الطب > مقالات طبية

حساسية اللاتِكْس (المطاط الطبيعي)

استمع على ساوندكلاود 🎧

عندما انحدرَتِ الأمُّ والطبيبةُ الأستراليةُ بوجا نيومان (Pooja Newman) نحوَ صدمةٍ تحسُّسيةٍ (أرجِيّةٍ) بعد إطلاقِ أعدادٍ ضخمةٍ من البالوناتِ في حفلةِ المغنّيةِ أديل (Adele)، حصلت أرجِيّةُ اللاتِكس على قدرٍ كبيرٍ من اهتمامِ وسائلِ الإعلامِ في جميعِ أنحاءِ العالم. ولكنّ الدكتورةَ نيومان، وهي أيضا رئيسُ جمعيةٍ للتأَق في أستراليا (Anaphylaxis Australia)، ليست وحدَها من تعاني من هذه الحساسية. تقدّرُ جمعيةُ أرجيّةِ اللاتِكس الأمريكيةُ أنه على الرغمِ من إصابةِ 1٪ فقط من عامةِ السكانِ من حساسيةٍ من اللاتكس، إلا أنّ حوالي 8٪ -17٪ من العاملين في مجالِ الرعايةِ الصحيةِ لديهم هذه الحساسية. وتشمل الفئاتُ الأخرى المعرّضةُ للخطرِ: عمالَ المطاعمِ، الأطفالَ الذين يعانون من السِّنْسِنَةِ المشقوقةِ (spina bifida)، وأيَّ شخصٍ خاضَ عدةَ عملياتٍ جراحية. في الولاياتِ المتحدةِ وحدَها يعاني قرابةُ 3 ملايين شخصٍ من أرجيّةِ اللاتكس. ويزيد التعرضُ المتكررُ للموادِّ المطّاطيةِ من احتماليةِ الإصابةِ بالأرجيّة، وهذا هو السببُ في أنّ بعضَ الفئاتِ معرّضةٌ لمخاطرَ أكبرَ من غيرِها.

اللاتِكس هو منتجٌ ثانويٌّ من النسْغِ الحليبيِّ من شجرةِ المطاطِ (Hevea brasiliensis)، وعادةً ما توجدُ في فيتنام وإندونيسيا وتايلاند. يحتوي اللاتِكس قبلَ المعالجةِ على 60 من عديداتِ الببتيداتِ التي يُحتملُ أن تكونَ مثيرةً للتحسُّس، بما في ذلك 15 تم تحديدُها بشكلٍ قاطعٍ كمسبباتٍ للتحسُّس.

الببتيداتُ الرئيسيةُ المسبِّبةُ للتحسُّس هي كما يلي:

- في مرضى السِّنْسِنَةِ المشقوقةِ: Hev b 1 and 3

- في العاملين في مجالِ الرعايةِ الصحيةِ: Hev b 5 and 6، و بشكلٍ ثانويٍّHev b 2، 4، 7، and 13

- ترتبط عبرَ تفاعلٍ تصالُبيٍّ مع الفواكه*: Hev b 6.02 and 7

- مسبِّباتُ تحسُّسٍ بتفاعلاتٍ تصالبيةٍ غيرَ معروفةٍ: Hev b 8، 11، and 12.

* التفاعلُ التصالبيُّ مع الأطعمةِ، والمعروفُ باسم "متلازمةِ الفاكهةِ اللاتِكس"، يحدث عندَ بعضِ المرضى. أشدُّ المحفِّزاتِ لدى المرضى الحسّاسين هي: الأفوكادو والموزُ والكستناءُ والكيوي. أما التفاحُ والجزرُ والكَرَفْسُ والبطيخُ والبابايا والبطاطا يمكن أن تُنتجَ ردَّ فعلٍ معتدلاً، وعددٌ من الفواكهِ والخضرواتِ والمكسّراتِ الأخرى قد تثيرُ ردَّ فعلٍ تحسُّسيٍّ أكثرَ اعتدالاً.

لاتِكس الهيفيا (Hevea latex) هي مادةٌ تُستخدم على نطاقٍ واسعٍ في جميعِ أنحاءِ العالمِ، وفي العديدِ من الصناعاتِ لأنها متعددةٌ ومرِنةٌ ودائمةٌ، ومقاومةٌ للرطوبةِ والموادِّ الكيميائيةِ ومنخفضةُ التكلُفة. وهي موجودةٌ عادةً في الألعابِ والأربطةِ (العصابات) المطاطيةِ والواقي الذكريِّ والمَماحي والكراتِ الرياضيةِ والسلَعِ المرنة. في مجال الرعايةِ الصحيةِ، يمكن العثورُ عليها في القفازاتِ والموادِّ اللاصقةِ والقثاطير (catheters) والمحاقِنِ وسماعاتِ الضغطِ وأصفادِ ضغطِ الدمِ وسداداتِ القواريرِ والأقنعةِ والضِّمَاداتِ والشريطِ الطبّي.

