الطب > علوم عصبية وطب نفسي

الحب في زمن البيولوجيا !

استمع على ساوندكلاود 🎧

الحب شعورٌ نبيلٌ وجميلٌ. كلُّ انسان ينتظرهُ ويتمناه، وربما كان الحب أجمل أنواع الإدمان!

غالباً ما يرتبطُ الحبُّ في ثقافتنا الشرقية بأمثالٍ كـ"الحبّ أعمى أو يضرب الحب شو بيذلّ". و لكن ما رأي البيولوجيا في ظاهرة الحب؟ ما هي حقيقته وتفسيره العلمي؟ في هذا المقال سنحاول أن نفك أسرارَ الحب ونعرف سر النّشوة الجميلة والمعاناة الرائعة التي نشعر بها عندما نتبادل الحُب. هل من المعقول أننا عندما نعشقُ نكون في الحقيقة قد وقعنا في فخ الكيمياء الحيوية و ليس شيء آخر؟

معلومات سريعة:

- التغيرات الدماغيّة الناتجة عن شعور الحب تشبه إلى حدٍّ كبير التغيرات المترافقة مع بعض الأمراض العقلية!

- إنجذابنا إلى شخصٍ ما قد يكون في حقيقته انجذابٌ إلى مورثاته، والتي يستطيع جسدنا إدراكها عن طريق رائحته!

- وهكذا فإنّ بإمكان العلم أن يقيس الحبّ، ويخبرنا –إلى حدٍّ ما- فيما إذا كانت هذه العلاقة ناجحةً أم لا !

- هناك ثلاثة مراحل مختلفة لعملية "الوقوع في الحبّ"، وتعمل هرمونات معينة في أجسامنا في كلّ مرحلة، ويمكن اختصار كلّ حالات الحبّ وعذابه وأشواقه وإدمانه بالعمل المتكامل لسبعة مركّباتٍ مختلفة وهي: عامل النمو العصبي (NGF)، التوستسترون، الدوبامين، النوروبينفيرين، السيروتينين، الأوكسيتوسين والفاسوبرسين.

مراحل الحب:

1- مرحلة الرغبة:

وهذه المرحلة تقودها الهرمونات الجنسية: التستسترون والاستروجين، علماً أنّ هذين الهرمونين كلاهما موجودٌ بنسبٍ مختلفة عند الجنسين.

2- مرحلة الانجذاب:

وهنا يبدأ الحبّ "الأعمى"، حيث نبدأ بالتفكير بالحبيب بشكلٍ أشبه بالإدمان، وممارسة أحلام اليقظة، والمركّبات التي تعمل في هذه المرحلة هي:

الدوبامين وهو نفس المركّب الذي يفعّله تعاطي النيكوتين والكوكايين، النوروبينفيرين أو الأدرينالين وهو ما يجعلنا نتعرّق ويجعل قلبنا (ينبض عشقاً)! السيروتينين وهو الهرمون المسؤول عن ما يسمّى بـ (جنون الحب) (يبدو أنّ قيس ليلى كان عنده مستويات عالية من هذا الهرمون)!

إنّ التأثيرات الناتجة عن السيروتينين لدى المتيّمين عشقاً وغراماً هي نفسها عند الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهريّ، مما يفسّر أنّنا حين نقع في الحبّ نفقد القدرة على التفكير بأيّ شيءٍ آخر، كما يفسّر أنّ الأدوية المضادّة للإكتئاب تعيق شعورنا بالحب في الوقت ذاته الذي تشفي فيه مرضنا !

3- مرحلة التعلّق والارتباط طويل الأمد، والهرمونات المسؤولة عن هذه المرحلة هي:

الأوكسيتوسين الذي تفرزه الغدّة تحت المهادية hypothalamus gland، وهو المسؤول عن الرابطة القوية بين الأم وطفلها حيث يفرز بكميات كبيرةٍ عند الولادة، كما أنه يفرز عند الرعشة الجنسيّة، وهو يسبّب العديد من الاستجابات الفيزيولوجية ولهذا السّبب استحقّ اسم (هرمون الإرتباط). والفاسوبرسين والذي ترتفع مستوياته لدى الأشخاص المرتبطين.

عاملٌ أخير لوحظ أنه مرتبط بالحب وهو عامل النمو العصبي (NGF)، ففي عام 2005 توصل بعض العلماء الايطاليين الى أنّ عامل النمو العصبي يكون بأعلى مستوياته عند الأشخاص الواقعين بالحب منذ فترة قريبة مقارنة بالناس المساكين.

هناك دور إضافيّ يلعبه الدماغ في الحبّ: للجهاز الحوفي (limbic system) مهمته تكمن في توليد عاطفة خاصة اسمها الصدى الحوفي (limbic resonance) وهي القدرة على مشاركة الحالات العاطفية العميقة، وتتضمن هذه العاطفة تأثير هرمونين هما الدّوبامين المرتبط بحالة الانسجام العاطفي، والنوروبينفيرين الذي يحفز مشاعر الخوف والقلق والغضب. بالإضافة للجهاز الحوفي حيث أظهرت صور الرنين المغناطيسي لأدمغة المحبين وجود منطقتين في الدماغ تكونان أكثر نشاطاً من غيرها عند الوقوع بالحب. الأولى هي بؤر من منطقة اسمها (media insula) وترتبط بالغريزة، بينما المنطقة التانية فهي القشرة الحزامية الأمامية المرتبطة بمشاعر الابتهاج والنشوة.

كيف نختار المحبوب؟

يقول العلم أنّ مسألة (الوقوع في الحبّ) ليست عشوائية أبداً، فهناك في أجسامنا آليّات تعمل بلا وعيٍ منا، تساعدنا على اختيار شريكٍ يملك أفضل مجموعةٍ من المورثات بهدف إيجاد (الصفقة الأفضل من التكامل الجيني) لتوريثها لأطفالنا، ويتمّ ذلك باستخدام حاسّتين مختلفتين: هما النظر والشم!

النظر يعطينا معلوماتٍ عن صحة الشريك، ومميزاته الشكلية كالطول والوزن والبناء الجسدي السليم والصفات الجنسية الثانوية.

والشمّ لا يعتمد على رائحة الشريك بل على مواد كيميائية تدعى الفيرمونات وهي تحمل معلوماتٍ دقيقة عن مورثات ومواصفات كلّ منا، والفيرمونات تلعب دوراً أساسياً لدى معظم الحيوانات في الانجذاب لبعضها من مسافاتٍ بعيدة واختيار الشريك المناسب، علماً أنّ دورها قد انخفض كثيراً عند البشر إلا أنّ العضو المسؤول عن شمّ الفيرمونات لا يزال موجوداً في الآلية الشميّة التي يملكها الإنسان.

وسيتمّ تفصيل موضوع اختيار المحبوب وهل يمكن الوقوع في الحبّ من أول نظرة أو من أول (شمة) في مقالٍ لاحق.

و في النهاية من يعلم ربما قد لا نحتاج في المستقبل أن نضطر لنرسل الكلام والإعترافات المتبادلة في الحب، حيث قد يكفي أن يتم قياس الهرمونات ومستويات نشاط الدماغ كي نعرف الشريك المحتمل.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا