العمارة والتشييد > التصميم المعماري

Becton Dickinson Campus Center

استمع على ساوندكلاود 🎧

Becton Dickinson Campus Center عمارة تلتحف المروج، وتجمع الخبرات

إنَّ قيمةَ المشروع المعماري تأتي من قُدرتهِ على تحقيق أهدافهِ التي يُصَمَّم من أجلها، ولا شك من كَونِ قُدرته على التأثير على علاقة الإنسان بالإنسان ضِمنَهُ من أهمِّ نِقاط قوته، إلى جانبِ انتمائِه إلى الموقع الذي يُقام فيه والتعامل مع مُعطياته.

وهذا ما نراه في مِثالنا التالي الذي عَمِل على تحديد الارتباط بين الكُتل المعماريَّة المستقلَّة، وتَنشيط التفاعُل الاجتماعي بين الشرائحِ الـمُختلفة.

شَرِكة Becton and Dickinson هي شَرِكة للتقنيَّات الطبيَّة، تُخَدِّمُ القطاعَ التجاري والتعليمي في نيو جيرسي/ الولايات المُتحدة الأمريكيَّة، وتَعمَلُ عَلى تَخديمِ معاهدِ العِنايةِ الصحيَّةِ والباحِثينَ في عُلُوم الحَياة، إلى جانِب المُختبراتِ الطبيِّة والصناعية، ولكِنَها لمْ تَكُن مثالاً يُحتذى به في وحدةِ تصميم الشرِكات؛ حيث يحتوي الموقع على مَبنيين مُصَمَّمين في نهايةِ الثمانينيات وبدايةِ التسعينيات مِن قِبَل Kallman Mckinnel Wood الحائز على جائزة في مجال تنسيق المواقع.

كُلٌ من المبنيين باِرتفاع أربعةِ طوابِقَ ويَفصِلُ بينَهُما مساحةٌ واسعةٌ من المرجِ الأخضرِ الذي كان سبباً رئيساً في الفَصل بين الموظفين.

فالمبنى الأوَل يُسمَّى: Howe يَقَع في الجِهة الشرقيَّة، وهو المَقَرُّ الرئيسيُّ للشَرِكةِ ومَبنى الإدارةِ التنفيذيَّة حيثُ يتواجدُ الإداريون

أما المبنى الثاني فيُسمّى: Becton ويقع في الجِهة الغربيَّة، وهو حاضِنةٌ لعددٍ من وحداتِ أعمالِ الشَرِكةِ والباحِثينَ وفِرَقِ الإنتاجِ؛ أي مكانُ تَواجُدِ الباحِثين والتِقَنييِّن.

يتَضَمَنُ كُل مبنى: النادي الرياضي، والكافتيريا، وقاعاتِ المُؤتمراتِ الخاصَّةِ بِه، الأمر الذي لم يُعطي أسباباً كثيرة قَد تَجعل مَجموَعتي الـمُوَظفين ذو الفكر والعمل الـمُختلف بأن ينخرطوا معاً.

ولَكِن مع تَشجيعِ عالم الأعمال للتَّعاون وزيادةِ فُرص اللِّقاء اتَخَذَ مُديرُ الشَّركةِ والمديرُ التنفيذيُّ لها قراراً بالقيامِ بِخُطةٍ نَحو الدَمجِ بين الـمُوَظفين، فقاموا بتعيين شركة RJMJ لوضعِ تصميمٍ وبِناءِ حَرَمٍ يُمكِنُ للجميعِ التَشارُكُ بِه.

تَقول Barbara Hiller المُديرةُ في قسمِ التَّصميم في الشَرِكةِ: ((أنَّ هَذا المَشروع قامَ بخلقِ نوعٍ من التَّحَدي المُمَيَّز، فالمرجُ الواسعُ الذي اِمتد على طُولِ الموقعِ كانَ مِن أجمل ميِّزات المشروع.

بَصريِّاً كان المكانُ بحاجةِ هذه المساحة، ولَكِن وظيفياً كان لابُدَّ مِن تَصميمِ مبنى ليقومَ بالوظيفةِ المَطلوبة، ولهذا اعتبرنا أنَّ أفضلَ وسيلةٍ للتعبيرِ عن الَمبنى كانت عن طريقِ رفعِ العُشبِ والمناطقِ الخَضراءِ كغِطاءٍ والقيامُ بإدخالِ المَبنى تحته).

ولذلك نرى التصميم يَعتَمِدُ عَلى مَبدأ الاستدامة، وإعطاء الأهميَّة للفراغ المفتوحِ ما بين المباني الرئيسيَّةِ المتواجدةِ في الموقع.

فالمشروع وبمساحته التي تبلغُ 38500م2 ضمن المرج المُمتدِ مابين المباني القائمة، مُصَمَّمٌ ليربطَ بينهما بالمعنى المجازي والحرفي؛ ويقومُ بالربط ما بين المبنى والموقع المُحيط بِه، مابين الداخل والخارج، مابين سطحِ المبنى وأرضيتِهِ، ما بينَ الشكلِ العامِ والأرضِ، وما بين مجالي العمل المتواجدين في الشركة بين الإدارة والإنتاج عَن طريق التشاركِ في الطَعام، فهو مُخَصَصٌ لاستقبالِ 500 شخص، ويُقسَم حوالي 40% من المبنى إلى كافتيريات، وقاعاتٍ للطعام، إلى جانبِ محطاتٍ مُتَعَددةِ الخَدَماتِ، ومطبخٍ، ومتاجرَ بيعٍ بالتجزئةِ، وبار، ومقهى، ومساحاتٍ داخليَّةٍ تُقسَم إلى مَناطقَ تناولِ طعامٍ خاصةٍ، وفراغاتِ اجتماعٍ وتلاقٍ، وتراسٍ خارجيٍّ لتناولِ الطَّعام، ويُلحَقُ بِه مساحاتٌ تَتَضمن أرصِفةَ تَحميل، ومساحاتٌ ميكانيكيَّةٍ عَلى مَنسوبين (ميزانين).

