الهندسة والآليات > الطاقة

التنين الصيني وأكبر محطّة شمسيّة عائمة في العالم

استمع على ساوندكلاود 🎧

تُعتبر الطاقة المتجددة حلمَ الدول العظمى وغير العظمى، ولا يكاد يوجد شخصٌ واحد على وجه الأرض لا يعرف فوائد الانتقال للاعتماد على هذه الطاقات المتجددة، من حيث الحفاظ على البيئة أولًا وثانيًّا والأهم أنها مصادر لا تنضب بعكس الوقود الأحفوري. أكبرُ دليلٍ على سباق البحث في الطاقات المتجددة هي الأخبار الّتي تتوالى يوميًّا عن اعتماد بلدٍ ما على الطاقة الشمسيّة مثلًا ليوم كامل كألمانيا، أو اعتماد النروّيج على طاقة الرياح والطاقة الشمسيّة لمدة أربعة أيام متواصلة مع بيع الفائض لدوّل الجوار، وغيرها من الأخبار الكثيرة جدًا.

الخبر اليوم من نصيب الصين، الّتي استطاعت بناء أكبر محطّة شمسيّة عائمة في العالم، والتّي قامت شركة "سَنغرو Sungrow" الرائدة ببنائها، بحيث تستطيع توليد الطاقة باستطاعة قدرها 40 ميغاواط وهي استطاعة قادرة على تزويد حوالي 15000 بيت بالكهرباء. قامت الشركة المذكورة ببناء المحطّة في مدينة هواينان "Huainan" الصينيّة، بالقرب من منطقة تحوي مناجم مهجورة، ومليئةً بمياه المطر نتيجة انخفاض الأرض بسبب المناجم، حيث يصل عمق المياه في المنطقة إلى 10 أمتار.

في حين أنّ سبب بناء محطّة شمسيّة من الأساس هو أمر مفهوم، لكن يبقى السؤال الّذي يطرح نفسه لماذا محطّة عائمة وما الهدف من وراء ذلك؟

لماذا محطّة شمسيّة عائمة؟

قد يتساءل المرء في سبب كون هذه المحطّة عائمة، وفي الحقيقة هناك أسبابٌ كثيرةٌ وفوائدُ عظيمة، نلخصها كالتالي:

1- الاستفادة من منطقة ميّتة:

كما هو معروف فإن المحطّات الشمسيّة العملاقة بحاجة لمساحات شاسعة، تصل أحيانًا إلى مساحة تساوي عدة ملاعب كرة قدم مجتمعة، ولكن تأمين مساحات واسعة في الصين هو أمر صعب للغايّة، لذلك شكّلت منطقة المناجم المهجورة الّتي كوّنت بحيرة اصطناعية مكانًا مثاليًّا لبناء هذا المحطّة والاستفادة من هذه المنطقة الميّتة وإعادتها إلى الحياة، وخاصةً أنّ هذه البحيرة تحوي مياه ملوّثةً لا يمكن الاستفادة منها على أيّ حال.

2-تبريد مجاني:

تُشكل مشكلة الحرارة أكبر تحدٍ للمهندسين، يعاني منها الجميع تبدأ بالحاسب المحمول ولا تنتهي بالمحطات الشمسيّة. لحل هذه المشكلة يعتمد الفنيّون على معدّات إضافية باهظة الثمن وتحتاج إلى مساحة كبيرة بدورها، لذلّك شكلت مياه هذه البحيرة الاصطناعيّة طريقة تبريد مجانيّة، و متوفرة بشكل دائم.

3-قريبة من المدن وبالتالي مسافة أقل لنقل الكهرباء:

على عكس المحطات الشمسيّة التقليدية التّي تُبنى بعيدًا عن المدن، لأنها تتطلب مساحات واسعة لا توجد داخل المدن، فإن المحطات العائمة يمكن بكل سهولة بناؤها داخل المدينة على أيّ مسطح مائي كبير ما من شأنه تقليلُ المسافة الّتي يجب على الكهرباء أن تقطعها وبالتّالي توفير في محطات تحويل الطاقة وفي الأسلاك كذلك.

4- سهولة أكبر في الصيانة:

كما قلنا فإنّه يمكن بناء هذه المحطات العائمة بالقرب من المدن، وبالتالي ينعكس هذا الشيء على سهولة الوصول إليها من قبل فرق الصيانة، مما يوفر كثيرًا من الجهد والوقت.

