التاريخ وعلم الآثار > الحضارة السورية

البيت العربي في حلب 2- بيت آجق باش "متحف التقاليد الشعبية في حلب"

استمع على ساوندكلاود 🎧

يعد بيت آجق باش من أهم البيوت العربية في حي الجديدة وفي مدينة حلب القديمة عموماً، فما هي المراحل التاريخية التي مر بها، وما الذي يميزه معمارياً؟ لنتعرف سويةً عليه في هذا المقال...

يقع البيت في حي الجديدة شمالَ غرب مدينة حلب القديمة خارج الأسوار وتحديداً في أول بوابة الياسمين في صليبه /شكل 1/، ويؤرَّخ البيت إلى منتصف القرن الثامن عشر وتحديداً العام 1758م . يجاورُ البيت كنيستَين أثريتين هما:

- كنيسة مار آسيا للسريان الأرثوذوكس

- وكنيسة الأربعين شهيداً للأرمن

شكل/1/ خريطة تبين أهم المعالم الاثرية في حي الجديدة بحلب و من بينها بيوت :

آجق باش - غزالة - وكيل

وقد كان ملكاً لعائلةِ قره آلي ثم لعائلة آجق باش ، وهي كلمةٌ تركية معناها حاسرَ الرأس، كان صاحبُ الدار موظفاً في السفارة التركية . ثم تحول البيتُ إلى مسكنٍ جماعي لبعض العائلات الفقيرة بعد أن تملكته طائفةُ السريان الكاثوليك.

تحول الدار إلى متحف للتقاليد الشعبية حيث قامت المديريةُ العامة للآثار والمتاحف بتسجيله في عداد الأبنيةِ الأثرية الواجبُ الحفاظُ عليها بالقرار رقم: 157/م تاريخ 31/12/1968 م، وقامت المديرية فيما بعد باستملاكِه عام 1979م، وبدأت بإخلاء السكانِ وترميمه تمهيداً لتحويله إلى متحف، وقد تم افتتاحُ المتحفِ عامَ 1982م.

تم اقتطاع الجزء الشرقي من البيت عند تعريض الشارع المؤدي من ساحة الحطب إلى بوابة القصب وجادة الكيالي مع الإبقاء على الواجهة الداخلية، وذلك دون مراعاة القيمة التاريخية لهذا البيت /شكل2/.

شكل /2/ مخطط بيت آجق باش

يتميزُ الدارُ بوجودِ الزخارف الغنيةِ على الواجهات الداخلية المطلّة على الصحن والتي تتوج النوافذَ ونهايةِ الجدران وتذكرنا بفن الروكوكو في أوروبا، وهو نمطٌ معماريٌّ يتميز بكثرة استخدامِ الزخارف وقد شاعَ في كلٍّ من سورية وتركية بدءاً من عهد السلطان أحمد الثالث الذي فتح الباب على التأثيرات الأوروبية ، وقد وصل إلى حلبَ نتيجة العلاقاتِ التجارية المتواصلة مع أوروبا، وساعد غِنى حلبَ بالأحجار الكلسية واستخدامِ هذه الأحجار في البناء كما مر سابقاً تميز الفنان في نقش وحفر هذه الزخارف الفريدة /شكل3/.

شكل /3/ من الواجهات الداخلية في بيت آجق باش

بُني الإيوان في الجهة الجنوبية للصحن وهو ما نجده في أغلب البيوت في حلب حيث تهب الرياح الجنوبية بكثرة، وإيوان بيت آجق باش نموذجيٌ يرتفع على مستوى طابقين وأرضيته ترتفع عن أرضية الصحن بـ /40/سم تقريباً وسقفه خشبي مزخرف وملون بألوان رائعة تحيط به كتابات تمثل حكماً مختلفة مستعملة في الحياة اليومية ، وقوس الإيوان مدببٌ يستند إلى مقرنصات صغيرة ، استخدم في أحجاره التناوب في الألوان (الأبلق) كما نجد شمسيته الخشبية تحوي زخارف هندسية جميلة ونجد في صدره إطاراً مزخرفاً .

