التاريخ وعلم الآثار > الحضارة السورية

البيت العربي في حلب ... بيت وكيل، أحد أشهر البيوت العربية في حلب

استمع على ساوندكلاود 🎧

على الرغم من التعديلات الكثيرة التي طرأت على بيت وكيل والتي أفقدته إلى حد كبير هويته المعمارية الأصلية، إلا أنه بقي من أشهر البيوت العربية في حلب بل أنه أعطى هذه البيوت شهرة عالمية، ما الذي تغير فيه وما هو سر هذه الشهرة؟ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.

3- بيت وكيل:

يقع بيت وكيل في حارة السيسي في حي الجديدة، وهو كمعظم البيوت الحلبية لا يشكل وحدة بنائية كاملة، فهو مؤلف من أربع أقسام وهذا أمر مألوف في حلب، فالبيوت كانت تشكل وحدة بنائية منسجمة، لكن عبر الزمن تفتت وأضيفت أجزاء وهدمت أخرى، حتى أن بعض البيوت هدمت حتى الأساس وأعيد بنائها من جديد /شكل1/.

الشكل /1/: مسقط أفقي لبيت وكيل

أما بيت وكيل فأقدم قسم منه هو القاعة الواقعة شمال غرب البيت وهي القاعة التي انتزعت منها خشبيات غاية في الروعة.

يؤرخ البيت تقريباً إلى القرن السادس عشر، وقد ذكر اسم صاحب البيت ضمن الكتابات على الخشبيات وهو عيسى بن بطرس وينتمي إلى عائلة كانت تعمل بالتجارة.

مر البيت بعدة وظائف، فقد تحول من بيت سكني خاص بعائلة واحدة إلى سكن جماعي لعدد من عائلات الأرمن خلال فترة الهجرة، ثم استلمته طائفة الروم الأرثوذكس التي استخدمته في وظيفتين: دار للمسنين ودار للأيتام، إلى أن تم استثماره من قبل القطاع الخاص وأعيد توظيفه، فتحول دار المسنين إلى فندق أربع نجوم ودار الأيتام إلى مطعم ملحق بهذا الفندق.

يقوم في القسم الشمالي الشرقي من البيت بناء مؤلف من طابقين له شرفة في الطابق العلوي مؤرخة عام 1866م /شكل2/.

الشكل /2/: الواجهة الشمالية الشرقية في بيت وكيل

الشكل /2ب/: التأريخ على الواجهة الشمالية الشرقية في بيت وكيل

أضيفت إلى البيت الأصلي أبنية حديثة في الجنوب الغربي والجنوب الشرقي عندما تحول إلى دار للمسنين، ويلاحظ في الجدار الخارجي جنوب شرقي البناء أساسات إيوان قديم، ومن الواضح أنه تم الاستغناء عنه وتحويله إلى غرف، ويوجد قسم في شمال غربي البيت يلتصق مباشرة بالقاعة ربما يعود في جذوره إلى أواخر العهد العثماني يصعد إليه المرء بدرج من صحن صغير، ويعتقد أنه شيد مكان بناء أقدم كان يحوي في داخله مطبخ.

لا يمكن الجزم حول تخطيط البيت نظراً للتعديلات الكثيرة التي طرأت عليه، ويرى الأستاذ عبد الله حجار أن البيت كان عبارة عن دارين متصلين، أحدهما وهي الغربية أحدث من الأخرى ومحفوظة بشكل جيد وتمتاز ببركتها الجميلة ونقوش إيوانها الصغير، أما الأخرى فقد تم تجديد بنائها وكانت إحدى قاعاتها هي التي تحوي الجدران الخشبية الشهيرة.

يقع إيوان بيت وكيل في الجهة الجنوبية، وهو نموذجي بارتفاع طابقين، وترتفع أرضيته عن أرضية الصحن، وعلى جانبيه غرفتان زينت مداخلهما بالأبلق /شكل3/.

