الغذاء والتغذية > عادات وممارسات غذائية

المياه في رمضان.. ماذا يحدث عند الانقطاع عنها؟ وهل تسبب كثرتها بعد الإفطار أي ضرر؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

صيامُ رمضان هو النوع الوحيد من الصيامات الذي يتضمّن الامتناع عن الماء إلى جانب الغذاء، في حين تشمل أنواعُ الصيامات الأخرى فتراتٍ متقطّعةً ومتناوبةً من الانقطاعِ عن الطعام دون المساس بكميةِ الماء المستهلكة، وقد تطرّقنا إلى بعض أنواع هذه الصيامات في مقالِنا السابق هنا.

وسنتابع معكم في مقال اليوم عدّة نقاطٍ أساسية؛ أولها تأثير الانقطاع عن الماء في الجسم في خلال ساعات الصيام الطويلة، والثاني تأثير تناول كمية كبيرة من الماء في أثناء تناول وجبةِ الإفطار، فضلاً عن كيفية تعويض النقصِ الشديد في رطوبة الجسم بين وجبتَي الإفطار والسحور.

أولاً – تأثيرات الانقطاع عن الماء في أثناء ساعات الصيام:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعاني الصائم عدداً من الأعراض المختلفة في خلال اليوم، وسواءَ كانت تلك الأعراض نفسية أو مزاجية أو جسدية، فإنّها تكون ملحوظةٍ على نحو أكبر في المناطق الحارة ذات المناخ القاسي. وترجعُ تلك الأعراض إمّا إلى التغير الحاصل في نمط التغذية ونوعية الطعام، أو إلى انخفاضِ رطوبة الجسم بشكل كبير، أو إلى كليهما معاً، علماً أن الفصلَ بين تأثيراتِ هذه العوامل يعد شديد الصعوبة في ظلّ ظروف الصيام الرمضانيّ(1).

في الأحوال العادية، تتعرّض رطوبة الجسم لتغيراتٍ طفيفةٍ على مرِّ اليوم الواحد، إذ تبقى كميةُ الماء التي يحويها جسم الشخص البالغ ثابتةً نسبياً في خلال اليوم، مع الأخذ بعين النظر أنّ الماء يُفقد من الجسم عن طريق الجسم، وهواء الزفير، والعَرق، ويُعوَّض بشربِ الماء والسوائل وبعض الأطعمةِ الغنية بالمياه كالخضار والفاكهة، ويتحكّم شعور العطش الذين ينظّمُهُ الدماغ بالكميات المُستهلكة من هذه المواد (1, 2).

أمّا في صيام رمضان، فيتعرّض الصائمون للتجفافِ وانخفاض رطوبة الجسم على نحو كبير، وقد رصدَ بعضُ الباحثين تغيراتٍ متوقّعةً في كميةِ البول وتركيزِ الشوارد المطروحة معه خلال ساعات الصيام، في حين لم تتأثر تلك المؤشرات في عينات البول المجموعةِ ليلاً. ولوحظَ انخفاضٌ في كمياتِ البوتاسيوم والصوديوم والذوائب الكلية المطروحة مع البول، مع ارتفاع تركيز الشوارد في البول عمّا كانت عليه سواءَ كان القياس بعد رمضان أم قبله، ممّا يشيرُ إلى تحوّل الكلى إلى وضعيةِ حجزِ أكبرِ قدرٍ ممكن من الماء وخاصةً في فترةِ ما بعدَ الظهيرة. وقد وجدَ فريقٌ آخر من الباحثين أن قيمَ هذه المؤشرات قد ارتفعت كلما اقتربت القراءات من نهايةِ شهر رمضان، مما يشيرُ إلى حدوثِ إجهاداتٍ مستمرة على الأعضاء الإطراحية في الجسم نتيجة طول فترة الصيام والحرمان الشديد من الماء خلال شهر رمضان. كذلك يُخفّض التجفاف حجم الدم والضغط، ممّا يمكن أن يسبب صدمةً للجسم (1, 3).

