلك حتّى القرنِ الثّامنَ عشرَ على يد الرّياضيّ ليونارد أويلَر Leonhard Euler.

لفهم برهان أويلر علينا أن نتعرّف أوّلًا على مفهومين أساسيّين ونظريّةٍ:

الدّالة الجدائيّة: لتكن لدينا دالّةٌ حسابيّةٌ 𝑓، نقول عن هذه الدّالّة إنّها جدائيّةٌ إذا حقّقت العلاقة (f(ab)=f(a)f(b حيث 𝑎 و𝑏 عددان صحيحان أوّليّان فيما بينَهما، ونقول عن الدّالّة إنّها جدائيّةٌ تمامًا إذا حَقّقت العلاقة نفسَها أيًّا كان 𝑎 و𝑏.

الدّالّة σ: قيمة هذه الدّالّة عند أيّ عددٍ 𝑛 تساوي مجموع قواسمه الموجبة جميعِها. نلاحظ أنّ σ(n)=2n إذا وفقط إذا كان 𝑛 عددًا مثاليًّا. ويَجدُر بالذّكر أنّ هذه الدّالّة دالّةٌ جدائيّةٌ.

النّظريّة: إذا كان 𝑛 عددًا صحيحًا موجبًا، وكان 𝑝 عددًا أوّليًّا، فإنّ .

وهنا نطرح برهانَ أويلر:

لنفرض أنّ عددٌ مثاليٌّ زوجيٌّ حيث 𝑚 عددٌ فرديٌّ. بما أنّ العدد 2 قاسمُ الأوّليّ الوحيد، وبما أنّ 𝑚 عددٌ فرديٌّ لا يقبل القسمة على 2، فإنّ العددين 𝑚 و أوّليّان فيما بينهما، وبالتّالي نستطيع أن نكتب:

ولكن بحسب النّظريّة أعلاه ، وبالتّالي:

ولنسمّيها (1)

وبما أنّ N عددٌ مثاليٌّ فإنّ:

ولنسمّيها (2)

من العلاقتين (1) و(2) نستنتج: ، ومنه

.

بما أنّ 𝑚 عددٌ صحيحٌ بالفرض، فإنّ يقبل القسمة على بالضّرورة، وبما أنّ لا يقبل القسمة على ، فلا بدّ أنّ (σ(m يقبل القسمة على ، بحيث يكون: من أجل عددٍ .

وهنا لدينا حالتان:

الحالة الأولى q=1؛ بالتّعويض نجد أنّ ، وأنّ:

وبما أنّ (σ(m تساوي مجموع قواسم 𝑚 جميعِها، فهذا يعني أنّ 1 وَ𝑚 هي قواسم 𝑚 جميعُها، وبالتّالي 𝑚 عددٌ أوّليٌّ. وبتعويض قيمة 𝑚 في العلاقة الّتي في الفرض [[[img:26884]]]]، نجد أنّ حيث أوّليٌّ. وهكذا فبفرض أنّ N عددٌ مثاليٌّ زوجيٌّ، يكون N من صيغة إقليدس عندما q=1 في العلاقة

.

الحالة الثّانية q>1؛ بما أنّ ، نلاحظ أنّ قواسم العدد 𝑚 تتضمّن الأعداد 1 وَ 𝑞 وَ ، و𝑚 نفسَه. وبما أنّ (σ(m تساوي مجموع قواسم 𝑚 جميعِها، فإنّ

بالتّبسيط تصبح المتراجحة:

ما يعني أنّ :

لأنّ بَسطَي طرفي المتراجحة متساويان فالكسر الأكبر هو الكسر ذو المقام الأصغر، ولكن

ومنه:

ولكنّ هذا يتناقض مع ما وجدناه في العلاقة (2) بحسب الفرض، وبالتّالي كي يتحقّق الفرض ويكون العدد N الزّوجيّ عددًا مثاليًّا لا يمكن أن تكون q>1 في العلاقة ، أي يجب أن تكون q=1، أي يجب أن يكون N من صيغة إقليدس:

حيث : أوّليٌّ.

برهن عدّةُ رياضيّين ذلك وغيره ممّا يتعلّق بمسألة الأعداد المثاليّة بطرقِهُمُ الخاصّة. رغم ذلك، ورغم الآفاق البعيدة الّتي وصلت إليها التّكنولوجيا المستخدَمةُ في البحث عن هذه الأعداد، لا تزال هذه المسألة تنطوي على الكثير من القضايا المستعصية الّتي يأمل كثيرٌ من الرَياضيّين العثور على حلولٍ لها.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا