الفيزياء والفلك > فيزياء

نوعٌ جديد كليّاً من المادّة: البلّورات الزّمنيّة!

استمع على ساوندكلاود 🎧

إنهُ أمرٌ جنونيّ، لكنّ العُلماءَ تمكّنوا من صُنعِ نوعٍ جديدٍ كُليّاً من المادّة، نعم... إنّها البلّورات الزّمنيّة!

لكن مهلاً، إنّها ليست البّلورةُ الزّمنيّة ذاتها الّتي ظهرت في فِلم "The Time Crystal"، ولا البلّورة الزّمنيّة ذاتها من مُسلسل "Rick and Morty".

تمتلكُ هذهِ البلّوراتُ خصائصَ لم نرَ مِثلها في أيّةِ مادّةٍ أخرى. عادةً ما تكونُ المادَّةُ بِلا حِراكٍ في حالةِ "الرّاحة"، لكنّها تمتلكُ طاقةً كامِنةً في هذه الحالةِ إلى أن تكتسبَ طاقةً إضافيّةً فتتحرّك. فعلى سبيلِ المثال؛ تمتلكُ الكرة في حالة الرّاحة طاقةً كامنةً، وعندما تركلُها تتحوّل طاقتُها إلى طاقةٍ حركيّة. لكنّ البلّوراتِ الزّمنيّة تتحرّكُ فعليّاً في "حالة الرّاحة" أو "الحالة الأساسيّة"؛ أي عِندما تَكونُ طاقةُ ذرّاتها في أدنى مستوياتها. إنّها كالكرةِ الّتي تتحرّك إلى الأبد، وبعبارةٍ أخرى؛ إنّها غيرُ مُستقرّةٍ ذريّاً على الإطلاق. إنّها أوّل مادّةٍ غيرُ متّزنَة مطلقاً!

تمتازُ البلّوراتُ العاديّةُ بأنّها تتألّفُ من ذرّاتٍ تُرتّب نفسها في أنماطٍ مُتكرّرة ثُلاثيَةِ الأبعاد، تُسمّى: البنية البلّوريّة "Crystal lattice". تتكرّرُ أنماط البلّورات العاديّة في المكانِ (الحجم)، في حين أنّ البلّورات الزّمنيّة تُكرّر أنماطها في الزّمان والمكان؛ ما يعني أنّها بلوراتٌ رباعيّةُ الأبعاد!

اقترحَ الفيزيائيّ الحاصلُ على جائزة نوبل فرانك ولتشِك، مَفهومَ البلّوراتِ الزّمنيّة للمرّة الأولى عام 2012. وتخيّل وجودَ مادّةٍ افتراضيّة يُمكنُ لها أن تَتحرّكَ دوريّاً حتى في "الحالة الأساسيّة".

من النّاحيةِ النّظريّة، يُمكِنُ للبلّورات الزّمنيّة أن تتحرّكَ دونَ اكتسابِ الطّاقةِ لأنّها غيرَ مُستقرّةٍ بِطبيعتها وتشكّلُ خرقًا للتّناظُر الزّمنيّ، ممّا يجعلُ ذرّاتها في حركةٍ دائمة. فورَ انتشارِ هذه النّظريّةِ في الأوساطِ العلميّة، ركّز الباحثون جهودهم للخروجِ بأساليبَ لِخلقِ هذهِ المادّةِ الجديدة التي تستطيعُ خرقَ التّناظر الزّمنيّ. نُشِرَ مُخطّطٌ صُنع البلّورة الزّمنيّة على الإنترنت في آب 2016، وعنونَ المؤلِّفُ نورمان ياو "Norman Yao" من جامعة كاليفورنيا ورقته "الجِسرُ بين الفكرةِ النّظريّةِ والتّطبيقُ التّجريبيّ". تولّى فَريقانِ، أحدُهما مِن جامِعةِ ميريلاند والآخر مِن جامِعةِ هارفارد، وضعَ مخطّطّ العملِ هذا قيدَ التّنفيذ للحصولِ على البلّورات الزّمنيّة. نجحَ الفريقان بالرّغم من استخدام كلّ منهما أساليبَ مُختلِفة لتحقيقِ نفس النّتائج.

