الطب > مقالات طبية

شجِّع فريقَك والعبْ معه في آنٍ واحد !

استمع على ساوندكلاود 🎧

مباراةٌ حاسمةٌ جداً لفريقِك المفضلِ تجري الآن، تتعالى الصيحاتُ وتتهافتُ الجماهيرُ إلى المدرَّجاتِ والساحاتِ، الكثيرُ من التمريراتِ والتسديداتِ تجري أمامَ ناظرَيك ...لاعبُك المفضَّلُ يستحْوِذُ على الكرةِ، يركضُ مسرعاً نحو المرمى، يستطيع تجاوزَ لاعبَين حتى الآن، بينَه و بين المرمى أمتارٌ معدودةٌ، يرفع ساقَه اليمنى، يركلُ الكرةَ ووووو....

وأنت تقرأُ السطرين السابقين استطاع عقلُك استحضارَ المشاهدِ من إحدى المبارياتِ، غالباً تسارعتْ دقاتُ قلبِك، شعرْتَ بالحرارةِ تسري في جسدِك ،وبدأ عقلُك بتحضيرِ عضلاتِك لتركُلَ الكرةَ:

1- عقلُك يشاهد، عقلُك يلعب:

يوجد في أدمغتِنا مجموعةٌ من العَصَبُوناتِ التي تُدعى بالـ "عَصَبوناتِ المِرآتيّةِ"، تتفّعلُ هذه العَصَبوناتُ عند القيامِ بفعلٍ معيّنٍ وعندما نشاهدُ شخصاً آخرَ يقوم بذاتِ الفعلِ أمامَنا. إنّ تفعيلَ هذه العَصَبوناتِ سيحفّزُ مناطقَ في دماغِنا مسؤولةً تماماً عن هذا الفعلِ طيلةَ مشاهدتِنا له، وهذا ما سيُتيحُ لنا الفهمَ الفوريَّ لتصرفاتِ الناسِ أمامَنا ومعرفةَ الهدفِ منها، بل والارتباطَ شعورياً بها. فعلى سبيل المثالِ، إنْ كنّا نشاهدُ عملاً شاقاً فإنّ عصبوناتِ المرآةِ ستتفعلُ في أدمغتِنا و تُسبّبُ تسرّعاً في القلبِ وتزايُداً في عددِ مراتِ التنفس.

عندما تشاهدُ المباراةَ فإنّ "العَصَبوناتِ المِرآتيّةَ" تتفعلُ لتجعلَك تشعر حقيقةً بأنّك لاعبٌ تركض على أرضِ الملعب. وستشعرُ تماماً بما يقومُ ويشعرُ به اللاعبُ الحقيقيُّ عندما يحقّقُ الفوزَ أو يُسدّدُ ركلةً قويةً!

بل أكثرَ من هذا، في دراسةٍ قامت بها جامعةُ روما تبيَّنَ أنّ مشاهدةَ رمياتٍ حرّةٍ يقوم بها لاعبو كرةِ السلةِ أدّت إلى تنبيهِ الجهازِ الحركيِّ للمشاهدين؛ بل وحتى تنبيهِ المناطقِ المتحكّمةِ بالعضلاتِ المسؤولةِ عن هذه الحركةِ في حالِ كان المشاهدون لاعبِينَ سابقِين.

2- نشوةُ الانتصار:

عندما يفوزُ فريقُك المفضلُ سيقوم دماغُك بإفرازِ ناقلٍ عصبيٍّ يُدعى "الدوبامين"، الذي يقومُ بتفعيلِ مركزِ المكافأةِ والرضا في الدماغِ، وعلى العكسِ من ذلك عندما يخسرُ فريقُك المفضلُ سيفرِزُ جسدُك هرمونَ الكورتيزول أو ما يُدعى ب"هرمونِ الشِّدّة".

وبغضِّ النظرِ عن الفوزِ أو الخسارةِ فإنّ مشاهدةَ أو الاستماعَ إلى المبارياتِ الرياضيةِ سيفعِّلُ مناطقَ عديدةً من أدمغتِنا، وسيحسِّنُ الوظيفةَ العصبية؛ فجميعُ أنواعِ الرياضةِ تتطلبُ التخطيطَ ورَسمَ الاستراتيجياتِ وحسابَ الفعلِ وردِّ الفعلِ، وإنّ مشاهدةَ المبارياتِ سوف تحسّنُ تفكيرَنا و تعزّزُ قدرتَنا على التخيُّل. هذا يعني أنه حتى لو لم تكنْ تمارسُ الرياضةَ حقاً، فإنّ دماغَكَ يمارسُها.