الشكل /3/: أيوان بيت وكيل

وفي وسط الصحن نجد البركة المستطيلة الشكل تتوسطها نافورة إضافة إلى مصطبة الموسيقيين، وفي صدر الصحن حالياً من الجهة الشمالية نجد درجان متقابلان يصعد منهما إلى غرف الطابق العلوي/شكل4/.

الشكل /4/: صحن بيت وكيل ويظهر فيه البركة ومصطبة الموسيقيين وأدراج الطابق العلوي

زينت النوافذ المطلة على الصحن بالزخارف الحجرية النافرة ورصفت أرضية الصحن أمام الإيوان بالبلاطات الرخامية المربعة.

حول مدخل البيت الأساسي في الجهة الشمالية الشرقية إلى مدخل للعمال وجعل مدخله حالياً في وسط البيت.

قاعة الاستقبال في بيت وكيل:

أكْسَبَتْ قاعة استقبال بيت وكيل شهرة لهذا البيت خاصة وللبيوت العربية في حلب عموماً من خلال الخشبيات التي انتزعت من جدرانها ونقلت إلى متحف الفن الإسلامي في برلين، ولا يعرف تاريخ بناء القاعة بالتحديد وهل هو نفس تأريخ الخشبيات أم أقدم، فالقاعة نفسها لا تحمل تأريخاً وإنما ذكر على الخشبيات تأريخين أحدهما جمادى الأولى عام 1012هـ والذي يصادف شهر أيلول وتشرين الأول عام 1603 م وهو تاريخ الإنشاء وفق النص العربي، والثاني عام 1009 هـ المصادف 1600-1601 م، ويذكر نص التأريخ الثاني أن هذا البناء المبارك جدد في هذا العام، والمستغرب أن تاريخ التجديد أقدم من تاريخ الإنشاء، وهنا ترى السيدة (غونيلا) أن التجديد معناه إعادة الإنشاء وليس الصيانة والترميم فقط، وأن التأريخ الأقدم يؤرخ لبناء غير موجود اليوم وهو المطبخ الذي كان موجوداً شمالي البيت.

كانت القاعة تنور بوساطة أربع نوافذ مستطيلة في الطابق الأرضي وأربع كوى ضيقة في الطابق العلوي مع كوة صغيرة على شكل نجمة، كما تؤمن قمريات القبة الملونة التي تأخذ شكل دوائر ونجوم الإضاءة إلى داخل القاعة /شكل 5/.

الشكل/5/: قبة قاعة بيت وكيل من الداخل (لاحظ القمريات)

وقاعة بيت وكيل نموذج مصغر عن القاعات ذات الأذرع الثلاثة، فحول العتبة تصطف الأذرع الثلاثة المتساوية الحجم والمسقوفة بقباب متصالبة، وكان يوجد في الأصل غرف جانبية خلف الأذرع الثلاثة مسقوفة أيضاً بقباب متصالبة يدخل إليها عبر أبواب جانبية /شكل6/، ويعتقد أنه كان لها في الأصل طوابق وسطانية وهي غير موجودة الآن ومن الصعب جداً وضع تصور لها، وكان يصعد إليها أما بوساطة درج خشبي أو مدخل جانبي غير مرئي، وقد أغلق المدخل في الوقت الحاضر، ويظهر رسم مقطع طولاني للقاعة قبل انتزاع الخشبيات منها /شكل7/ وجود مشبك خشبي مزخرف يدعى مشربية في الطابق الوسطاني، ويجلس المرء فيها دون أن يراه أحد، وهناك رأي يقول أن هذه الطوابق الوسطانية مصممة لجلوس النساء فيها ومراقبة ما يحدث في الأسفل، لكن هذا الرأي ضعيف حيث لا نجد ممراً خارجياً للصعود إلى هذه الطوابق، ولا يمكن للنساء أن تتحركن أمام الضيوف للوصول إلى الطابق الوسطاني، وبالمقارنة مع الطوابق الوسطانية في قاعة بيت غزالة الأحدث عهداً نجد أن المجالس لم تخصص أصلاً ليحتمي خلفها النساء فهي مكشوفة كلياً على القاعة.

