الهندسة والآليات > الاتصالات والشبكات

الجيل الأول من الاتصالات الخليوية (ظهور الخلية)

استمع على ساوندكلاود 🎧

مقدمة:

ساهمَ اختراعُ المعالجاتِ الصغريةِ في سبعينيّاتِ القرنِ الماضي وتطويرُ مفهومِ رقمنةِ وصلات التحكم digitization of control links بين أجهزةِ الاتصالِ المتنقلةِ ومحطاتِ القاعدةِ في الخلايا إلى تطويرٍ ثوريٍّ في مجالِ الاتصالِ الخليوي. [1]

تُعتبرُ فترةُ أواخرِِ السبعينيّات وأوائلُ الثمانينيّاتِ تاريخاً رسمياً لولادة ما يُعرفُ باسمِ الجيلِ الأولِ للاتصالاتِ الخليوية، فقد سبقتِ اليابانُ العالمَ في أواخر السبعينيات في تطويرِ نظامها الخاصِّ بالاتصالاتِ الخليويةِ ثم بدأت أوروبا في بدايةِ الثمانينيّات العملَ على إيجادِ معاييرَ موحدةً للعملِ في مجالِ الاتصالاتِ الخليويةِ دون أن تتمكنَ في الواقع من تحديدِ معيارٍ واحدٍ، على عكسِ الولاياتِ المتحدة الأميركية التي كانت تطورُ معياراً واحداً ليعمل ضمن حدودها. [1]

ولكن ما معنى مصطلحُ "خليوي"؟ وبماذا تختلف الأنظمةُ "الخليوية" التي بدأت مسيرتَها مع هذا الجيل عن الأنظمة السابقة؟

مفهوم الخليةِ: [7]

تعود الحاجةُ لإبداعِ فكرةِ الخليةِ في الاتصالاتِ اللاسلكيةِ إلى محدوديةِ الطيفِ الترددي المتاح، فتقسيمُ المنطقةِ الجغرافيةِ التي تحوي عدداً كبيراً من المشتركين إلى مناطقَ جغرافيةٍ أصغر يزيد من إمكانية تخديم هذه المجموعاتِ بشكلٍ أفضلَ، مع مراعاةِ ما يترتبُ على هذه الطريقة من مشاكلَ وتعقيداتٍ تقنيةٍ تتعلقُ بطريقةِ ربطِ الاتصالِ بين هذه الخلايا ونقلِ اتصالِ المشترك بين الخلايا، وإيجادِ حلولَ عمليةً لمشاكلِ تداخلِ الترددات.

تتضمنُ كلُّ خليةٍ محطةً ثابتةً ومجموعةً من القنوات الراديوية، وتعبّرُ كلمةُ "خلية" عن المساحةِ الجغرافيةِ التي تشملها تغطيةُ المحطةِ الثابتة الموجودة فيها، وقد تم اعتمادُ الشكلِ المسدس للخلية (نظرياً) لعدة أسباب، نذكر منها:

• يحتاجُ الشكلُ المسدسُ عدداً أقلَّ من الخلايا لتغطيةِ منطقةٍ جغرافية معينة مما ينعكس إيجاباً على الناحية الاقتصادية.

• من الصعبِ لأشكالٍ هندسيةٍ أخرى (كالدائرة) تغطيةُ نفسِ المنطقة الجغرافية دونَ حصولِ تداخلاتٍ كبيرةٍ بين الخلايا المتجاورة أو دونَ وجودِ مناطقَ غيرَ مغطاة.

ذكرنا أنَّ الشكلَ الهندسيَ للخلية (نظرياً) هو المسدس، لأنه على أرض الواقع يكونُ شكلُ الخليةِ غيرَ منتظمٍ نتيجةَ تأثيرِ التضاريس والعوائق المتنوعة، مما يشكل تحدياً للمهندسين عند تصميم وتخطيطِ الشبكة، وهذا ما يوضحه الشكل (1):

الشكل (1): يبدو على اليسار التشكيل المثالي (النظري) للخلايا، وعلى اليمين تشكيلها على أرض الواقع

ويبين الشكل (2) المبسط التالي كيفيةَ تجميعِ عدةِ خلايا لتشكيل شبكة من العناقيد Clusters تبينُ مفهومَ إعادةِ استخدامِ الترددِ والتصميم النظري للخلايا، حيث أنَّ كلَّ عنقودٍ يحتوي على سبعةِ تردداتٍ (خلايا) يعبَّرُ عنها بأحرف، ويتم تصميمُ الشبكة بحيث يمكن إعادةُ استخدامِ التردد نفسه بخلايا يُشترط فيها أن تكون مفصولةً عن بعضها بخلايا ذاتِ تردداتٍ مختلفةٍ لتجنبِ حدوثِ التداخل.

