العمارة والتشييد > التشييد

براعةُ الهندسة الإنشائيَّة :برجُ المراقبةِ لمطارِ سان فرانسيسكو الدولي

استمع على ساوندكلاود 🎧

بعدَ اكتمالِ بنائِه في شهر تشرينَ الأوّل (أكتوبر) من عام ٢٠١٦، أصبحَ لدى مطارِ سان فرانسيسكو الدولي معلمٌ جديدٌ.

برجُ مراقبةٍ يصلُ طولُه إلى ٦٧ متر، مزوَّدٌ بأحدثِ تقنيَّاتِ الملاحةِ الجويَّةِ ومصمَّمٌ بآخرِ ما توصَّلَ إليهِ علمُ الهندسةِ الإنشائيَّةِ. هذا الرَّمزُ الجديدُ يعلو أمامَ المدخلِ العام للمطارِ بينَ الطَّريقِ الرَّئيسيِّ لمدرَّجِ الطَّائراتِ النَّشِطِ ومحطتَيّ الرُّكَّابِ الأولى والثَّانيةِ.

تحتَ واجهةِ الألمنيوم للبرجِ، تقومُ نواةٌ أسطوانيَّةُ الشَّكلِ موضوعةٌ شاقوليَّاً بمقاومةِ الهزَّاتِ الأرضيَّةِ الشَّديدةِ والاهتزازاتِ النَّاتجةِ عن الرِّياحِ، هذهِ النَّواةُ مصنوعةٌ من الإسمنتِ المُسلَّحِ مُسبقِ الإجهادِ والمصبوبِ في الموقعِ. إضافةً إلى ذلكَ، فإنَّ الجزءَ العلويَّ الواسعَ من البرجِ وحجرة التَّحكُّمِ مُشكَّلَين من هيكلٍ من الفولاذِ ومرتكزَين بشكلٍ ناتئٍ وبعيداً عن النَّواةِ الإسمنتيَّةِ. أمَّا قاعدةُ البرجِ فهي محاطةٌ بمبنىً مؤلَّفٍ من ثلاثِ طوابقَ بمساحةِ ٤،٦٤٥ متر مربَّع، هذا المبنى يحتوي على مكاتبِ إدارةِ الطَّيرانِ الفدراليَّةِ FAA وممرَّاتٍ تربطُ بين المحطَّاتِ لتأمينِ مرورِ المسافرين، حيث أنّ الممرَّ غيرَ المراقبِ أمنيَّاً يتميَّزُ بسقفٍ زجاجيٍّ بارتفاعِ ١٠ أمتارٍ معطياً مشهداً مميَّزاً للبرجِ المضاءِ بأضواءِ LED.

يمتلكُ المبنى الرَّئيسيُّ جدراناً إسمنتيَّةً وهيكلاً معدنيَّاً مثبَّتاً بالأرضِ، مُصمَّمَين لمقاومةِ خطرِ الانفجاراتِ التي قد تحدثُ في الطُّرقِ القريبةِ وممرَّاتِ المشاةِ غيرِ المراقبةِ أمنيَّاً. إنَّ منهجيَّةَ التَّصميمِ التي قد استُعمِلت لمقاومةِ الزَّلازلِ تبنَّت طريقةَ التَّصميمِ المعتمدِ على متطلَّباتِ الأداءِ performance-design حيثُ أنَّ هذه الطَّريقةَ تعطي المرونةَ في اختيارِ النِّظامِ الإنشائيِّ والموثوقيَّةَ والوصولَ لأهدافٍ وضِعَت حسبَ حاجاتِ التَّصميمِ، إنَّ هذهِ المنهجيَّة متناقضةٌ مع طريقةِ التَّصميمِ المرتكزةِ على قوانينِ ونُظُمِ الإنشاءِ الموضوعةِ من قبلِ الجهاتِ الحكوميَّةِ المختصَّةِ. إنَّ واحداً من الأسبابِ الرَّئيسيَّةِ لاحتياطاتِ الزَّلازلِ هذهِ، هو أنَّ المطارَ يبعدُ ٤ كيلومتر عن صدعِ سان أندرياس، حيثُ أنَّ برجَ المراقبةِ مُصمَّمٌ ليبقى مستمرَّاً بالعملِ إلى حدِّ شدَّةٍ معيَّنةٍ منَ الزَّلازلِ، وأن يؤمِّنَ مخرجاً آمناً وبدونِ أيِّ انهياراتٍ في حالِ وصولِ شدَّةِ الزِّلزالِ إلى الدَّرجةِ العُظمى المأخوذةِ بعينِ الاعتبارِ.

