المعلوماتية > علم البيانات

البيانات الكبيرة: الحكاية من البداية - الجزء الأول

استمع على ساوندكلاود 🎧

إنّ الجزءَ الأكثرَ إدهاشاً في مجال البيانات الكبيرة هو الخطوات السّريعة للابتكار والتّغيير، فما نحن عليه اليوم مختلفٌ تماماً عمّا كنّا عليه قبل سنتين فقط، وهو حتماً ليس ما سنكون عليه خلال العقد القادم.

لم يَظهر هذا العصر الجديد فجأة، فللبيانات الكبيرة جذورٌ وفروعٌ عديدة -وهي حقيقةً ليست بالشّيء الجديد- فلو سألنا الخبراء سيقولون أنّها موجودةٌ من عقودٍ مضت، حتى أنها تَرجِعُ لعهد الحواسيب المركزية. وإنّ أسباب هذا العهد الجديد مختلفةٌ ومُعقَّدة؛ لذلك لا بُدَّ من تلخيصها ليسهُلَ عليك تذكُّرُها فيما لو سألك أحدهم في حفلة كوكتيل عن البيانات الكبيرة، وهو يريد بالطبع شرحاً مبسَّطاً وشاملاً.

الآن بدأت الرحلة...

هناك ثلاثةُ أسبابٍ جعلت الاهتمام بالبيانات الكبيرة يزدادُ ويصلُ إلى اعتبارِ العصر الحالي هو عصر البيانات الكبيرة، هي:

- موجة الحوسبة المثالية Computing perfect storm:

إنّ تحليل البيانات الكبيرة هو النتيجة الطبيعية لأربعِ صيحاتٍ عالميةٍ رئيسيةٍ هي: قانونُ مور Moore's Law (الذي يقول أن سعر التكنولوجيا ينخفض باستمرار)، الحوسبة المتحركة Mobile Computing

(أجهزة الهاتف النقال والأجهزة اللوحية)، الشبكات الاجتماعية Social Networks (مثل فيس بوك)، والحوسبة السحابية Cloud Computing (لا يحتاج المستخدم أيَّ برمجياتٍ أو عتادياتٍ محمولةٍ معه للتخزين).

- موجة البيانات المثالية Data perfect storm:

كانت مجلدات نقل البيانات موجودةً على الدوام، لكنَّ ثلاثةَ عواملٍ فَتَحتْ بواباتِ الطوفان هي: زيادةُ حجمِ وسرعةِ وتنوُّعِ البيانات التي تصل بطرقٍ غيرِ متوقعة. جَعَلتْ عاصفةُ البيانات هذه من إدارتِها باستخدام تقنياتِ التحليل والإدارةِ المستخدمة حالياً؛ أمراً معقداً وبطيئاً إلى أبعد الحدود.

- موجة التقارب المثالية Convergence perfect storm

يتم الآن دمج تقنيات البرمجيات والعتاديات المستخدمة لتحليل وإدارة البيانات مع تقنية المصادر المفتوحة لإنشاء بدائلَ جديدةٍ لتكنولوجيا المعلومات ورجالِ الأعمال من أجل معالجة تحليلات البيانات الكبيرة.

كما ذكرنا سابقاً فإنَّ البيانات الكبيرة ليست بالموضوعِ الجديد، فقد اعتادت شركةٌ مثل Master Card التعاملَ مع بلايين العمليات حول العالم، لكنَّ الجديد هو أنّه حتى عمالقةُ تكنولوجيا المعلومات الأكثرُ حنكةً مندهشون من الابتكارات الأخيرة التي تمنحُ فِرَقَهم إمكانية السيطرةِ على التقنيات وطُرُق التعامل الجديدة، والّتي تُتيح لنا التعاملَ مع البياناتِ بكلفةٍ معقولة، والاستفادةَ من تنوعِ البيانات خارجَ نطاق عالم المعاملات التقليدي كالبيانات غير المهيكلة على سبيل المثال.

أصبح بإمكان البشر اليوم تخزينُ بياناتٍ أكثرَ مما توقَّعوا في حياتهم كلِّها، فقد وصلنا إلى نقطة التحول هذه؛ إذ لا ضرورةَ لاتخاذِ أيِّ قرارٍ حول أيِّ بياناتٍ سنحذفها وأيها سنحتفظ بها، لأنه يمكننا الاحتفاظ بكل بياناتنا وتاريخنا، ويمكننا العودةُ لاحقاً في أيِّ وقتٍ نريده لنطرح سؤالاً ونبدأَ البحث عن إجابة، وهذا لم يكن ممكناً سوى مؤخراً.

إنَّ التطوراتِ الأخيرةَ في التكنولوجيا المُشفَّرة والفكرةَ التي طرحتها شركةُ جوجل في السوق والتي تتيح لك بها أخذ الكثير من سيرفرات انتل الصغيرة وتجميعها ثم استخدام إمكانياتها مجتمعةً؛ هو ما سيكون عليه شكل الكومبيوتر الخارق في المستقبل.

يقول ميشا جوش المعروف بحصوله على عدة براءاتِ اختراعٍ والذي يعمل حالياً مديراً تنفيذياً في Master Card وعمل قبل ذلك لمدة أحد عشر عاماً في مصرف أمريكا؛ قضاها في حل مشاكل الأعمال باستخدام البيانات:

"إلى جانب التغيرات في تقنية البرمجيات والعتاديات، يوجد تغيرٌ كبيرٌ في التطور الفعلي لأنظمة البيانات، ويُمكن مقارنة ذلك بمراحل التعلم الثلاث: تابع dependent، مستقل independent، مترابط interdependent"

المراحل الثلاث العليا في تطور أنظمة البيانات:

- مرحلة تابع Dependent: تمثل هذه المرحلة بداياتِ أنظمة البيانات، إذ كانت هذه الأنظمة جديدةً تماماً لدرجة أنَّ المستخدم لم يكن يعرف بعد ما الذي يريده منها وما فائدتها، كانت تكنولوجيا المعلومات وقتها تعمل على فرضية: {أنشئها وسيأتي كلُّ شيءٍ لاحقاً}.

- مرحلة مستقل Independent: تمثل هذه المرحلة السنوات الأخيرة فقد فهم المستخدمون ما هي منصة تحليل البيانات وعملوا مع تكنولوجيا المعلومات لتعريف حاجات الأعمال، وطُرق قيادة رؤاهم لتصبح في خدمة شركاتهم.

- مرحلة مترابط Interdependent: تُمثّل عصر البيانات الكبيرة وهي مرحلةٌ تفاعليةٌ بين عدة شركات، مُبتكِرَةً نوعاً من التعاون الاجتماعي يتخطى جدران الشركات.

في الختام نقول؛ إن البيانات الكبيرة عالم غُذِّيَ بعقليةٍ فياضة، شُحنت هذه العقلية الجديدة من قبل مجتمعٍ عالمي عملاق مؤلفٍ من علماء البيانات وحشد المصادر، ويفتح منهجياتٍ وآفاقاً واسعة للتفكير والعمل.

--------------------------------------------------------

المصدر:

هنا