كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية "وحدها شجرة الرمان": شجرة الرمان التي تعيش من الموت

استمع على ساوندكلاود 🎧

هناك في بلاد الرافدين على مدى ثلاثة عقود، وخلال ثلاثة حروب مرت على الشعب العراقي. بقيت شجرة الرمان في باحة (المغيسل) مغسلة الموتى في أحد محلات حي من أحياء بغداد، تزهر كل ربيع والمارّون من حدود الحياة إلى الموت يعبرون من أمامها لكي تشرب من مائهم وتزهر ثمرات رمان تنبثق من الموت بعد كل شتاء.

جواد كاظم الفنان الذي رفض أن يعمل في مهنة أبيه مغسل الموتى، لأنه يرى في نفسه الفنان الذي يستطيع أن يقوم بشيء لم يقم به أحد قبله، فكان رائد أستاذ الفن أول من أثنى على موهبته في الرسم في المدرسة وبذلك فتح طريقاً في قلب جواد سيغير من مستقبله كله، ولكن هل فعلاً ستتغير طرق الحياة وتقاديرها من خلال ثناء؟

عائلة جواد كاظم، والده المغسل وأخيه أموري الأكبر المتفوق محبوب والده، ووالدته. ثلاثة شخصيات أثرت في مصير جواد الفنان وكان لكل حدث مع هذه الشخصيات مفصل هام في حياته، يرسمون جميعاً لوحة مبهرة لعائلة عراقية واقعية تعيش المأساة منذ اليوم الأول. أما ريم عشيقته تلك الأنثى التي اجتاحت كيان جواد منذ السنة الاولى في كلية الفنون الجميلة، ريم التي كانت الحياة التي يستند عليها جواد وكان جواد بالنسبة لها العمود الذي يرفع المنزل. علاقتهما عنيفة في الحب، شرسة في التفاصيل.

لوحدها شجرة الرمان قصة شعب عانى من الحروب ومن الكوارث السياسية كما لم يعانى منها أحد، ثلاثة عقود كانت كافية لكي تجعل من الشعب العراقي رمزاً للمعاناة في تاريخ الشرق الأوسط، ملايين الشهداء والقتلى، كان العراق مسرحاً له، وكان (المغيسل) فصلاً من فصول هذه المسرحية الطويلة الأمد، نرى من خلالها الآلاف من الشباب الذين قست عليهم الظروف والأجواء لتطيح بهم من مسرح الحياة، يتعاقب والد جواد وحمودي وجواد على غسيل أولئك القتلى جميعاً من طائفة من الطوائف، فقتلى وشهداء الطائفة الأخرى تغسل في أحياء أخرى من بغداد.

المغيسل بقساوته ورمزيته الشديدة السوداوية لتاريخ ولمستقبل أمة تحتضر، يزرع لنا في منتصفه سنان أنطون مؤلف الرواية ثمرة الحياة ويعطينا أمل بأنه من قلب الموت ومن عمق القبور والسواد قد تنمي بذرة مليئة بالحياة والأمل والحب. سنان أنطون الذي قدم لنا رواية متقنة في الحبكة وفي السرد وتقنية الاسترجاع الفني عبر أزمنة مختلفة، ضمن قالب روائي يبدأ كنظام فاشي يشارك في حربين مجنونتين ليواجه حصار اقتصادي مريع فاحتلال أمريكي أباد كل شيء. هذه الصورة العليا، أما الصورة الضيقة، الصورة العميقة هنالك حيث يكون الشعب، هناك حيث لا أحد يستطيع تصور حجم المأساة كان سنان انطون. عبقريته التي صاغت رواية قاتلة في واقعيتها مؤلمة ومغرقة في سرياليتها المتمثلة في شاب فنان ابن عائلة شيعية حيث رب الأسرة مهنته في غسل الموتى، وجواد الفنان هو الإنسان المتنور العاشق الجميل الذي يبغض الطائفية ويعشق الرياضة ويرسل رسائل إعجاب من بعيد بالشيوعية التي كان عمه أحد أفراد حزبها ضمن دولة فاشية. جواد يغسل الموتى، وهو اختنق ويريد الهجرة.

أما من ناحية الوصف فجاء وصف سنان أنطون مليئا بالجمال، واللغة القوية والمؤثرة، فوصف ثنائية الموت والحياة وما يدور بينهما بين المغيسل وشجرة الرمان، بين مقتل أحدهم ولثم شفتا ريم، وبين قطع رأس إنسان من قبل المتشددين وبين همسات غيداء لجواد :"سوي بيه شما تريد".

هذه الثنائية بين الجمال والقبح، بين الحياة والموت، بين العشق في أبهى صوره والكره في أحقد حالاته، قدمها أنطون شكل مميز جداً، رفع بها هذه الرواية إلى مصاف أهم الروايات العربية في الأعوام الأخيرة. فهذه الجرأة في وصف حجم المأساة العراقية بهذه الطريقة كانت من أهم ميزات سنان أنطون في تقديم رواية لأجيال عدة ستعلم من خلالها تلك الأحداث التي صاغت حاضر ومستقبل شعب ضربت جذوره عميقاً في تاريخ تحضر الإنسان.

معلومات الكتاب:

الاسم: وحدها شجرة الرمان

المؤلف: سنان انطون

دار النشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر

عدد الصفحات: 280