النَّواةُ الشَّاقوليَّةُ المُسبقةُ الإجهادِ مصمَّمةٌ لإعادةِ تمركزِها بعدَ أيِّ تغييرٍ لموضِعها من قِبَلِ قوى الزَّلازلِ. إضافةً إلى ذلكَ، فإنَّ المبنى الرَّئيسيَّ يدعمُ البرجَ من خلالِ أربعِ دعاماتٍ شاقوليَّةٍ مضادَّةٍ للالتواءِ، معطيةً تأثيراً مشابهاً لعملِ حبالِ الشَّدِّ الخلفيَّةِ في القاربِ الشِّراعيِّ والتي تبقي صاريةَ القاربِ متوازنةً. العملُ النَّاتجُ عن هذهِ الرَّكائزِ يقومُ بتوزيعِ ومقاومةِ العزومِ التي قد تسبِّبُ انقلابَ المبنى، وبدونِ أيَّةِ زيادةٍ في الحمولةِ على سقفِ المبنى الرَّئيسيّ. هذا التَّصميمُ قلَّلَ من تكاليفِ الأساساتِ وأدَّى إلى تسهيلِ عمليَّةِ الإنشاءِ وتقليلِ وقتِها، من خلالِ الاستمرارِ في بناءِ البرجِ بدونِ الحاجةِ للانتظارِ إلى حين اكتمالِ بناءِ المبنى الرَّئيسيّ. أظهرَ هذا المشروعُ قابليةَ إنشاءِ المباني المضادَّةِ لأيِّ ضررٍ والنُّظُمِ الإنشائيَّةِ القابلةِ لإعادةِ تمركزِها من تلقاءِ نفسِها بتكلفةٍ قليلةٍ وبكفاءةٍ عاليةٍ.

إنَّ شكلَ الشُّعلةِ للمبنى وحجرةِ التَّحكُّمِ الممتدَّةِ للخارجِ قد صُمِّموا لكي يتوافقوا معَ متطلَّباتِ إدارةِ الطَّيرانِ الفيدراليَّةِ FAA، التي تنصُّ على وضعِ معدَّاتٍ كهربائيَّةٍ إضافيَّةٍ بالقربِ من حجرةِ التَّحكُّمِ. هذا الشَّكلُ أتاحَ أيضاً لحجرةِ التَّحكُّمِ بأن تكونَ خاليةً منَ الأعمدةِ في محيطِها معطياً ٢٢٠ درجة لمجالِ الرُّؤيةِ المُطلِّ على المدرَّجِ و مساراتِ الطَّائراتِ. إضافةً إلى ذلك، وُضِعَ مُخمِّدُ صدماتٍ بالقربِ من الحجرةِ والذي يعملُ على تقليلِ التَّسارعِ النَّاتجِ عن الرِّياحِ لضمانِ عدمِ إزعاجِ الموظَّفين.