معظمُ ردودِ الفعلِ هي للبروتيناتِ المطاطيةِ، ولكنْ قد يكون بعضُ الناسِ حسّاسين أيضاً للموادِّ الكيميائيةِ المضافةِ في المنتجاتِ النهائيةِ. قال طبيبُ التحسُّسِ والمناعةِ الدكتور بورفي باريخ: "تأتي الآثارُ السلبيةُ في ثلاثةِ أصنافٍ: التهابٌ جلديٌّ تماسِّيٌّ مُهَيّج، التهابٌ جلديٌّ أرجِيٌّ تماسيٌّ، تفاعُلٌ أرجِيٌّ من نوعٍ فوريٍّ".

كلا النوعين من التهابِ الجلدِ يؤديان إلى احمرارِ الجلدِ أو لجروحِ أو الحكةِ، ويمكن أن يستغرقَ عدةَ أيامٍ للظهور. والأقلُّ حدةً من النوعين هو الالتهابُ الجلديُّ التّماسِّيُّ المُهَيّجُ، وتأتي على هيئةِ التهابٍ جلديٍّ لا –أرجيٍّ، موضِعيٍّ، وفي العادةِ ينتُجُ عن ردِّ فعلٍ على الموادِّ الكيميائيةِ بدلاً من اللاتِكس.

أما النوعُ المعروفُ باسمِ "فرطِ التحسُّسِ من النوعِ الرابعِ"؛ الالتهابُ الجلديُّ الأرجيُّ التّماسيُّ فهو تفاعلٌ بوساطةِ الخلايا التائيةِ تجاهَ الموادِّ الكيميائية. لا يمتدُّ أيُّ نوعٍ من التهابِ الجلدِ إلى ما بعدَ الجلدِ، على الرغمِ من أنّ الالتهابَ يمكن أن يُضعفَ حاجزَ الجلدِ، حيث يوفرُ موادَّ مسببةً للتحسُّسِ مع إمكانيةِ الوصولِ إلى الأنسجةِ الداخليةِ للجسم.

فرطُ التحسُّسِ من النوعِ الأولِ ينتِجُ تفاعلاً تحسُّسياً فورياً ضدّ مضاداتِ الغلوبينِ المناعيِّ هـ (igE) المحدِّدِ لـ لاتِكس الهيفيا (أي اللاتكس الخاص بشجرة المطاط). إنّ هذا النوعَ من التحسُّسِ- الذي أصابَ الدكتورةَ نيومان، و كادَ أن يقتلَها- يُسفرُ عن مقتلِ 1٪ من أولئك الذين يعانون من هذا الهجومِ المناعي.

هل يوجد أشياءُ خاليةٌ من اللاتِكس؟

وردّاً على هذه القضايا في مجالِ الرعايةِ الصحيةِ، كان هناك اتجاهٌ نحوَ جعلِ البيئاتِ السريريةِ "خاليةً من اللاتِكس". لكنْ ولسوءِ الحظِّ، قد لا يكونُ من الممكنِ في الواقعِ توفيرُ منطقةٍ خاليةٍ تماماً من اللاتِكس.

إنّ أحدَ أهمِّ العقباتِ هو غيابُ التنظيمِ الذي من شأنِه أن يحددَ طريقةً لوسمِ أي وضعِ علامةٍ على المنتجاتِ وما هي مستوياتُ اللاتِكس التي سيتمُّ على أساسِها وَسمُ المنتَجِ باحتوائه اللاتِكس أم لا، حيث قامت إدارةُ الأغذية والأدويةِ الأمريكية (FDA) فى بيانٍ رسميٍّ بتوصيةِ الشركاتِ المصنِّعةِ بعدم وصفِ أيِّ شيءٍ بأنه "خالٍ من اللاتِكس" أو حتى أن تذكُرَ أنه "لا يحتوي على اللاتِكس"، وذلك لأنّ الكثيرَ من الموادِّ تحتوي على اللاتِكس، وأنه مجردُ بروتيناتٍ دقيقةٍ منها ناتجةٍ عن تلوّثٍ قد تسبّب التحسُّس. "غيرُ مصنوعٍ من مطاطِ اللاتِكس الطبيعيِّ" هي العبارةُ الأكثرُ دقةً، وذلك لأنّ المنتجاتِ المصنوعةَ من كلوريد البولي فينيل لا تحتوي على البروتيناتِ المسيئة. ومع ذلك، حتى اللاتِكس الاصطناعيةُ يمكن أن تسبب التحسُّسَ لدى بعضِ الناس.