3- مشجِّعون حتى الموت! "أنا مع الريال للموت":

قد تتحولُ هذه الجملةُ واقعاً في أيةِ لحظةٍ إن كنتَ تشاهدُ مباراةً حاسمةً لفريقِك، ففي دراسةٍ سابقةٍ أُجريتْ على مشجِّعي الفريقِ الألمانيِّ في بطولةِ كأسِ العالمِ عام 2006 وجدَ الباحثون أنّ مشاهدةَ مباراةٍ محتدِمةٍ ومتوتّرةٍ يزيدُ خطرَ الإصابةِ بحوادثَ قلبيةٍ وعائيةٍ بمقدارِ الضِّعف، حيث أنّ تفعيلَ الجهازِ الوُدِّيِّ- وبالتالي الزيادةَ الكبيرةَ في إفرازِ الأدرينالين- سوف يزيدُ سرعةَ دقّاتِ القلبِ ويرفعُ الضغطَ الشريانيَّ و يسببُ تقبُّضاً موضِعياً في الشرايينِ المغذِّيةِ للعضلةِ القلبيةِ، مما قد يؤدّي إلى لانَظْمِيّاتٍ قلبيةٍ أو حتى للإصابةِ بذبحةٍ قلبية.

وحسبَ إحدى الدراساتِ فإنّ معدّلَ تدفقِ الدمِ قد يزدادُ حتى 300-400% في مبارياتٍ مهمّةٍ مثلَ المبارياتِ النهائيةِ، وهو الأمرُ الذي يمكن أن يسببَ أذيّةً في بطانةِ الأوعيةِ الدمويةِ عندَ الأشخاصِ الذين يعانون من ارتفاعِ التوترِ الشريانيِّ، ومع الوقتِ سيؤدّي هذا إلى ردِّ فعلٍ التهابيٍّ في الشرايين وزيادةِ خطرِ الجلطةِ القلبية. هذا يعني أنّ الذين يعانون من أمراضٍ في القلبِ أو من ارتفاعِ الضغطِ الشريانيِّ عليهم حقاً استشارةُ طبيبِهم قبل حضورِ المباراةِ، وألًا يهملوا أيَّ أعراضٍ يشعرون بها في أثناءِ تشجيعِهم كألمٍ في الصدرِ أو ضيقٍ في التنفُّسِ أو دَوخةٍ!

لكنْ لمشاهدةِ الرياضةِ جانبٌ إيجابيٌّ أيضاً، فمشاهدةُ أناسٍ آخرين يلعبون الرياضةَ من شأنِه زيادةُ معدّلِ (سرعةِ) ضرباتِ القلبِ بنفسِ المعدّلِ الذي تزيدُه التمريناتُ الرياضيةُ فيما لو كنتَ تقومُ بها بنفسِك! وحسبَ إحدى الدراساتِ فإنّ فعاليةَ الأعصابِ الوُدِّيةِ العضليةِ تزداد عندما تشاهدُ الفعالياتِ الرياضيةَ أمامَك.. تماماً كما لو كنتَ أنت من تقومُ بها.

4- عندما يرفعُ فريقُك الكأسَ، يرفعُ جسدُك نسبةَ التِّستُستِرون:

عندما يفوزُ فريقُك سترتفعُ نسبةُ التستسترون في جسدِك، وسيترافقُ هذا الارتفاعُ مع الشعورِ بالـ"السيطرة". نعم.. ستشعرُ أنك أنتَ المتحكّمُ وأنتَ المسيطرُ. كلُّ هذا لأنك تتفاعلُ مع فريقِك وكأنّك أنتَ المسؤولُ عن إيصالِه إلى الفوز.

في الحقيقةِ إنّ ارتفاعَ التستسترون سيحصلُ عند الذكورِ والإناثِ على حدٍّ سواءٍ، وسيعززُ الشعورَ بالسيطرةِ عند كلَيهِما. وقد يفسِّرُ هذا الارتفاعُ في التستسترون، وما يتبعُه من الشعورِ بالسيطرةِ، الزيادةَ في أعمالِ الشغبِ بعد البطولاتِ- بحسبِ الباحثين!

5- طوّلوا بالْكم.. كلها لعبة!

دائماً ما يسمع المشجِّعون هذه العبارةَ من غيرِ المهتمّين بالرياضةِ، ويمكنُ في الحقيقةِ تفسيرُ تمسُّكِ المشجعين بهذا الفريقِ أو ذاكَ بنظريةِ "الهويّةِ الاجتماعيّةِ"؛ حيث يبحثُ الإنسانُ عن شيءٍ يشجّعُه وينتمي إليه ويزيد احترامَه لذاتِه. وفيما يتعلّقُ بالمشجّعين فإنّ شعورَهم بالانتماءِ يُشعرُهم بالرضا، خاصةً في الأيامِ التي يفوز بها فريقُهم، ويعطيهِم الأملَ بفرصٍ أفضلَ عندما يخسر.

أخيراً...سواءٌ حقّقَ فريقُك الفوزَ أو الخسارةَ تذكّرْ ...النصرُ الحقيقيُّ أن ترفعَ الكأسَ بيدَيك حقيقةً، لا بمساعدةِ "عَصَبوناتِ المرآة" ;)

المصادر :

هنا

هنا

هنا