الفيزياء والفلك > فيزياء

اختفاء الإلكترونات الغامضِ وظهورها أثناء انتقالها بين الطّبقات الذرية

استمع على ساوندكلاود 🎧

بحثٌ حول اختفاء الإلكترونات الغامضِ وظهورها أثناء انتقالها بين الطّبقات الذرية

مقدمة عامة

الموادّ ثنائيّةُ البعد، هي موادٌّ مؤلّفةٌ من طبقةٍ واحدةٍ من الذّرّات، ويشكّلُ الغرافينُ أحدُ الأمثلةِ بالغةِ الأهميّة عن تلكَ الموادّ. يُمكن أن يُستخدمَ هذا النّوعُ من الموادّ كحجرِ بناءٍ لموادَّ جديدةٍ تُعرف بموادَ فاندرفالس van der Waals materials، حيثُ ترتبطُ الذّرّات ببعضها ضمن نفس المستوي بروابطَ تشاركيّةٍ؛ وروابطُ فاندرقالس هي الوحيدةُ الّتي يُمكنُ أن تنشأ عندَ وضعِ طبقاتٍ من تلك الموادّ فوقَ بعضها البعض.

لابدّ أنّكَ سمعتَ بقوى فاندرفالس في المرحلةِ الثّانوية، إنّها قوى تجاذبٍ ضعيفةٍ بين الذّرّات ذاتِ منشأٍ كمومي، وهي تُفسّر ترابطّ الموادّ الكيميائيّة وفق روابطّ لا تندرجُ تحتَ بندي الرّوابطِ الأيونيّةِ أو التّشاركيّة. تُسمّى الموادّ الّتي تقتصرُ الرّوابطُ فيها على روابطِ فاندرفالس بموادّ فاندرفالس.

اكتشفَ العلماءُ ظواهرَ كموميّةٍ جديدةٍ لسلوكِ الإلكتروناتِ في هذا النّوعِ من الموادّ، وبالأخصّ فيما يتعلّقُ بسلوكها عندما تنتقلُ بين طبقاتِ تِلك الموادّ، إذ رصدوا سلوكاً غير كلاسيكيٍّ، بمعنى أنّه لا يُمكنُ تفسيرهُ إلا في نطاق ميكانيك الكم.

ما الجديد الذي اكتشفه العلماء ؟

عند وضعِ ثلاثِ طبقاتٍ فوق بعضها البعض مثلاً، ولو وجدِ إلكترونٌ في الطّبقةِ العُليا وينتقلُ نحو الطّبقةِ السُفلى، فمن المفترضِ كلاسيكياً أن يمرّ عبرَ الطّبقةِ البينيّة، ولكن ما كُشفَ عنه مؤخراً يقولُ بإمكانيّةِ أن "يقفز" الإلكترونُ من الطّبقةِ العُليا إلى السُفلى خلالَ جزءٍ صغير جدّاً من الثّانية دونَ المرورِ بالطّبقةِ البينيّة. وقد عبّر كبيرُ الباحثين هوي زهاو من جامعة كانساس عن تلك الظّاهرةِ قائلاً: "لقد ظهرت الإلكتروناتُ في الطبقةِ العُليا، ثمّ ظهرت في الطّبقةِ الدّنيا، دون أن يكون لها أي أثرٍ في الطبقةِ لوسطى" .

يقترحُ الباحثون إمكانيّةَ الاستفادةِ من تلك الظّاهرةِ في إنتاجِ موادّ جديدةٍ تندرجُ ضمنَ خانة موادّ ڤان ديرڤالس سابقةِ الذّكر، لكن بخواصّ جديدةٍ قد تحملُ الكثيرَ من التّطبيقاتِ فيما بعد، آملينَ أن تُقدم ثورةً في عالمِ الإلكترونيّاتِ والمُعدّات الأخرى كالخلايا الشّمسيّة.

لا يمكنُ التّنبؤُ حالياً بالفوائدِ المُحتملةِ الّتي يُمكنُ جنيها في مجال التّطبيقاتِ الإلكترونيّةِ في ظلّ شحّ المعلوماتِ الشّديدِ حالياً عن ظاهرة الانتقالِ تلك، ممّا يستلزمُ المزيدَ من الدّرساتِ حالياً.

أجرى الباحثونَ تجاربَ على مادّةِ ڤان ديرڤالس التي تتكوّنُ من ثلاثِ طبقاتٍ في محاولةٍ لحلّ تلك المعضلة، كلّ طبقةٍ مؤلفةٍ من مادّةٍ ثنائيّةِ الأبعاد (كمادّة الغرافينِ الرّقيقة جداً)، تتجاذبُ تلكَ الطّبقاتُ الثلاثةُ مع بعضها البعضِ عبرَ قوى فاندرفالس.

اعتمد الباحثونَ في تجربتهم على طبقاتٍ ثلاثةٍ تُعرف بـ MoS2 و WS2 وMoSe2 ، وهي جميعُها موادّ نصفُ ناقلةٍ؛ أي أنّها قابلةٌ لنقلِ الإلكتروناتِ دونَ مقاومةٍ عندَ درجاتِ حرارةٍ معيّنةٍ، كما أنّها تستجيبُ جميعها للضّوء عند أطياف كهرطيسيّةٍ مختلفة.