من جهةٍ أخرى، يعدُّ الصداع مشكلةً كثيرةَ الحدوث في أثناء صيام رمضان، ومن أنواعه صداع الشقيقة Migraine، أو صداعِ التوتّر أو الإجهاد Tension headache الذي يتركّز في الجبهة أو في مؤخرة الرأس والعنق، علماً أنّ الصداع قد يكون ناتجاً عن عدةِ أسبابٍ مجتمعة، وليس فقط نتيجةً لانخفاضِ رطوبة الجسم؛ ومن تلك الأسباب نقصُ النوم، وانخفاضُ سكر الدم، وأعراضُ الانسحاب الناتجة عن تراجع كميات الكافيين المستهلكة عادةً (1).

ويرجعُ الصداع الناتج عن التجفاف إلى انكماش الدماغ قليلاً نتيجةَ خسارة النسيج للرطوبة، مما يسبب ابتعادَهُ عن الجدار الداخلي للجمجمة مسبباً شعورَ الألم المذكور، مع احتمال حدوث خللٍ في الوظائف العصبية. ويترافق الصداع الناتج عن التجفاف بقتامةِ لون البول المطروح من الجسم، والوهن، والاضطراب، والدوار، وجفاف الفم، وانخفاض ضغط الدم، وزيادةِ معدّل ضربات القلب (4).

ويُعالجُ هذا النمط من الصداع بتعويض النقص في رطوبة الجسم عن طريق شرب كمياتٍ كافيةٍ من السوائل، وتعويضِ الشوارد المفقودة من الجسم منعاً للتسبب بأي ضررٍ محتملٍ للكليتين أو الدخول في حالةِ صدمة في بعضِ الحالات الشديدة (4).

يُذكر هنا أن المشروبات الغنيةَ بالكافيين تزيد معدّل التبول، لذا فإنّها لا تعد خياراً مثالياً لتعويض نقص السوائل في الجسم في الفترةِ الواقعةِ بين الإفطار والسحور إلا في حال شربِ كوبين من الماء مقابل كل كوبٍ من المشروبات الكافيينية، ويُفضّل أن يكون الاعتماد الأساسي على الماء والأطعمة الغنية بالرطوبة كالخيار وغيرِه من الخضار والفاكهة، مع التأكيد على أهميةِ ترطيب الجسم جيداً في حال ممارسةِ الرياضة في تلك الفترة، ويمكنكم الاطلاع على بعض المشروبات الصحية المناسبة في مقالنا السابق هنا .

وعموماً، يعد تعديل حجم البول الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام الجسم للتحكم بكمية الماء المطروحة، إذ لا يمكن التحكم بكمية بخار الماء المطروح عبر هواء الزفير، لذا تقوم الكلى بخفض معدّل إطراح الماء والشوارد حتى يعوض الشخص الكميات التي فقدها (1).

من جهةٍ أخرى، وباستعراضٍ بسيط للمواقع العلمية والأبحاث المحكّمة والمنشورة في المجلات العلمية، نجد أن عدداً ضئيلاً من الأبحاثِ قد تطرق لحالة الماء في أجسام الرياضيين في أثناء ممارستِهم للرياضة في رمضان، وقد اعتمد التقييمِ على مؤشّراتٍ دموية وبيوكيميائية، فلوحظَ مثلاً أن لاعبي الرُوكْبي Rugby قد عانوا من ظهورِ مؤشرات التجفاف وازديادِ الهيماتوكريت والهيموغلوبين وتركيز بلازما الدم، وعُزي ذلك بطبيعة الحال إلى انخفاض المدخول من الماء. علماً أن تلك المؤشرات قد رُصدت إلى جانب مؤشراتٍ إضافية لدى الأشخاص غير الرياضيين الذين يصومون في رمضان بمعدل 12 -14 ساعة؛ ومنها ألبومين الدم، وحمض البولة في الدم (5).

