الهندسة والآليات > الروبوتات

هل من الممكن التحكم بالروبوتات عن طريق الأفكار؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

تجلسُ وحيدًا وتفكّرُ في شربِ كأسٍ دافئٍ من الشّاي، وما هي إلّا دقائق حتّى يأتي روبوتُك ويقدّمُ إليك كأسَ الشّاي مع ابتسامةٍ عريضة. فكرةٌ رائعةٌ جدًّا أليسَ كذلك؟ فما حاجتُنا إلى ضغطِ الأزرارِ وإعطاءِ الأوامرِ الصّوتيّة إن استطعنا التّحكّمَ بالرّوبوتاتِ بواسطةِ الأفكارِ وحدَها؟ الأمرُ صعبُ المنالِ قليلًا، لكنّه ليس مستحيلًا، حيث يتقدّم الباحثون بخطىً متسارعةٍ نحوَ تحقيقِها. نقدّمُ إليكم اليومَ خطوةً على هذا الطّريق، ليست الأولى ولن تكونَ الأخيرةَ، لكنّها خطوةٌ مهمّةٌ للغاية.

قامَ الباحثون بتطويرِ طريقةٍ تجعلُ الرّوبوتات قادرةً على استنباطِ أعمالِها من إشاراتِ دماغِ الإنسان، حيثُ تقومُ الرّوبوتاتُ بتعديلِ حركاتِها بشكلٍ شبهِ آنيّ عندَ قيامِها بعملٍ خاطئٍ، من خلالِ أوامرَ تحصلُ عليها من أفكارِ الإنسانِ الذي يراقبُها. يحدثُ الأمرُ كلّهُ باستخدامِ خوارزميّاتٍ قادرةٍ على مراقبةِ إشاراتٍ خاصّةٍ تنتجُ خلالَ نشاطِ الدّماغ، وتشقُّ هذه الخوارزميّةُ الطّريقَ نحوَ إمكانيّةِ التّحكّمِ بالرّوبوتاتِ من دونِ أيِّ جهدٍ، لكن من خلالِ مراقبةِ أفعاِلهم فقط.

قالتْ دانييلا روس (Daniela Rus) مديرةُ مخبرِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ وعلمِ الحاسوبِ (CSAIL) في معهدِ ماساتشوستس للتّكنولوجيا: "تخيّلْ أنّك تستطيعُ وبشكلٍ آنيّ إعطاءَ الرّوبوت أمرًا محدّدًا، من دونِ الحاجةِ إلى كتابةِ أمرٍ، أو ضغطِ زرٍّ، أو حتّى أن تقولَ كلمة. إنَّ وجودَ منهجٍ مُبسَّط كهذا المنهجِ يُمكنُ أن يطوّرَ قدراتِنا لمراقبةِ روبوتاتِ المصانع، والسيّارات ذاتيّةِ القيادة، ولربّما تقنيّاتٍ أخرى لم تكتشفْها بعد".

على الرَّغمِ من أنَّ استخدامَ المساعدين الافتراضيّين _ كـسيري (أبّل) وأليكسا (أمازون) _ يجعلُ إمكانيّةَ التّحكّمِ من دونِ استخدامِ اليدِ أمرًا حقيقيًّا، إلّا أنَّ هذه التّقنيةَ ما تزالُ محدودةً فهي من جهةٍ غيرُ قادرةٍ على تمييزِ الأصواتِ بينَ فترةٍ وأخرى، ومن جهةٍ أخرى فإنَّ النّظامَ الذي تعتمدُ عليه مُصمَّمٌ للتّعاملِ مع كلماتٍ وجملٍ محدّدة، ممّا يُجبر المستخدمَ على التّحدّثِ بطرقٍ معيّنةٍ لجلبِ انتباهِهم.

إنَّ وجودَ واجهاتٍ للتّحكّمِ عن طريقِ إشاراتِ الدّماغِ جعلنا نتجاوزُ بعضَ العوائقِ بما فيها تمييز الأصوات، ولكنَّ المستخدمين بقيوا مُلزَمين بتدريبِ أنفسِهم على التّفكيرِ بطرقٍ معيّنةٍ من أجل جعلِ الآلةِ تنفّذُ ما يريدونه. وقد تستغرقُ فترةُ التّدريبِ هذه زمنًا طويلًا إلى أن يصبحَ المستخدمُ خبيرًا في التّعاملِ مع الرّوبوت. وحتّى لو أصبحتَ خبيرًا في هذا المجالِ فإنَّ إجبارَ نفسِك على التّكيّفِ مع عددٍ من الأفكارِ القادرِة على التّحكّمِ بالرّوبوت يُمكنُ أن يكونَ إجهادًا عقليًّا.

