الهندسة والآليات > تكنولوجيا الفضاء

إلى أي مدى ساهمت الدارات المتكاملة في تطوير تكنولوجيا الفضاء؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

ساعدت الداراتُ المتكاملةُ في صناعةِ الحواسيب عبر تأمينِ التخديمِ للمستخدمين بسرعةٍ وعددِ وظائفٍ أكبر. ولكنَّ العلاقةَ بين مستخدمي الحواسيبِ ومصنِّعيها هي علاقةٌ تكافليَّة، فإنَّ احتياجاتِ ومتطلَّباتِ المستخدمين تحثّ على تسريعِ الوُصولِ إلى تصاميمَ جديدةٍ للداراتِ المتكامِلة، وغالباً ما يرجِعُ المهندسون إلى مصمِّمِي الداراتِ المتكاملة باحثينَ عن منتجٍ جديدٍ يمكنُ أن يساعدهم للوصولِ إلى أهدافِ برامجهم الخاصَّة. وأهمُّ مثالينِ على ذلك: برنامجُ الفضاءِ الأمريكي والنظامُ الصّاروخي Minuteman الخاصُّ بالولاياتِ المتّحدة.

تاريخُ الداراتِ المتكاملة في تكنولوجيا الفضاء:

تمَّ إِطلاقُ أوَّلِ مركبةٍ فضائيةٍ إلى سلسلةِ عطارد أواخِرَ الخمسينيِّات، وَالّتي لم تحمِل على متنها أيَّ حاسوب، ولكنْ في منتصفِ الستِّينيِّات كانت تِكنولوجيا الحاسوب قَد تطوَّرَت بشكلٍ كافٍ لتزويدِ مركبةِ عطاردَ بحاسوبٍ على متنها، والَّذي استُخدِمَ لأَغراضِ المِلاحَة. وفي أَوائِلِ الستِّينيِّات، حيثُ كانَ الاندفاعُ والمثابرةُ على قدمٍ وساق في "سباقِ الفضاء"، أَلقى العلماءُ و المهندسون والسياسيون أنظارهُم نحوَ القَمر. وقد تزامَنَ المخطَّطُ الخاصُّ ببِعثاتِ أبولو -كما كانت معروفةً- مع ظهورِ الدَّاراتِ المتكاملة.

أبولو وانطلاقةُ الدَّاراتِ المتكاملة:

أثناءَ انشغالِهم بتصميمِ أوَّلِ حاسوبٍ خاصٍّ بأَبولو رأَى المهندسونَ أنّه يمكنُ استخدامُ الـ IC كطريقةٍ لتقليصِ حجمِ ووزنِ الحاسوبِ المحمولِ على متنِ المركبة، وتمَّ توكيلُ مَهمَّةِ تصميمِ الحاسوب للمهندسينَ في جمعيّّةِ ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، وفي عامِ 1962 قرَّرَ المُهندسونَ أَن يقوموا باستبدالِ الداراتِ المتكاملة بترانزستورات فردية لتناسب احتياجاتِ المَهمَّة، وقاموا بتصنيعِ دارةٍ متكاملةٍ خاصةٍ بهم ضِمنَ MIT، أطلقوا عليها اسمَ "البوَّابةِ المنطقية" المؤلَّفة من 3 ترانزستوراتٍ و 4 مقاوَمات، وقد لَزِمَ حوالَي 5000 رقاقةٍ مشابهة لبناءِ حاسوبِ الرحلة.