تُمكّنُ الخاصّةُ السّابقةُ العلماءَ من استخدامِ عدّةِ أنواعٍ من الليزر عند تردّداتٍ مختلفة، وذلك لاستثارةِ بعضِ الإلكتروناتِ الموجودةِ في إحدى الطّبقاتِ الثّلاثةِ انتقائياً دون التّأثير على الإلكتروناتِ الموجودةِ في الطّبقتين الأُخرتين، ممّا يسمحُ لهم بتعقّب الإلكتروناتِ المتنقّلة خلالَ المادّة.

استخدمَ فريقُ الباحثين لاستثارةِ الإلكتروناتِ نبضةَ ليزرٍ قصيرةً جدّاً تبلغُ مدّتها 100 فيمتوثانية فقط (الفيمتوثانية الواحدة تساوي جزء واحد من كوادريليون جزء من الثانية) والّتي حرّرت بعضَ الإلكتروناتِ في طبقة MoSe2 العُليا لتتمكّنَ من التّحرّكِ بحرّيّة.

وقد أوضح زهاو تلكَ العمليّة قائلاً: "لقد اختيرَ تردّدُ الليزرِ بحيثُ يؤثّرُ على الطّبقة العُليا فقط، أي أنّها لن تؤثّرَ سوى على الإلكتروناتِ الموجودةِ في تلك الطّبقة، ثمّ استخدمنا نبضةً أخرى من الليزر بتردّدٍ مناسبٍ لطبقةِ MoS2 السّفليّة، وذلكَ للكشفِ عن ظهورِ تلكَ الإلكتروناتِ في تلك الطبقة، وقد عُدّلت النّبضةُ الثّانيةِ عمداً حتّى تصلَ إلى العيّنة بعد النّبضةِ الأولى بفارقِ واحد بيكوثانية، وذلك بزيادةِ المسافةِ الّتي تقطعُها 0.3 ملم عن النّبضةِ الأولى."

البيكوثانية يساوي جزءً واحداً من تريليون جزءٍ من الثّانية، أو حوالي 1000 فيمتو ثانية.

وجدَ الفريقُ أنّ الإلكتروناتِ قدِ انتقلت من الطّبقةِ العُليا إلى الطّبقةِ السُّفلى للمادّةِ في إطارٍ زمنيٍ قصيرٍ جداً، حيث استغرقَ من الوقتِ لعمليّةِ انتقالهِ - وسطيّاً - واحد بيكو ثانية فقط. ولكي يكشفَ الفريقُ سببَ وصول الإلكترونِ بتلكَ السّرعةِ الفائقةِ استخدموا نبضةَ ليزرٍ ثالثةٍ بتردّدٍ مختلفٍ لمُراقبةِ الطّبقةِ الوسطى، فكانت المفاجأةُ عندما لم يعثروا هناك على أي إلكترونٍ على الإطلاق خلالَ الفترةِ الفاصلةِ بين ظهورِ الإلكترونِ في الطّبقةِ العُليا والطّبقةِ السّفلى، وهذا ما يُعتبرُ تحدّياً للفيزياء التّقليديّة.

وقد عقّبَ زهاو على النّتيجةِ بقوله :"إن كانتِ الإلكتروناتُ تتّبع المنطقَ السّليمَ فيما يُسمّى بالجسيماتِ الكلاسيكيّةِ، فمن المنطقِ أنّها ستكونُ في الطّبقةِ الوسطى في مرحلةٍ ما خلالَ هذه البيكوثانية الواحدة".

أُكّدت تلك الظاهرةُ الكموميّةُ الشّاذّةُ الّتي تتلخّصُ بقفزِ الإلكتروناتِ من أعلى طبقةٍ إلى أسفلها فيما لايدعُ مجالاً للشكِّ، فقد أُجريت محاكاةٌ مماثلةٌ لتلك التّجاربِ في جامعة نبراسكا لينكولن تؤكّد النّتيجة ذاتها.

إنّ تَطابُقَ نتيجةِ التّجربةِ مرتينِ في مختبريْنِ مُنفصليْن يؤكّدُ أنّها ظاهرةٌ كموميةٌ حقيقيّةٌ تسمحُ للإلكتروناتِ بالتّنقّلِ بين طبقاتِ الموادَ المترابطةِ بقوى ڤان دير ڤالس.

علينا رغمّ ذلكَ بالمزيدِ من البحوثِ المُستمرّةِ للتّحقّق من تلكَ الظّاهرةِ الكموميّةِ الّتي لوحظت مؤخّراً، فإنّ تمّ التّحقّقُ منها فستكونُ مؤشّراً جيّداً للاستفادةِ من موادّ ڤان ديرڤالس على نحوٍ لا يُصدّقُ في مجالِ الإلكترونيّات، كما يُمكنُ أن تُصبحَ حافزاً لتطويرِ موادّ جديدةٍ بخواصّ مثيرةٍ لم تُعهد من قبل.

ختمَ زهاو حديثَه قائلاً: "أظهرت هذه الدّراسةُ إمكانيّةَ انتقالِ الإلكتروناتِ بين تلكَ الطّبقاتِ بطريقةٍ كموميّةٍ، تماماً كما هو الحالُ في النّواقلِ وأنصافِ النّواقلِ الأخرى".

المصادر:

هنا

هنا

هنا