أنشأت جامعةُ ماريلاند بلّورتها الزّمنيّة اعتماداً على صفٍّ يتألفُ من عشرةِ أيوناتٍ من الإيتربيوم Ytterbium ، بحيث يكون الدّوران المغزليّ "Spin" لإلكتروناتِ هذه الأيونات متشابكاً. هدفُ التّجربةِ هو خرقُ حالةِ التّوازن الطّبيعيّ للأيونات. استخدم الباحثون شُعاعيّ ليزر، الأوّلُ لِقلقلةِ الأيوناتِ والثّاني لصُنعِ حقلٍ مغناطيسيّ. يقلبُ شعاعُ الليزر الأوّلِ دورانَ الأيونات، والّتي تقلبُ بدورها الأيوناتِ الأخرى المُتشابكةِ معها. كلّ ذلك في المجال المغناطيسي الّذي أنشأهُ شعاعُ الليزر الثاني. استمرت هذه العمليّةُ حتى أصبحت جميعُ الأيونات تتأرجحُ وتُبدّل اتّجاه دورانها المغزليّ "Spin" مرارًا وتكراراً.

يُعدّ هذا السّلوك طبيعيّاً بالنّسبة لبلورةٍ عاديّة، لكنّ الباحثين لاحظوا شيئاً غريباً. كلما استمرّ الليزر في دفعِ الأيونات، وجدوا أنّ الأيوناتِ أصبحت تتفاعلُ (مع بعضها) بشكلٍ أكثر تكراراً من عددِ مرّات التّحريض. تخيّل أنك تقفز على الحبل، في كلّ مرة تُحرّك الحبل بيديك مرة واحدة لتقفزَ قفزةً واحدة، لكن بعد برهةٍ من الزّمن، وعوضاً عن تحريك الحبلِ بيديك في كلّ مرة لتقفز، فإنّ الحبل يتحرّك لوحده! أو كما يُشبِّهُ الباحِثُ نورمان ياو الأمر، بِحلوى الجيلي الّتي تهتزّ باستمرارٍ دون توقّف.

وهكذا خرقَ الباحِثونَ التّناظُر الزّمنيّ وخلقوا شكلًا جديدًا مُضطرباً مِن المادّة الّتي تتحرّك حتّى في "حالتها الأساسيّة"… هذا الشّكلُ الجديدُ هو البلّورات الزمنيّة!

صنع الباحثون من جامعةِ هارفارد بلّورَتهُم الزّمنيّة بِشكلٍ مُختلف، فبدلاً مِن أيونات الإتيربيوم، استخدموا شواغِرَ النّيتروجين الموجودةِ في الماسّ، وبدلاً مِن استخدامِ الليزِر، استخدَم باحثو جامِعةِ هارفارد أشعّةً ميكرويّة لِقلبِ أيوناتِ الماسّ وقلقلتها. طريقةٌ مختلفةٌ والنّتيجة ذاتها: بلّورات زمنيّة!

يُمكن لهذا الشّكلِ الجديد من المادّةِ أن يؤدّي إلى تقدّم هائلٍ في مُستقبَلِ الحوسَبةِ الكموميّة، وفهم الأشكالِ المُختلفةِ الّتي يُمكنُ أن تتّخذها المادّة. وقد لاحظ الباحثون أيضاً أنّ خلقَ بِلوراتٍ زمنيّة هو دليلٌ على أنّ التَناظُر الزّمنيّ يمكن خرقُه، وأنّ وجودَ مادةٍ غير متوازنةٍ هو أمرٌ وارد.

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا

4 - هنا