الشكل /6/: مخطط قاعة الاستقبال في بيت وكيل

الشكل /7/: مقطع طولي لقاعة بيت وكيل

ونرى القاعة اليوم مفتوحة ومتصلة ببعضها بوساطة أقواس، فقد أزيل منها الطابق الوسطاني والحواجز الجدارية التي كانت مشيدة في الغرف الجانبية والتجويف الرئيس إلى الوسط، وكانت الحواجز الجدارية تدعم الطابق الوسطاني في القاعة وتثبت الخشبيات الجدارية المزوقة، سُقف وسط القاعة (العتبة) بقبة تنفتح فيها القمريات وتستند على رقبة من 12 ضلعاً ينفتح في كل ضلع منها نافذة، ويتم الانتقال إلى الشكل المربع بسراويل كما في بيت غزالة.

أما أرضية القاعة فقد كانت مؤلفة من سويتين (عتبة وطراز)، وتحولت حالياً إلى سوية واحدة باستثناء أرضية الغرف الخلفية، ونتيجة لذلك فقد طرأ تعديل آخر على أرضيات الغرف الجانبية الثلاث المبلطة بالرخام، وهذا نتيجة طبيعية لتغيير وظيفة القاعة، ففي الوقت الذي تحول فيه البيت إلى دار للمسنين استخدمت القاعة لتكون كنيسة صغيرة، وربما وضع المذبح عن قصد في الغرفة الجانبية اليمنى ليصل إليه المصلي بوساطة درج.

وأثناء عمليات الترميم عام 1995 ظهرت فتحات الخزائن الجدارية بعد نزع الزريقة البيضاء، وهذه الخزائن أغلقت على ما يبدو بعد نزع الخشبيات من القاعة، وظهرت ضمن هذه الخزائن رفوف خشبية يعتقد أنها وضعت في الأصل لتثبيت الخشبيات عليها.

وتشير الأحجار الغشيمة في أسفل جدار القاعة إلى ما كان عليه ارتفاع مجلس القاعة في الأصل وهو حوالي /40/سم، وتشير أيضا إلى ارتفاع الشريط المرمري الذي كان يفصل أرض المجلس عن الخشبيات وهو حوالي /30/ سم، وكانت تستند عليه وسادات الجلوس وذلك حتى لا تتأثر رسوم الخشبيات الثمينة.

ومازالت العتبة تحافظ على بلاطها الرخامي ذي الزخارف البديعة الذي يتألف من شرائط مرمرية طويلة متقاطعة ذات لون رمادي فاتح تحصر بينها بلاطات رمادية فاتحة وبلاطات زهرية اللون، بالإضافة إلى مقاطع فسيفسائية صغيرة على شكل نجوم /شكل8/.

الشكل /8/: تفصيل من أرضية العتبة الرخامية في قاعة بيت وكيل

ونجد في وسط أرضية القاعة فسقية مثمنة الأضلاع من المرمر الأبيض والأسود بالتناوب، والفسقية نفسها منزلة داخل إطار قليل الارتفاع من الحجر الرملي /شكل 9/.

الشكل /9/: الفسقية في قاعة بيت وكيل

المراجع:

1- نتاليا جودت – المباني السكنية الأثرية و إعادة توظيفها في مدينة حلب – بحث أعد نيل شهادة الدبلوم - جامعة حلب – كلية الهندسة المعمارية 1999/2000

2- عبد الله حجار– معالم حلب الأثرية – طبعة ثانية فريدة ومنقحة - مطابع مؤسسة جورج و متيلد سالم الخيرية – 1997

3- يوليا غونيلا – حلب في القرن السابع عشر (البيت الحلبي ) –ترجمة محمد وحيد خياطة، شام للخدمات الطباعية – حلب