الهندسة والآليات > التكنولوجيا

نافذة على المستقبل- رذاذ يمكنه أن يحوّل الأسطُح والأشياء إلى مستشعرة للّمس-

استمع على ساوندكلاود 🎧

تخيّلْ معي مستقبلاً يمكنك فيه أن تحوّلَ الأشياءَ من حولِك، مثلَ الأريكةِ التي تجلسُ عليها والجدارِ الذي بجانبِك وحتى ألعابِ أطفالِك، إلى أجهزةٍ مستَشْعِرةٍ للّمس. يمكن أن تعطيَ من خلالِها الأوامرَ للحواسبِ كما تفعلُ الفأرةُ ولوحةُ المفاتيح. حسنًا، هذا المستقبلُ قد أضحى واقعاً، وكلُّ الفضلِ يعودُ إلى مجموعةٍ من الباحثين في جامعةِ كارْنيجي ميلون (Carnegie Mellon University)، حيث قاموا بصناعةِ رذاذٍ، مثلَ ذلك الّذي تُطلى به الجدرانُ، وبمجردِ رشِّهِ على الأسطحِ تصبحُ قابلةً للّمسِ، وأطلق هؤلاء الباحثون على اختراعِهم اسمَ إليكْتِك (Electick)، وهو مزيجٌ من كلمتَي كهرَباء (Electricity) و خدعة (Trick).

أين تكمن الخدعةُ إذًاً؟

لننطلقْ من الاسمِ لنفهمَ طريقةَ عملِ هذا الرذاذِ، فكما قلْنا أنّ الاسمَ مشتقٌّ من كلمتَي كهرَباء وخدعةٍ، وهذا ما فعله الباحثون بالضبطِ، حيث خدعوا الأسطحَ والأشياءَ التي تكون غالبًا غيرَ مُوصلةٍ للكهرباءِ لجعلِها موصلةً لها، عن طريقِ رشِّ مادةٍ ما عليها.

لنفرضْ مثلًا أننا نريدُ إعطاءَ الأوامرِ للحاسبِ عن طريقِ قطعةٍ بلاستيكيّةٍ على شكلِ دماغٍ، بحيث كلما ضغَطْنا على هذا الدماغِ في مِنطقةٍ ما تضيءُ المِنطقةُ نفسُها على صورةٍ للدماغِ على الحاسبِ، فماذا يجبُ أن نفعلَ؟ ببساطةٍ علينا أن نُحْضرَ الرذاذَ ونرشَّه على الدماغِ البلاستيكيِّ الذي يصبح بدورِه ناقلًا للكهرباء.

ننتقل الآنَ إلى المرحلةِ الثانيةِ، فنقومُ بِوصلِ هذا الدماغِ عن طريقِ وصلِ سلسلةٍ من الأقطابِ الكهرَبائيّةِ بالموادِّ الناقلةِ التي سبقَ وأنْ وضعناها على سطحِه، ومن ثَمّ نصلُ هذه الأقطابَ مع الحاسبِ، وتكون مَهمَّتُنا قدِ انتهت.

إنِ اعتقدْتَ فعلًا بأنّ الأمورَ بهذه البساطةِ فأنت مخطئٌ، لأننا ما زلنا بحاجةٍ إلى معرفةِ كيف يستشعرُ الدماغُ للّمسِ وكيف سيعرفُ أين نضغطُ بأصابعِنا على الدماغِ البلاستيكيِّ بالضبطِ، وهي المرحلةُ الأعقدُ في كلِّ العمليةِ، وقد أظهرَ الباحثون أنّ هذه الخطوةَ يمكن أن تُنفّذَ عن طريق تقنيةٍ معروفةٍ تسمى التصويرَ المقطعيَّ بالحقلِ الكهرَبائيِّ. لنحاولْ إلقاءَ الضوءِ على هذه التقنيّة.

كما قلنا سابقًا فإننا نُوصِلُ الدماغَ البلاستيكيَّ بعددٍ من الأقطابِ الكهربائيةِ بعد طلْيِهِ، فيمرُّ تيارٌ كهربائيٌّ بين كلِّ قطبين من هذه الأقطابِ، ومن ثَمَّ يمكن قياسُ الجهدِ بين هذين القطبين. بتكرار هذه العمليةِ مع كلِّ شَفعٍ من الأقطابِ يمكن عندَها تكوينُ ما يشبه خريطةً ثنائيةَ البُعدِ يمكن تحسُّسُ أثرِ اللمسِ من خلالِها، كما تُبيِّن الصورةُ التالية:

عندما نلمسُ الآن بإصبعنِا في مكانٍ ما على هذه الخريطةِ فإنه يُغيّر قليلاً من قيمةِ التيارِ الكهربائيِّ المارِّ في هذه المِنطقةِ، وبالتالي يَحدثُ تغييرٌ طفيفٌ بالجهدِ المُقاسِ في هذه المنطقةِ، يجعل الداراتِ المرافقةَ قادرةً على كشفِ المنطقةِ الملموسة.