هل يعد شربُ كمياتٍ كبيرةٍ من الماء مع وجبةِ الإفطار أمراً مؤذياً؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحدّثنا في مقالٍ سابقٍ عن أهميةِ الماء والحاجة اليومية منه، وذكرنا أن الإشاعات التي تحيط بشربِ الماء مع وجباتِ الطعام وتمديدِها لعصاراتِ المعدة أمرٌ غير صحيح، بل من شأن شرب الماء أن يقي الجسم من الإصابة بالإمساك ويساعد على تحطيم الطعام. كذلك تطرّقنا إلى الكمياتِ اللازمة لكل فئةٍ عمرية وفق الاحتياجات الاستقلابية، ويمكنكم الاطلاع عليها بقراءة مقالَينا السابقَين هنا و هنا . كذلك يمكنكم تعرّف احتياجات الرياضيين من السوائل وكيفية الإماهة أثناء ممارسة التمارين الرياضية هنا 

إذاً، هل يمكن أن نتجاوزَ الحدود المسموحة من الماء يومياً؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا يختلف الماء عن غيرِه من العناصر الغذائية، فكما هو الحال في المغذيات الصغرى (كالفيتامينات والعناصر المعدنية) أو الكبرى (كالدهون والكربوهيدرات والبروتينات)، فإن أية زيادةٍ أو نقصانٍ تؤثر بطبيعةِ الحال في سيرِ العمليات الحيوية في الجسم. ونستعرضُ معكم فيما يأتي بعضاً من الحالات التي يمكن أن تطرأ عند زيادة المدخول من المياه على نحو كبير:

يسبب تناول الكمياتِ الكبيرةِ من الماء حالةَ تُعرف أحياناً بتسمم الماء، في حين يُطلق عليها فعلياً اسم Hyponatremia؛ أي نقصُ تركيز شوارد الصوديوم بالدم، وهي حالةٌ تصبح فيها مستويات الصوديوم في الدم شديدة الانخفاض على نحو غيرِ طبيعي، مما يمنع الصوديوم من أداء دورِه في الخلايا وتنظيم تركيز الشوارد فيها، وتلاحظُ هذه الحالة بشكل أكثرَ توارداً عند الرياضيين في أثناء تمارين التحمّل، إذ يميل الشخص إلى شربِ كمياتٍ كبيرةٍ من الماء أمام التعرّق الشديد، ومن المعلوم أن التعرّق يحمل معه جزءاً من الأملاح الموجودةِ في الجسم، ويسبب تعويض الماء فقط دون تعويض الشوارد حالةََ التسمم المذكورة، وتؤدي بدورها إلى تضخّم الخلايا نتيجة عبورِ الماء من الفجوات خارجَ الخلايا إلى داخلِها، وتعدُّ الوذمةُ أكثرَ الأعراض شيوعاً ويمكن أن تمتدّ فتؤثرَ على الخلايا العصبية التي تتّصف بعدم وجودِ فجواتٍ كبيرةٍ حولَها، الأمر الذي يسبب تضخّمُها وضغطها على الجمجمة، ويمكن عندها أن يتحول تسمم الماء إلى سببٍ للوفاة (6).

وفي حال أخذنا حالةَ الشخص العادي؛ أي الذي لا يمارس الرياضة على نحو يدفعُهُ للتعرّق الشديد وهو صائم، فإن انخفاض تركيز الصوديوم بهذا المقدار لن يحدث إلا بعدَ شرب ما يُقارب 6 ليتراتٍ من الماء؛ أي ما يُعادل 24 كوباً، شريطةَ أن يكون ذلك في فترةٍ قصيرةٍ جداً تكون غيرَ كافيةٍ لطرحِ الفائضِ عبر الكلى، إذ تستطيع الكلى تصريف 800 - 1000 مل ماء بالساعة؛ أي ما يُقارب الليتر، وبمعنى آخر فإن حدوث تسمم الماء يتطلّب استهلاكاً يفوقُ قدرةَ النفروناتِ الكلوية على الإطراح، ويودي بنا هذا إلى نتيجةٍ طبيعيةٍ ومؤكدة مفادها أن احتمال إصابةِ الشخص بتسممِ الماء نتيجةَ شربهِ مع وجبةِ الإفطار مُهْمَل (7).