للتغلّبِ على هذه المشكلةِ، قام الباحثون في (CSAIL) بتصميمِ نظامٍ يعتمدُ في عملِه على ما يُمكن تسميتُه بالإشاراتِ المتعلّقةِ بالخطأ (error-related potentials) واختصارًا (ErrPs)، وهي عبارةٌ عن إشاراتٍ ينتجها الدّماغُ عندَ ملاحظتنِا الخطأَ، والتي تتشكّل بسهولةٍ دونَ الحاجةِ إلى التّركيزِ في الأمر.

تقول روس: "كلُّ ما عليك فعلُه في أثناءِ مشاهدتِك الرّوبوتَ هو الموافقةُ أو عدمُ الموافقةِ العقليّة لما يقومُ به، ليسَ عليك أن تدرّبَ نفسَك على التّفكيرِ بطريقةٍ محدّدةٍ، فالآلةُ ستتكيّفُ معك وليس العكس".

جرّبَ الباحثون نظامَهم على الرّوبوت الصّناعيّ المسمَّى (Baxter)، ولكي يصبحَ الرّوبوتُ قادرًا على التقاطِ إشاراتِ (ErrPs)، توجّبَ على المشتركين ارتداءُ قبّعةِ (electroencephalography)، والتي تُستعمل في أثناءِ المسحِ الكهربائيِّ للدّماغ، ليتمكّنَ الرّوبوتُ من مراقبةِ نشاطِ الدّماغ. قام الرّوبوتُ في هذه التّجربةِ باختبارِ تمارينَ بسيطةٍ تحمل وجهَ الصّوابِ أو الخطأ: كمهمّة فرزِ العناصر، وضعِ علبِ الطّلاءِ في الصّندوقِ الأوّلِ، وضعِ بكراتِ الأسلاكِ في الصّندوقِ الآخر.

باستخدامِ خوارزميّاتٍ حديثةٍ ومطوَّرةٍ من قِبَل فريقِ البحثِ لتصنيفِ إشاراتِ (ErrPs)، تمكّنَ الرّوبوتُ من التقاطِ إشاراتِ دماغِ المتطوّعين في فترةٍ زمنيّةٍ تتراوحُ بين 10 إلى 30 ميلي ثانية، بما معناه في حالِ لاحظَ المتطوّعُ قيامَ (Baxter) بخطأٍ ما كوضعِ عنصرٍ في الصّندوقِ الخاطئ، يستطيعُ الرّوبوتُ تصحيحَ هذا الخطأ بشكلٍ لحظيٍّ تقريبًا. في هذا الاختبارِ تمكّن النّظامُ من اكتشافِ 70% من إشاراتِ (ErrPs) عندَ ملاحظةِ المشتركِ قيامَ الرّوبوتِ بخطأ.

ما هو مستقبلُ هذه التّقنيّة؟

حتّى الآن لم يُقيَّم البحثُ من قِبَل علماءٍ آخرين، ولكن يأملُ فريقُ البحثِ في نهايةِ المطافِ رفعَ معدّلِ الدّقّة إلى ما فوق 90 %، وقاموا ببناءِ نظامٍ احتياطيّ يستطيعُ الرّوبوتُ من خلالِه طرحَ سؤالٍ على المستخدمِ إذا لم يكن متأكّدًا من كشفِه إشارةَ ErrPs.

كما يعملُ فريقُ البحثِ أيضًا على نسخةٍ "شاملةٍ" للنّظام، حيث توجبُ معايرتُها بالنّسبةِ إلى كلِّ مستخدم، ويسعى الباحثون إلى ضبطٍ دقيقٍ لحساسية اكتشافِ إشاراتِ ErrPs بحيث يمكنُ الرّوبوتات الكشفُ عن مجموعةٍ من الرّدودِ الدّقيقةِ للمراقبِ البشريّ، وليس فقط من أجل الإشاراتِ البسيطةِ (التي تحملُ وجهَ الصّوابِ أو الخطأ فقط).

يعتقدُ الباحثون - من خلالِ استخدامِ تحسيناتٍ كافية - أنَّ هذه التّقنيّةَ يمكن أن تساعدَ في التّحكّمِ بالمركباتِ ذاتيّةِ القيادةِ حيثُ تُعتبر أفكارُ الرّكّابِ المسافرين كإشاراتِ تغذيةٍ عكسيّةٍ تجري في الزّمنِ الحقيقيِّ لنظامِ القيادةِ المؤتمت. قد يكونُ هذا اليومُ بعيدَ المنالِ ولكنّنا نخطو خطوةً في اتّجاهه.

من المقرّرِ أن تُعرضَ نتائجُ هذا البحث في المؤتمرِ الدّوليّ للرّوبوتاتِ والأتْمَتَة في سنغافورة في شهرِ أيار 2017.

ختمتْ روس: "نخطو خطواتٍ صغيرةً في اتّجاهِ الوصولِ إلى آلاتٍ تتعلّمُ عنّا، وقادرةٍ على تعديلِ نفسِها من خلالِ أفكارِنا، سيكونُ رائعًا في المستقبلِ أن يعملَ البشرُ والرّوبوتاتُ معًا تحتَ قوانين البشر".

المصدر: هنا