فحصُ أرجِيّةِ ‘حساسية‘ اللاتِكس

عندما يكون هناك خطرٌ معروفٌ أو تحسُّسٌ/أرجيةٌ مشتبهٌ بها، فإن الاختبارَ الروتينيَّ هو خَيارٌ قابلٌ للتطبيقِ لكلٍّ من العاملين في مجالِ الرعايةِ الصحيةِ ولمرضاهم، حيث يمكنُ استخدامُ رقعةٍ توضعُ على الجلدِ تحتوي على مادةِ اللاتِكس لمدةِ يومين، وفي حالِ رؤيةِ أيِّ تفاعلٍ على مكانِ الرقعةِ فإنّ الفحصَ إيجابيٌّ. ويمكن أيضاً استخدامُ التحاليلِ المناعيةِ للكشفِ عن مضادّاتِ الغلوبينِ المناعيِّ ‘هـ‘ المحدِّدِ لـ لاتِكس الهيفيا في دمِ الشخص.

علاجُ أرجيّةِ اللاتِكس

للتحسُّسِ الموضعيِّ للجلدِ، فإنّ غسلَ المِنطقةِ بسرعةٍ يوفرُ خطَّ الدفاعِ الأول. إذا استمر التهيُّجُ، يمكن وضعُ الكورتيكوستيرويداتِ والكريماتِ المهدِّئة.

أما إذا كان فرطُ التحسُّسِ من النوعِ الأولِ الذي يهدّد الحياةَ فإنه يتطلبُ العنايةَ الطبيةَ الفورية. ينبغي إزالةُ المريضِ من مصدرِ اللاتِكس في أسرعِ وقتٍ ممكنٍ، إلى مكانٍ خارجيٍّ في الهواءِ الطلْق. إذا كان هناك اتصالٌ جسديٌّ مع المادةِ فيجب أنْ تُشطفَ المِنطقةُ جيداً، ثم يجب رصدُ العلاماتِ الحيويةِ والبدءُ في العلاجِ الطارئِ، مثلَ حقنِ الأدرينالين أو الستيرويداتِ عن طريقِ الفمِ أو مضادّاتِ الهيستامين.

الاحتياطاتُ اللازمةُ في الأجواءِ السريرية:

بالرغم من أنّ بيئةً خاليةً تماماً من اللاتِكس هو أمرٌ لا يمكنُ تحقيقُه، إلا أنّ العاملين في المجالِ الصحيِّ يمكنهم أخذُ بعضِ الاحتياطاتِ لتخفيضِ خطرِ الإصابةِ بأرجيّةِ اللاتِكس وحمايةِ المرضى أيضاً. إنّ غسلَ اليدينِ المتكررَ وتنظيفَ الأرضياتِ وإزالةَ جميعِ موادِّ اللاتِكس المعروفةِ يمكن أن تقلّلَ المخاطر. يمكن أيضاً جعلُ مواعيدِ المرضى الذين يعانون الأرجيّةَ في أولِ اليومِ، مما يجعلُ التلوثَ بعدَ التنظيفِ أقلَّ احتمالاً.

على مدى العقودِ القليلةِ الماضيةِ، استُخدِمَ العديدُ من بدائلِ اللاتكس الاصطناعيةِ لتصنيعِ القفازاتِ الجراحية. وهذه تشملُ السيليكون والنيوبرين والبولي يوريثان والفينيل وموادَّ أخرى. وقد تناقصَت أرجيّةُ اللاتكس بين الأطباءِ في السنواتِ الأخيرةِ بسبب هذه البدائلِ، ولكنَّ الاحتياطاتِ لا تزالُ ضروريةً، إذ أنّ ليسَ كلُّ القفازاتِ مصنوعةً بالمعايير نفسِها.

أفضلُ طريقةٍ لحمايةِ المرضى من الحساسيةِ غير المعروفةِ أو أرجيّةِ اللاتكس المعروفةِ هي طرحُ الأسئلةِ حولَ التعرضِ السابقِ وردودِ الفعلِ اللاحقةِ، واستخدامِ موادَّ بديلةٍ كلما أمكنَ ذلك. قد لا يكونُ القضاءُ على أرجيّة ‘حساسيةِ‘ اللاتكس ممكناً، ولكنّ تخفيضَ خطرِ الإصابةِ ممكنٌ بالتأكيد!

المصادر:

هنا

هنا