الفنون البصرية > أصل الحكاية والاسم

سلسلة أصل الحكاية: ذات الرداء الأحمر (ليلى والذئب)

من منا لم يسمع في صغره بحكاية ذات الرداء الأحمر، أو ليلى والذئب؟

هي حكايةٌ انتشرت حولَ العالم تحكي قصّة ذات الرّداء الأحمر وزيارتِها لجدّتِها إلا أنها وعند وصولها تكتشفُ أن ذئباً قد أكلَ السّيدةَ العجوزَ ثم ارتدى ثيابَها في محاولةٍ منه لأكلِ الفتاة الصّغيرة أيضأ.

تُعدُّ هذه الحكايةُ واحدةً من بين القليل من الحكايات الشّهيرة التي لا يُعرف لها نسخةً أدبيةً مكتوبةً تسبقُ تلكَ التي نشرَها شارل بيرو في كتابه Histoires ou contes du temps passé (قصصٌ من قديمِ الزمان) في فرنسا عام 1697. وما لبثت أن نالت هذه الحكايةُ شهرةً واسعةً بعد نشرِها من قِبل بيرو، حيث تمّت إضافتُها بعدَ ذلك للعديدِ من مختاراتِ القصصِ الإنكليزيّةِ خلالَ القرنِ التّاسع عشر. من أهمّ هذه المختارات مجموعةُ القصصِ التي نشرَها الأخوان غريم في ألمانيا عام 1812 بعنوان "حكايا غريم الخرافية".

ويُعتبر تشارلز ديكينز، المؤلّفُ الشهير لـ "قصة مدينتين" و "آمال كبيرة"، من أهمّ المتأثرين بهذه الحكاية، حيث أطلق على ذاتِ الرداءِ الأحمرَ لقبَ حبّه الأوّل وزَعَم أنّه لو كان باستطاعته أن يتزوّجَها لكان "عرف السعادة الحقيقية". ويعتقدُ بعضُ الباحثين أنّ سببَ نجاحِ الحكايةِ المستمرّ يعودُ للحوار الأخير الذي يدورُ بين الذئبِ وذاتِ الرداءِ الأحمرَ، فالأسئلةُ عن أذني الذئب وفمه وأنيابه .. إلخ كلُّها تضيفُ التشويقَ والفكاهةَ للحكاية.

وعلى الرّغم من أنّ روايةَ بيرو للحكايةِ تنتهي نهايةً مأساويةً إذ يأكلُ الذئبُ فيها ذاتَ الرّداء الأحمرَ، إلا أنّ العديدَ من الرّواياتِ اللاحقة قامت بالتعديل عليها وإضافةِ نهايةً سعيدةً للحكاية.

إنّ ما يحصلُ في نهايةِ حكايةِ ذاتِ الرّداء الأحمرَ يعتمدُ بشكلٍ أساسيٍّ على كلّ روايةٍ مختلفةٍ للقصة: فهل تؤكل ذات الرداء الأحمر؟ أم هل ينقذُها من بطنِ الذئبِ صيادٌ مارٌّ من قُرب منزلِ الجدة؟ أم هل تقومُ ليلى بخداعِ الذئب بطريقةٍ ما ليطلقَ سراحَها وتتمكّن من الهرب؟ تختلف الحكاية أحياناً باختلاف المكان الذي تُروى فيه، ففي بعض أجزاءِ إيران مثلاً تَستبدل الروايةُ الفتاةَ بصبيٍّ، لأنّ الفتياتِ في اعتقادِهم لا يتجوّلنَ خارجاً بمفردهن. أما في أفريقيا فيلعب دورُ الحيوانِ المفترسِ إمّا ثعلبٌ أو ضبع. وفي شرقِ آسيا غالباً ما يكونُ المعتدي واحداً من القطط الكبيرة كالأسد أو النمر. أمّا في الوطن العربيّ فتلعبُ ليلى دورَ ذاتِ الرّداءِ الأحمرَ ويُقصَد بالحكاية أن تشجّع الصّغار على الاستماعِ لنصائح أمّهاتهم. وبحسبِ الروايات المختلفة فإنّ ذات الرداء الأحمر إمّا أن تُقتل أو تهرب أو يتمّ إنقاذها.

