البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

فئران التجارِب... نظافتُكِ تُقلقنا!

استمع على ساوندكلاود 🎧

يُصابُ الإنسانُ بالعدوى بطيفٍ واسعٍ من العواملِ الممْرضةِ الحادةِ والمُزمنةِ، وبسببِ الانتخابِ المعتمِدِ على العواملِ الممرضةِ تتحددُ خصائصُ جهازِه المناعيِّ، والأمرُ ذاتُه ينطبقُ على الفئرانِ.. مع وجودِ اختلافٍ جوهريٍّ لدى فئرانِ التجارِبِ، وهو أنها تعيشُ في بيئاتٍ عاليةِ النظافةِ ومحميّةٍ من عواملَ ممرضةٍ محدّدةٍ، وهنا نطرحُ سؤالاً محقّاً: أيمكنُ أن نعمِّمَ على البشرِ نتائجَ التجارِبِ المناعيةِ المختبَرةِ على الفئرانِ رُغمَ الفرقِ الجوهريِّ في البيئةِ التي يعيش كلٌّ منهما فيها؛ من حيثُ النظافةُ ونوعيةُ العواملِ الممْرضةِ؟

يَلفتُ العلماءُ النظرَ إلى أنّ استخدامَ فئرانِ التجارِبِ التي تُربّى في شروطٍ عقيمةٍ جداً يمكن أن يؤثّرَ على نتائجِ الدراساتِ المتعلقةِ بالجهازِ المناعيِّ، إذ يتعرضُ هذا الجهازُ عند الإنسانِ إلى عواملَ ممرضةٍ متنوعةٍ نستفيد منها في استخلاصِ اللقاحاتِ والبحثِ في الفلورا الطبيعيةِ للجسمِ لمعرفةِ كيفيةِ تأثيرِ الأحياءِ الدقيقةِ على صحتِنا، وكذلك تتأثرُ الأجهزةُ المناعيةُ للفئرانِ بالفلورا الطبيعيةِ الخاصةِ بها، وهذا ما جعلَ باحثَين من جامعةِ تكساس يَلفتان النظرَ إلى أهميةِ هذه الحقيقة. يقول باحثان في علم المناعةِ أنه على الرغمِ من الثورةِ التي حدَثتْ في علمِ المناعةِ بفضلِ استخدامِ الفئرانِ في التجارِب، إلا أنّ هناك مخاوفَ متزايدةً من استخدامِها، لأنها تُربّى عادةً في شروطٍ صارمةٍ من حيث النظافةُ؛ ما يُبقيها بمنأىً عن أيِّ عدوى، وهذا ما يُعرفُ بالمنهجِ الخالي من العناصرِ الممْرضةِ النوعيةِ Specific Pathogen-free أو (SPF). إن الفلورا الطبيعيةَ عند الفئرانِ التي تنمو بهذه الطريقةِ تختلفُ عما هي عليه عند نظرائِها؛ ما قد يُفسدُ نتائجَ الدراساتِ المتعلقةِ بالجهازِ المناعيِّ، خاصةً إذا كنا نريدُ إسقاطَ نتائجِ تلك الدراساتِ على البشرِ؛ إذ سيؤدي ذلك إلى تناقضاتٍ كبيرةٍ لأنّ البشرَ لا يعيشون في مثلِ هذه الشروطِ العقيمة.

أجرى الباحثون مسحاً للمؤلفاتِ العلميةِ الأخيرةِ لتقييم ما إذا كانَ نَهجُ SPF يغيرُ الجهازَ المناعيَّ لفئرانِ التجارِبِ، فوجدوا أنَّ هناك عدةَ حالاتٍ من هذا النوعِ تشمل جراثيمَ (بكتريا) وفيروساتٍ وطفيلياتٍ، فمثلاً إذا حُمِيَت فئرانُ التجارِبِ من الفيروسِ المضخِّمِ لخلايا الفئرانِ (murine cytomegalovirus) -وهو اعتلالٌ شائعٌ بين الفئرانِ البرّيةِ- فإنّ استجاباتِها المناعيةَ ستتغير بدرجةٍ كبيرةٍ إلى درجةِ تغلُّبِها على جراثيمَ قاتلةٍ.

يؤكد الباحثون أنّ المسحَ الذي أجرَوه لا ينادي بعدمِ تطبيقِ منهجِ SPF، ولكنهم يؤكدون على الحاجةِ إلى تعريضِ هذه الفئرانِ إلى طيفٍ أوسعَ من العواملِ الممْرضةِ، وإحدى الخياراتِ هي بدمجِ هذه الفئرانِ مع فئرانٍ في متجرٍ للحيواناتِ الأليفةِ، ولكنْ لهذا الحلِّ مشاكلُه أيضاً! فعندما تكونُ فئرانُ التجاربِ على احتكاكٍ بفئرانِ المَتجرِ، فمن المحتَّمِ أنّ الفلورا الخاصةَ بها ستختلف. إذاً، لمْ تُحلَّ هذه المشكلةُ بعدْ، وما زالَ الباحثون يعملون على إيجادِ بدائلَ لنماذجِ الاختبارِ الحيوانيةِ ويقيِّمون مدى جودةِ النُهُجِ المستخدمةِ حالياً.

برأيكم هل يمكنُ تطويعُ حيواناتٍ أخرى لهذه المَهمةِ؟ وهل سيكونُ من الحكمةِ استخدامُ فئرانَ برّيةٍ في التجاربِ؟

المصادر:

هنا

هنا