هزَّ هذا التقدُّمُ تصنيعَ الدّاراتِ المُتكاملة، ففي ذلك الوقت قامَ معهدُ MIT بشراءِ ما يقاربُ 30% من الإنتاجِ العالمي للدّارات المتكاملة لهذا المشروع وحده. بُنِيَ آنذاكَ حاسوبانِ معتمدانِ على تقنيّةِ الداراتِ المتكاملة، المجموعة 1 للمَهمَّاتِ الاختباريّة التي لا تحتاج لوجودٍ بشرّي. والمجموعةُ المُطوَّرة 2 للمَهامِّ الاستكشافيَّةِ التي يتواجد على متنها رُوَّادُ فضاء. وخلالَ فترةِ مَهمَّة الوصولِ إلى القمرِ عامَ 1969 كانت المجموعةُ 2 قد أَصبحت مهمَّشةً، بسببِ التّقدمِ السَّريعِ في تكنولوجيا الداراتِ المُتكاملة. ومع ذلك بَقِيَ المشروعُ مُهِماً لكَونِهِ أوَّلَ وصولٍ للحواسيبِ المعتمدةِ على الداراتِ المتكاملةِ إلى الفضاء، ولأنّه أَعطى صناعةَ الداراتِ المتكاملة دعماً بمرحلةٍ مُهمِّةٍ من مراحلِ تطوِّرها. وكان لاهتمامِ هذا البرنامجِ الفضائيِّ بالداراتِ المتكاملة نتيجةٌ أُخرى: فإنَّ ارتفاعَ الطّلبِ الكبير على الدارات المتكاملة أدّى إلى انخفاضِ سِعرها، ففي البدايات، كانت الداراتُ المتكاملة أغلى ثمناً بكثيرٍ منَ الداراتِ المصنّعة من ترانزستوراتٍ منفردة، بتكلفةٍ تصلُ لـ 1000$ لكلِّ شريحةٍ من الشّرائحِ الأُولى المُنتَجة في عام 1960، وأمّا في عام 1963 انخفضَ ذلك السعر إلى 25$. ما أَدَّى إلى مساعدةِ صناعاتٍ أُخرى لإيجادِ تطبيقاتٍ للداراتِ المتكاملةِ، و الاستفادةِ من انتشارِ هذهِ التكنولوجيا.

التوجُّه العسكري ودورُهُ في الدارات المتكاملة:

وفي حينِ أنَّ العلاقةَ بين تكنولوجيا الصَّواريخ والدارات المتكاملة سوف تبقى قوية، أَدَّى مشروعٌ آخرٌ أيضاً إلى زيادةِ الطلب على الدارات المتكاملة وتحفيزِ الاستخدامِ واسعِ الانتِشارِ للرقاقاتْ. وقد كانَ هذا المشروعُ هو برنامجُ صاروخِ "Minuteman" الأمريكي الذي ابتدأَ في أوائلِ السِتِّينياتِ كجُزءٍ من إنشاءِ الترسانةِ النَّووِيَّةِ خلال الحرب الباردة. صاروخُ Minuteman هو صاروخٌ عابرٌ للقارات، يتحرّكُ تحتَ تأثيرِ الجاذبيةِ فقط أو ما يسمّى بالـ ICBM. ما يعني أنَّ الصاروخَ يُرمَى من الفضاءِ الخارجي ليقعَ باتجاهِ الأرض. ويمكنُ قيادةُ هذه الصَّواريخِ إلى وِجهتِها من محطاتٍ أرضية أو من سفينةٍ فضائية. ولكنَّ المهندسينَ أرادوا تصميمَ نموذجٍ يحمِلُ على متنِهِ حاسوبَ ملاحةٍ. لتحقيق ذلك، لجأوا إلى تكنولوجيا الداراتِ المتكاملة، لأن عمليةَ التصنيعِ ستشملُ مئاتَ الصواريخ، وسيتطلَّبُ كلٌّ منها آلافَ الرقاقات. وكان طلبُ البرنامجِ للدارات المتكاملةِ كبيراً. و تماماً كما طَلبَت ناسا، كان هذا يعني أنَّهُ يجِبُ تصنيعُ أنواعٍ مُحدَّدةٍ من الرُّقاقاتِ بعددٍ كبير. لبَّى المهندسونَ هذا الاحتياج. وفي عام 1964 اختَبرت شركةُ "Texax Instruments" بنجاحٍ حاسوباً مِلاحيَّاً مبنيَّاً على قاعدةٍ من الداراتِ المتكاملة. هذه لم تكن الاستخداماتِ الوحيدةَ للداراتِ المتكاملةِ خلال تلك السَّنوات. حيثُ أنَّ السُّوقَ المضمونةَ والأسعارَ المميزةَ، التي دُفِعَت من قِبَل ناسا والمنشآتِ العسكَريَّةِ كانت عواملَ حاسمةً في ضمانِ نجاحِ هذه التكنولوجيا الجديدة، كما قاَدَتْ لإِنتاجِ هذه الرقاقاتِ بأعدادٍ كبيرةٍ وتكلفةٍ منخفضةٍ لاستخدامها ضِمنَ الحواسيبِ الشخصيةِ وأَنظمةٍ أُخرى.

المصدر: هنا