وتعدّ زيادةُ مدخولِ الماء Increased water intake المذكورةُ نوعاً واحداً من أنواعِ فرط التميّه Overhydration، يُضاف إليه سببٌ آخر هو احتباسُ الماء Retaining water، الذي يحدثُ نتيجةَ عدّةِ حالاتٍ صحيّة تعيق قدرةَ الجسم على طرح الماء الفائض عن حاجتِه، مثل الفشل القلبي ومشكلات الكلى وأمراض الكبد إضافةً إلى بعضِ مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية؛ أي أن الحالةَ المرضيةَ هذه هي السبب في الحدّ من قدرةِ الجسم على طرح الماء وبالتالي زيادةُ نسبتِه في الخلايا والأنسجة وأحياناً في الجوف الصفاقي (6, 8, 9)، وليس العكس كما أشيعَ مؤخراً في بعضِ الفيديوهات المنتشرةِ على وسائل التواصل الاجتماعيّ. كذلك فإن شربَ الماء مع الإفطار – مهما بلغَت كميته – لن يسبب لكم أمراض الكبد أو الكلية وحتماً لن يسبب تسمّمَ الماء.

نصيحتُنا لكم هي تلبية احتياجاتِ أجسامكم وعدم الإنصات إلى أي كلامٍ اعتباطي تصادفونَه هنا وهناك دون البحث عن مصادره الصحيحة، فالجسم يمتلك آلياتٍ عديدةً ودقيقة تسمح لكم بتحديد حاجتكم من الماء وتتمثل طبعًا بالشعور بالعطش وجفاف اللسان وقلّةِ إفراز اللعاب وقتامةِ لون البول وقلّةِ كميته. وما دامت تلك المؤشّرات طبيعية فإنكم في أمانٍ تام. 

المصادر:

1. Leiper J, Molla A, Molla A. Effects on health of fluid restriction during fasting in Ramadan. European Journal of Clinical Nutrition [Internet]. 2003;57(S2):S30-S38. Available from: هنا

2. Anatomy & Physiology [Internet]. McGraw-Hill Education;. Available from: هنا

3. Waterhouse J, Alkib L, Reilly T. Effects of Ramadan upon Fluid and Food Intake, Fatigue, and Physical, Mental, and Social Activities: A Comparison between the UK and Libya. Chronobiology International [Internet]. 2008 [cited 26 April 2021];25(5):697-724. Available from: هنا

4. Dehydration headaches: Signs, treatment, and prevention [Internet]. Medicalnewstoday.com. 2017 [cited 26 April 2021]. Available from: هنا

5. Trabelsi K, Rebai H, el-Abed K, Stannard S, Khannous H, Masmoudi L et al. Effect of Ramadan Fasting on Body Water Status Markers after a Rugby Sevens Match. Asian Journal of Sports Medicine [Internet]. 2011 [cited 26 April 2021];2(3). Available from: هنا

6. Hyponatremia - Symptoms and causes [Internet]. Mayo Clinic. 2020 [cited 26 April 2021]. Available from: هنا

7. Ballantyne C. Strange but True: Drinking Too Much Water Can Kill [Internet]. Scientific American. 2007 [cited 26 April 2021]. Available from: هنا

8. Overhydration: Types, Symptoms, and Treatments [Internet]. Healthline. 2019 [cited 26 April 2021]. Available from: هنا

9. What Causes Ascites? Symptoms, Treatment, Diagnosis & Prognosis [Internet]. eMedicineHealth. 2021 [cited 26 April 2021]. Available from: هنا