أخيرًا للاستفادةِ من هذه التقنيةِ علينا أن نُعلّمَ الحاسبَ على تطبيقٍ ما، فإذا عُدنا لمثالِ الدماغِ البلاستيكيِّ، وأردنا أن يستجيبَ الحاسبُ بأنْ يضيءَ حالَ لمْسِنا أيَّ جزءٍ من الدماغِ، يكفي أن نلمسَ الجزءَ ونُخبرَ الحاسبَ بالجزءِ الذي يجب أن يُضاءَ، ومن ثَمّ نكررُ العمليةَ للأجزاءِ كلِّها لمرةٍ واحدةٍ فقط. بعدها سيكررُ الحاسبُ هذه العمليةَ للأبد.

الطرقُ المختلفةُ لتحقيق هذه التقنيّة:

شرح الباحثون القائمون على هذه التقنيةِ مبدأَ عملِها في ورقةٍ بحثيةٍ تستطيعون الاطّلاعَ عليها في المراجعِ، وذكروا كذلك الطرقَ المختلفةَ التي من الممكنِ تحقيقُ هذه التقنيّةِ من خلالِها، وهي كالتالي:

أولًا: كما قلنا، الرذاذُ الذي يحتوي على الموادِّ الناقلةِ للكهرباءِ والتي تتكوّنُ من موادَّ سائلةٍ مضافًا لها الكربونُ الناقل.

وكطريقةٍ ثانيةٍ: بيّنَ الباحثون إمكانيةَ طباعةِ أشكالٍ متوافقةٍ مع طريقتِهم مباشرةً بواسطةِ الطابعاتِ ثلاثيةِ الأبعاد.

أمّا الطريقةُ الثالثةُ فتتمثّلُ في صبِّ موادَّ تحوي جزيئاتِ كربونٍ أو جزيئاتٍ معدنيةً في قوالبَ جاهزةٍ، وبالتالي يمكن الحصولُ على موادَّ ليّنةٍ أو حتى ذاتِ قوامٍ هلاميٍّ وقابلةٍ للّمسِ كذلك. وبذلك يكونُ فريقُ العملِ قد غطّى أكثرَ الهيئاتِ التي تأتي من خلالِها الأشياءُ المختلفةُ من حولِنا، فهي إما صلبةٌ أو ليّنةٌ أو لها قوامٌ هلاميٌّ.

يمكن الاطّلاعُ بشكلٍ أعمقَ على هذه الأشكالِ عبر الفيديو التالي:

هنا

من حيثُ الدقةُ، فإنّ دقّةَ اللّمسِ تصلُ حتى 1 سنتمتر، وهي دقةٌ ليست بالسيئةِ إذا ما تكلمْنا عن أسطحٍ كبيرةٍ جدًا كالجدرانِ أو قطعِ الأثاثِ مثلًا، وكلما زادَ عددُ الأقطابِ الكهرَبائيةِ تحسّنَتِ الدقةُ وزادتْ سرعةُ الاستجابةِ للّمسِ كما ذكرَ الباحثون في ورقتِهم.

أما على صعيدِ التطبيقاتِ المحتمَلةِ فهي لا تُعدُّ ولا تُحصى، فيمكن الاستفادةُ منها في التعليمِ على سبيلِ المثالِ، فعند لمسِ جزءٍ من الدماغِ يخبرُنا الحاسبُ بمعلوماتٍ عنه، ويمكن تكرارُ العمليةِ على جميعِ أجهزةِ الجسم.

كمثالٍ ثانٍ، يمكن جعلُ مِقوَدِ السيارةِ مستجيباً للّمسِ بحيث نستطيعُ الردَّ على المكالماتِ أو تشغيلَ الموسيقا دونَ تركِ المِقوَدِ، وغيرَها الكثيرُ.

تقنية إليكْتِك (Electick) بكلِّ اختصارٍ هي نافذةٌ على المستقبلِ، وبالتأكيدِ لم تصلْ إلى مرحلةِ الكمالِ والاستقرارِ، ولكنّ هذا لا يمنعُ كونَها خطوةً مهمّةً جدًا نحوَ مستقبلٍ أجمل.

المصادر:

هنا

الورقة البحثية:

هنا