لكنَّ البرجَ يقعُ على أراضٍ مُستصلَحَةٍ ورطبةٍ، ممَّا يجعلُ الموقعَ ذو تربةٍ ضعيفةٍ جدَّاً، ولحلِّ هذهِ المشكلةِ يجبُ استعمالُ أوتادِ تمدُّدٍ إلى عمقِ ٣٨ متر حتَّى تصلَ إلى الطَّبقةِ الصَّخريَّةِ. ولكن بسببِ الضَّوضاءِ والاهتزازاتِ النَّاجمةِ عن دفعِ الأوتادِ في الأرضِ فإنَّ هذا الحلَّ تعارضَ معَ الأعمالِ القائمةِ في مباني الرُّكَّابِ المجاورةِ، ولهذا تمَّ تأسيسُ المبنى على حصيرةٍ يبلغُ سمكُها أكثرَ من مترين، مرتكزةً على نوعٍ معيَّنٍ من الأوتادِ التي تُبنى عن طريقِ حفرِ حفرةٍ في الأرضِ وضخِّ الإسمنت في الحفرةِ بعدَ وضعِ حديدِ التَّسليحِ. هذه الأوتادُ مزوَّدةٌ بحديدِ تسليحٍ حلزونيٍّ على طولِ الوتدِ لتمانعَ أيَّ تشوُّهٍ عرضيٍّ مركَّزٍ والتي قد تنتجُ بسببِ التَّفاعلاتِ بينَ طبقاتِ التُّربةِ خلالَ الحركةِ القويَّةِ للأرضِ في وقتِ الزِّلزالِ أو غيرِهِ. بالإضافةِ إلى تقليلِ كمّيَّةِ الحفرِ من خلالِ تصميمِ الأساساتِ، لتقليلِ التَّكلفةِ الكامنةِ في التَّخلُّصِ منَ التُّربةِ غيرِ الصَّالحةِ للاستعمالِ.

تمَّ تنفيذُ المشروعِ ضمنَ الوقتِ والميزانيَّةِ المحدَّدةِ. بالإضافةِ لاستعمالِ ألواحِ الطَّاقةِ الشَّمسيَّةِ أنظمةً ميكانيكيَّةً صديقةً للبيئةِ وموادٍ مستدامةٍ أدَّت إلى حصولِ المشروعِ على شهادةِ LEED الذَّهبيَّةِ. هذا المشروعُ، كانَ أوَّلَ استعمالٍ لإدارةِ الطَّيرانِ الفدرالية FAA لمنهجيَّةِ تصميمٍ مضادَّةٍ للزَّلازلِ تعتمدُ على التَّصميمِ المعتمدِ على متطلَّباتِ الأداءِ performance-designوأيضاً أوَّلُ مشروعٍ للإدارةِ تمَّ فيهِ تصميمُ وتنفيذُ برجِ مراقبةٍ من قبلِ شركةٍ متعهِّدةٍ واحدةٍ. وفقاً لنائبِ مديرِ التَّصميمِ والإنشاءِ لمطارِ سان فرانسيسكو الدُّوليّ Geoffrey Neumayr "لقد كنَّا سعيدين للغاية بالمهارةِ والبراعةِ التي قدَّمها Walter P Moore من أجلِ مهمَّةِ إنشاءِ هذا المبنى الرَّائعِ. لقد استطاعوا أن يقنعوا FAA بتغييرِ منظورِهِم التَّقليديّ في تصميمِ المنشآتِ إلى التَّصميمِ المعتمدِ على متطلَّباتِ الأداءِ performance-designالذي فتحَ المجالَ لاستعمالِ عناصرَ مسبقةِ الإجهادِ. لقد أبدَوا التزاماً جيِّداً لإنجاحِ المشروعِ، إنَّ تفاعلَهُم معنا خلالَ التَّنفيذِ وتركيزَهُم العام على كيفيَّةِ الإنشاءِ والتَّكلفةِ كانا عاملين مهمَّين في قدرتِنا على إنجازِ مشروعِنا ضمنَ الميزانيَّةِ".

إنَّ تنفيذَ بعضَ المشاريعِ الحكوميَّةِ تحتاجُ إلى أن تكونَ بأقلِّ تكلفةٍ ممكنةٍ وذو كفاءةٍ عاليةٍ، مثالٌ على ذلكَ مشروعُ برجِ المراقبةِ هذا، حيثُ أنَّ الحاجةَ لتصميمٍ مماثلٍ أدَّت إلى تصاميمَ غيرِ مسبوقةٍ من ناحيةِ التَّكلفةِ والكفاءةِ، فهل تؤيِّدُ دورَ الحكوماتِ بدفعِ المصمِّمينَ والأخصَّائيِّين في ابتكارِ طرقٍ فعَّالةٍ جديدةٍ، معطيةً المجالَ والثِّقةَ لأن تُنَفَّذَ في مشاريعَ أخرى؟

المصدر: هنا