المبنى بشكلهِ النهائي هو عِبارة عَن مبنى مُغَطى بِشَكلٍ جَيِّدٍ ضمن المَوقع؛ حيثُ أنَّ بُنيَةَ المبنى تَقَعُ تحت الأرض؛ فالبلاطةُ النهائيَّةُ تتوضعُ في أخفضِ مُستوىً من مَبنى الإدارة في الجهة الشرقيَّةِ (حيث نَرى الكافتيريات المتواجدة أصلاً) بطَريقةٍ تَهدُف لجَعل العشبِ يَمتَدُ على طولِ السطحِ الخارجيِّ للمبنى، ويُصبِحُ صِلةَ وصلٍ بينهما، والمستَويات الأُفقيَّةُ تتكونُ مِن بلاطات البيتون المطوية وتَستَنِد عَلى الأرض عَن طَريق أعمِدة معدنية مُتمايلة الشَكل.

تمَّ استخدام البيتون ذاتي الضغط Self Consolidating Concrete (SCC)في المشروع بحجم يساوي 1947م2، وهو يُستَخدَمُ في أوروبا بشكلٍ عام، ولكنَّهُ أصبَح يُستَخدَم في الولايات المتحدة الأميركيةِ بشكلٍ مُتَزايدٍ؛ حيثُ يَمتازُ بكَونه أكثرَ سيولةٍ من البيتون التقليدي العادي، ولَكِنَه يُحقق المَتانة والتماسُكَ ذاتَهُ، حيثُ أنَّ تزايُدَ سُيولة البيتون ذاتي الضغط SCC يَسمَحُ بأن يَتُم مِلءُ قَوالب البيتون بشكلٍ كامل أكثر مِن دون الفَصل، وتحقيقِ مَساميَّةٍ أقلَ من دون الحاجة إلى الاِهتزاز الميكانيكي والذي يُمكِن أن يؤثِّر على أسطح الشَكل، وقد تَمَّ اختيارُه تِبعاً لتَحدياتِ التَصميم ولكونِ أسُطِحِ البيتون مكشوفةٌ دون استخدام البيتون المَصبوب في المَكان، وعدم وُجودِ زوايا قائِمة ووجودُ سطحٍ أخضرَ مُستَمر كانَ عملاً صَعباً، ولكِن تقول Hiller: (إنَّ أكثَر ما يُمكننا أن نَفتَخِرَ بِه برأيي هو أننا قُمنا بخَلقِ بيئةٍ تستِجيبُ لأفكارِ المُجتَمَعِ والقيامِ بجمعِ الناس معاً، لقد قمنا بتغطيَّةِ مبنى يتماهى مع الموقعِ الخاصِّ به، واسترجعنا وحافظنا على المساحةِ المفتوحةِ والتي كان يُمكن أن يَتُّمَ القضاءُ عَليها عندَ البناء، وبالتالي تَغيُرِ هويتها إلى الأبد).

إنَّ تَصميم الحَرمِ يَتَجاوزُ النَّمَطَ التقليدي الجامدَ للمباني القائمةِ حولهُ، وشكلَ العمارةِ المتكررة لها، وهو يَسمَحَ للموظفينَ بالهُروبِ من الجداول المُنظمةِ، وعالَمِ المكاتب ومقصوراتِ العملِ إلى مبنى يرتفعُ عن الأرضِ عن طريقِ الأسطُح المُنحَدِرةِ والمَطويَّةِ مُمكِّنةً للوظائف أن تقومَ داخل وحول المبنى.

كما أن التَّصميمَ يعملُ على إعادةِ وصل المَناطقِ الخضراءِ المُتَفَرقةِ، ويستَجيب لموقِعه ضمنَ الطبيعةِ حيث أنَّ المَبنى مُحتَضَنٌ من قِبَلِ الغاباتِ المحيطةِ ويستخدمُ أشكالاً مِن دون خلفيَةٍ، ويُعطي فرصةً للإطلالات المفتوحةِ على المناطقِ الخضراء المُتَبَقيَّةِ والغاباتِ المُحيطةِ.

المشروعُ حائزٌ على جائزةِ American Architecture Award من معهد شيكاغو عام 2008م وجائزة American Institute of Architects عام 2005.

إنَّ قُدرة المشروعِ على الربطِ بين المباني الرئيسيةِ للشركة في الموقع، والتي تختلفُ كلٌّ منها بوظيفتها وفكرها الخاص، وقيامِهِ بخلقِ بيئةٍ في منطقةٍ متوسطةٍ، والذي أدى إلى خلقِ تفاعلٍ اجتماعيٍّ ما بين المُوظفين؛ عن طريق استخدامهِ لفراغاتهِ الداخليَّةِ والخارجيَّةِ في وظائفَ مختلفة تَخدُمُهُم جميعهم على اختلافهم، إلى جانبِ كون التصميمِ يستجيبُ للموقعِ الخارجيِّ ويندمجُ معهُ يُعَد تحقيقاً لأهداف الشركة المُصممةِ.

فهل استطاع التصميم برأيك أن يحقق الاندماج المُتَطلعَ له ضِمنَ الحَرَم، إلى جانب استجابته للموقع المحيط به؟

المصدر:

هنا

هنا

هنا