لكن يبقى السؤال: ما هو أصل حكاية ذات الرداء الأحمر؟ احتارَ الباحثون حولَ الإجابة لسنوات، إلا أنّ جيمي تيراني Jamie Tehrani ، العالِم بعلم الإنسانِ في جامعةِ درم في المملكة المتحدة، يعتقدُ أنّه وجدَ الإجابةَ على هذا السؤال، ويقولُ في مقالةٍ نشرَها عام 2013 أنّه بالإمكان تطبيقُ طريقةٍ علميّةٍ لتعقّبِ الحالات المختلفة لتطوّر الحكايات. وتُشبه هذه الطريقةَ إحدى الطرق المستخدمة في تتبع تطور الأنواع البيولوجية. يوضّحُ تيراني في مقابلةٍ أجرتها معه ريتشل شيا من موقع ناشنال جيوغرافيك أنّ الحكايات كالأنواعِ البيولوجيّة تتطوّرُ تفاصيلُها بإضافةِ تعديلاتٍ عليها عبرَ الزمن، حيثُ يتمّ سردُ القصة ثم إعادةِ سردِها مع تغييراتٍ بسيطة، ثم تتناقلها الأجيال وتضيف عليها المزيدَ من التغييرات. وكما الأنواعُ البيولوجية فليسَ من السّهلِ البرهنةُ بالدليلِ الملموسِ على تحوّر الحكاية وتبدّلها لأنها قلّما تكون مكتوبة.

أمّا فيما يتعلقُ بحكايةِ ذاتِ الرّداءِ الأحمرَ، يعتقدُ تيراني أنّ للحكايةِ أصولٌ قديمةٌ جداً. فقد توصّل بنتائجِ بحثِه إلى أنّه وعلى الرغم من أنّ أغلبَ الرواياتِ التي نعرفُها اليومَ للقصّة قد انحدرت من رواية بيرو الفرنسيّة إلا أنّه ليس المؤلّف الأصلي لها. يؤكدُ الباحثُ أنّ القصةَ تعودُ إلى قصيدةٍ من القرن التاسع عشر. وممّا يؤكّد اعتقادَ تيراني آراءُ باحثين آخرين يعتقدون بأنّ الحكاية كانت تُروى من قِبل قرويين فرنسيين في القرن الحادي عشر. وفي إيطاليا القرن الخامس عشر كانت تروى الحكاية تحت مسمى "الجدة المزيفة". وتتعدّد التسميات المختلفة للحكاية باختلاف الروايات الموجودة لها، فهناك من يطلق عليها اسمَ "ذات القبعة الحمراء" أو "ذات الرداء الذهبي" أو "ليلى والذئب".

ويعتقدُ بعضُ الباحثين ومنهم تيراني أنّ أحدَ أصولِ ذاتِ الرّداء الأحمر حكايةٌ أخرى شهيرة تُعرف بـ "الذئب والصغار السبعة" والتي تَحكي قصّة الماعزِ الأمّ التي تترك صغارَها السبعة في المنزل لتحضر لهم الطعام وتحذّرهم قبلِ أن تغادر من فتح الباب لأحد، إلّا أنّ الذئبَ (الذي استرق السمع لتحذيرها) يأتي في غيابِها ويتقمّص دورَ الأمّ ثم ينقضّ على الصّغار حين يفتحون البابَ ويلتهمهم. في نهاية الحكاية تلاحق الأم الذئب وتقتله ثم تفتح بطنه وتنقذ صغارَها.

وحين سؤالِه عن سبب اجتذاب الحكايات، التي يتنكّر فيها الحيوان المفترس على هيئة الأقرباء أو من نحبّ، للقراء حول العالم وفي مختلف الثقافات، يجيب تيراني أنّ شخصيّة الذئب مجازيةٌ تعكسُ الواقع، فالناس ليسوا دائماُ كما يبدون لنا، وهذا درسٌ هامٌّ نتعلّمه من الحكايةِ فحتى أولئك الذين يتخيّل لنا أنّ بإمكاننا أن نثقَ بهم يمكن أن يكونوا هم من يقدمون على أذيّتنا.

المصادر

هنا

هنا

هنا

هنا