5- فرصة كبيرة للنمو:

يمكن أن تستغل هذه المحطات العائمة، أيُّ مدينةٍ تحتوي على بحيرات كبيرة، أو أيّ منطقة ساحليّة كذلك، حيث يفكر الباحثون في هذا المجال ببناء محطاتٍ مشابهة في البحار والمحيطات كذلك، مع أنّه لا توجد فكرة واضحة كيف ستتحمل هذه المحطات الأحوال الجويّة السيئة وخاصة في المحيطات.

هذه كانت أهم الفوائد الّتي تبيّن ما لهذه المحطّات من أهميّة كبيرة في كل النواحي، ومن الجدير بالذكر أنّ الألواح الشمسيّة تطفو فوق حاوية ضخمة عائمة تعمل كقاعدة للألواح ومنصة للفنييّن والمهندسين على السواء. وتعمل هذه المحطّة بالضبط كمحطّة شمسيّة نموذجيّة عاديّة، إلّا أنها عائمة ويُمكنها العمل ضمن أكثر المناطق رطوبةً وملوحة.

فرصة للصين لتحسين صورتها

ناهيك عن كل الفوائد الّتي ذكرناها سابقًا، فإن لهذه المحطّةِ فرصةً كبيرةً في تحسين صورة الصين على الصّعيد البيئي. فالصين تعدُّ من أكثر البلدان تلوثًا في العالم، حيث يجد الكثير من الصينييّن أنفسهم بدون ماء صالح للشرب إلّا بكميات قليلة، هذا ما عدا الأغذية الملوّثة والهواء الأشد سميّة في العالم، والدليل مستويات الضباب الدخّاني القياسيّة. باختصار فإنَّ الوضع البيئي في الصين سيء للغاية وينذر بالخطر.

أحد أهم الحلول لمشاكل الصين البيئية يكمن في تخفيف الاعتماد على محطات توليد الطاقة الّتي تعمل بالوقود الأحفوري، واستبدالها شيئًا فشيئًا بمحطات توليد طاقة متجددة تمامًا كالمحطّة الشمسيّة العائمة الّتي نتكلم عنها.

جرعة من الواقعيّة

قدّ يظنّ البعض أنّ هذه المحطات العائمة مثاليّة للغاية وبدون عيوب، ولكن هذا للأسف غير صحيح، فالماء نفسه الّذي يشكل نقاط قوتها، يحمل نقاط الضعف كذلك. ما الّذي نقصده بهذا الكلام؟

إنّ الحفاظ على الألواح الشمسيّة فوق المياه يشكّل تحديًا آخرَ، فالوجود المستمر للألواح على سطح الماء يتطلّب نظامًا مقاومًا لها. على سبيل المثال يجب أن تكون كل "الكابلات" والمكونّات الإلكترونيّة الأُخرى بعيدة عن المياه ومقاومة للتسريب في حال وجود أي خطأ، ولا ننسى الخطر الكبير الذي يقع على عاتق الفنيين في المشروع لأن أي تسريب للكهرباء سيكون قاتلًا، فالمياه المعدنيّة المليئة بالشوارد مع الكهرباء يشكلان قاتلًا شرسًا لا يرحم.

خطوة نحو مستقبل أنظف

إنّ التجربة الصينية ليست فريدة، فقد سبقتها عدة بلدان في جميع أنحاء العالم، كاليابان وسنغافورة وغيرها ببناء محطاتها العائمة، وسواءٌ أكانت المحطة الشمسيّة عائمة أم لا فإن فوائدها كبيرة جدًا وتأثيرها على المستقبل أكبر. فالطاقة الشمسية هي واحدة من أفضل الطرق لتخفيف التلوّث في العالم وتقليل مستويّات الغازات الدفيئة كغاز ثاني أُوكسيد الكربون المسبب للكوارث.

الطاقة الشمسية مسؤولة حاليًّا عن إنتاج 0.4 في المئة من الكهرباء في العالم، ولكن إذا ارتفعت هذه النسبة إلى 10 في المئة بحلول العام 2050، فذلك يعني أنّ الغلاف الجويّ سيرتاح من 39.6 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون. بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي ارتفاع نسبة الاعتماد على الطاقة الشمسيّة إلى دفع ما لا يقلّ عن 5 تريليون دولار أمريكي كرواتب للعاملين من خلال توفير فرص عمل جديدة.

ما الّذي ينتظره العالم إذًا فالمشكلة واضحة والحلّ واضح، ألم يحن الوقت بعد لاستبدال كل محطات توليد الكهرباء التقليديّة الّتي تعتمد على الوقود الأحفوري، بالمحطّات التي تعتمد على الطاقة الشمسيّة عائمةً كانت أم غير عائمة؟!

المصادر:

هنا

هنا