يرى الأستاذ عبد الله حجار أنه خصص لوضع صورة رب العائلة ، وعلى جانبيه تتوضع غرفتين لكل منهما بابان أحدهما على الصحن وينفتح الآخر داخل الإيوان، وفي صدر الإيوان نجد باباً يؤدي إلى غرفة خصصت حالياً لعرض الأسلحة /شكل4/.

شكل /4/ إيوان بيت آجق باش

كما نشاهد صحن الدار، فقد قسمت أرضيته بشكل متناظر طولانياً حيث نلاحظ أمام الإيوان وأمام غرفة الاستقبال في الطرف الشمالي كيف أن الأرضيةَ قد رُصفت بالبلاطات الرخامية المربعة الشكل بأبعادٍ متساوية، ثم تأتي البركة أمام الصحنِ وحوض الزرع أمامَ غرفة الاستقبال، وقد حُددت أماكنهما بمربعين عن طريق الأشرطة الرخاميَّةِ السوداء، ويتألف كل من البركة والحوض من /16/ ضلعاً ويتوضع بئرُ الماء بينهما، وترتفع البركة نحو /80/سم عن أرضية الصحن غير أن عمقها داخلياً لا يتجاوز /20/ سم وفي وسطها نافورة الماء/شكل5/.

شكل /5/ أرضية الصحن في بيت آجق باش ( البركة- حوض الزرع )

أما غرفةُ الاستقبال فهي مرتفعةٌ على مستوى طابقين وتحتل الجهة الشمالية من الدار، ونجد فيها العتبةَ المرصوفة بالرخام المقطَّع بأشكال نجمية تتوزع حولها الأشرطة والأشكال الهندسية الأخرى /شكل6/، ويشكل الطرازُ ثلثي الغرفة تقريباً ويحيط بالعتبة مرتفعاً عنها قليلاً وسقف الغرفة خشبيٌ مذهبٌ وملون ، يحيط به شريط زخرفي هندسي وفي أسفله أشرطة كتابية تمتد على طول أضلاعه/شكل7/، ونجد سويتان من النوافذ علويةً وسفليةً في الجدار الجنوبي للغرفة المنفتح على الصحن، وهو أسلوب خاص بالتهوية يهدف إلى تجديد الهواء بشكل مستمر.

شكل /6/ أرضية قاعة الاستقبال في بيت آجق باش ( العتبة و الطراز)

شكل /7- أ/ سقف غرفة الاستقبال في بيت آجق باش

شكل /7- ب/ تفصيل في سقف غرفة الاستقبال في بيت آجق باش

واستخدم الأبلق المتناوب بين الأصفر والأسود أيضاً في مداخل الغرف المطلة على الصحن /انظر الشكل2/.

رممت الجدران والأسقف والأرضيات بعد إهمالٍ للدار دام عدة سنواتٍ خلال تحولها إلى مسكن جماعي لبعض العائلات الفقيرة .

ينزل من الزاوية الشمالية الشرقية للصحن عبر درج يؤدي إلى القبو المسقوف بقبو متقاطع وتتوسطه بركة ماء حيث كانت النسوة تقمنَ بالأعمال اليومية حولها، وقد جُهز القبو أيضا بفتحة تهوية متصلة مع السقف عبر الجدار وهي ما يسمى بالملقف أو( البادهنجك ) /شكل8/، وهو نموذج تهوية معروف في الأبنية العربية ويبين قدرةَ المعماري العربي على تكييف عناصر المناخ في خدمة العمارة، فالرياحُ تهب بصورة متكررة من اتجاه الجنوب غالباً في حلب، والفتحة في السقف تكون في الجهة المواجهة لهبوب هذه الرياح بحيث تسمح بدخول الهواء وتوجيهه إلى حجرات المنزل، كما أن وجودَ هذه الفتحة أعلى سقف المنزل يساعد على اقتناص النسائم بمعدلات كبيرة مما يجعل الملقف (البادهنجك) من وسائل التهوية في الأوقات التي لا تهب فيها الرياح، ويعمل الملقف بمثابة مستودعٍ للكتلة الحرارية فالأحجار التي يبنى منها تكون معزولةً عن أشعة الشمس نتيجة وجودِها ضمن جدران الغرف فتبرد ليلاً وفي اليوم التالي حينما يسخن الهواء بفعل حرارة الشمس يظل الملقف بارداً فيبردُ الهواء الذي يدخل ضمنه، ولأن الهواءَ الباردَ أثقلُ من الهواء الدافئ فإن الأولَ يهبط عبر الملقف لينعشَ سكان الغرف حين يصلُ إليهم /شكل9/.

شكل /8/ القبو في بيت آجق باش

شكل /9/ يوضح هذا الشكل كيفية عمل الملقف الذي يتلقى الهواء الساخن من الخارج و يحيله إلى هواء بارد داخل البيت

كانت جرارُ الماء توضعُ أسفلَ فتحةِ الملقف مما يعطي أثراً تبريدياً آخر/شكل10/، وفي بيت آجق باش أيضاً نرى أن الهواءَ الآتي من الملقف يمر عبر مياهِ البركة مما يضاعف من برودته ، وربما هذا ما يفسر سببَ وجودِ البركة في القبو.

شكل/10/ فتحة الملقف في قبو بيت آجق باش

وينزل من القبو إلى المغارة أو النفق الذي يمتدُّ تحتَ الصحن، وهذه الأنفاق موجودةٌ بشكل عام في أغلبِ البيوت العربية في حلبَ ، وهناك رأيان حول وجودِها: الأول يقول إنها كانت تُستخدم لتخزين المؤنِ، والثاني يرجع سببُ وجودِها لضرورات الأمن والحماية فهي تتصلُ مع بعضها البعض وبالتالي يمكنُ الانتقالُ خلالَها من منزل إلى آخر، كما أن هذه الأنفاقَ تمتد لتصلَ حتى القلعةِ بممراتٍ سريةٍ مما يجعلها وسيلةَ هروبٍ من الحي عند الضرورة ، والرأي الثاني أرجحُ لأنه تبين وجودُ غرفة خاصةٍ لتخزين المؤن ضمن المطبخِ في أغلب البيوت، مما ينفي احتماليةَ الرأي الأول.

- تتقدم مبادرة الباحثون السوريون بالشكر للاستاذ أحمد خربوطلي لإسهامه الفريد في مشاركته في إنجاز هذا البحث.

- الصور الميدانية بعدسة الباحثين وتعود لتاريخ اجراء البحث ربيع 2006.

المراجع:

1- الكسندر و باتريك راسل –تاريخ حلب الطبيعي في القرن الثامن عشر – المجلد الأول.

2- شوقي شعث - حلب تاريخها و معالمها التاريخية –جامعة حلب-1991.

3- عبد الله حجار– معالم حلب الأثرية – طبعة ثانية فريدة ومنقحة - مطابع مؤسسة جورج و متيلد سالم الخيرية – 1997.

4- عفيف بهنسي – الشام الحضارة – وزارة الثقافة- دمشق 1986.

5- محمد أسعد طلس– الآثار الإسلامية و التاريخية في حلب – مديرية الآثار العامة في سورية -1956م.

6- نتاليا جودت – المباني السكنية الأثرية و إعادة توظيفها في مدينة حلب – بحث أعد نيل شهادة الدبلوم - جامعة حلب – كلية الهندسة المعمارية 1999/2000.

7- نجوى عثمان – العمارة الإسلامية في آسية الصغرى محاضرة في جامعة حلب قسم الآثار2005/2006.

8- يوليا غونيلا – حلب في القرن السابع عشر (البيت الحلبي ) –ترجمة محمد وحيد خياطة، شام للخدمات الطباعية – حلب

المراجع الأجنبية :

1- Ross Borns-MONUMENT Of SYRIA an historical guide-London- 1994.

2- ALEP-J.SAUVAGET- ALBUM – PARIS – 1941.

الدوريات:

1- عادل عبد السلام– الموقع الجغرافي لحلب و بيئتها الطبيعية – الحوليات الأثرية العربية السورية – المجلد الثالث والأربعون.

2- مشاري عبد الله النعيم - التوافق الوظيفي و الجمالي في البيئة العمرانية– مجلة القافلة العدد الأول - المجلد السادس و الأربعون-الدمام – أيار حزيران 1997.

وارن جونسون - المحافظة على التبريد و التدفئة في العمارة الإسلامية – مجلة القافلة – العدد الثامن – المجلد الخامس و الأربعون الدمام – كانون الأول 1996- كانون الثاني 1997.