الشكل (2)

سنذكر فيما يلي بعض هذه الأنظمةِ والمعاييرِ العالميةِ التابعةِ للجيلِ الأولِ من الاتصالات الخليوية:

2.2.أنظمةُ اتصالاتِ الجيل الأول:

2.2.1نظامُ نيبون للهاتف والتيليغراف Nippon Telephone and Telegraph NTT:

يحمل النظامُ اسمَ الشركة التي قامت ببنائه واستثماره، وهو أولُ نظامِ اتصالاتٍ خليوي تماثلي ظهر عام 1979 في اليابان في العاصمة طوكيو، وبقي في الخدمة لمدةٍ طويلة لجدارته، حيث يتكون النظام من 600 قناة ثنائية الاتجاه duplex بفواصلَ تردديةٍ 25 KHz. يتم نقلُ البياناتِ في المسار الصاعد ضمن المجال الترددي 925 – 940 MHz وفي المسار الهابط ضمن المجال 870 – 885 Mhz.

[5]

الشكل (3): إحدى الصور التي استخدمت للدعاية عام 1979 من قبل الشركة اليابانية

2.2.2.نظامُ الهاتفِ الجوالِ في شمالِ أوروبا Nordic Mobile Telephone System (NMT-S450):

نظامُ اتصالٍ تماثلي Analog System ظهر عام 1981 وهو أولُ نظامٍ أوروبي ضمن هذا الجيل، تم تطويرُه للعمل في مجموعة الدول الاسكندنافية وسمِّي NMT. علماً أن هذا النظام قد طُبِّقَ في المملكة العربية السعودية وكان عدد مشتركيه ألفاً ومئتي زبونٍ قبل شهرٍ من إطلاقِ خدمته في السويد عام 1981. [6]

يتراوحُ حجمُ الخلية بين 2 كم حتى 30 كم، مع نظام إرسالٍ ثنائيِّ الاتجاه Full duplex واستطاعةِ إرسالٍ للأجهزة المخصصة للمركبات 15 واط لنظام NMT 450 القديم و6 واط للنظام الأحدث NMT 900، في حين تبلغُ استطاعةُ الأجهزة المحمولة باليد 1 واط. ويدعم النظامُ عمليةَ التبديلِ التلقائي بين الخلايا المتجاورة (رغم تعقيدها)، لكنَّ المشكلةَ الأكبرَ التي كان يعاني منها هذا النظامُ هي عدمُ وجودِ نظامِ تشفيرٍ للمكالمات، مما يجعل التنصتَ على المكالمات أمراً شائعاً وسهلاً. [6]

وخلال فترة عمله شهدت أوروبا تسعةَ أنظمةٍ أخرى في مناطقَ متعددةٍ من القارة، وكانت هذه الأنظمةُ مستقلةً عن بعضها بحيث يصعبُ تبادلُ الاتصال فيما بينها أو تطبيقُ مفهوم Roaming. علماً أن نظام NMT كان أفضلها على الإطلاق مستفيداً من دعمٍ كبيرٍ من حكوماتِ الدولِ المشغلةِ له (النروج والسويد وفنلندا والدنمارك) مما جعل هذه الدولَ تقود جهودَ القارة الأوروبية في تلك الفترة نحو تطويرِ نظامِ اتصالاتٍ رقمي بدلاً من النظام التماثلي. وقد استمر النظام في الخدمة (بعد تطويره إلى S900) حتى عام 1995. [1، 5]

ونجاحُ هذا النظامِ كان هاماً لشركتي نوكيا وإريكسون، حيث بلغ عددُ المشتركين بحلول عام 1985 حوالي مئةٍ وعشرةِ آلافِ مشتركٍ في الدول الاسكندنافية منهم ثلاثةٌ وستونَ ألفاً في النروج وحدها لتكون في ذلك الوقت أكثرَ دولةٍ من ناحية عدد المشتركين.

وأصبح هذا النظامُ معتمداً في مجموعةٍ كبيرةٍ من الدول نذكر منها: روسيا، سويسرا، هولندا، بلغاريا، هنغاريا، جمهورية التشيك، سلوفاكيا، تركيا، سلوفينيا، صربيا، كرواتيا، أوكرانيا إضافة لعدة دول آسيوية.

ليتراجع انتشارُه مع ظهورِ أنظمةِ الجيلِ الثاني وفي مقدمتها نظام GSM، علماً أنَّ النظام بقي قيد العمل حتى عام 2004 في النروج و2007 في السويد و2008 في روسيا لتكون آيسلندا آخرَ المشغلين الذين أحالوا هذا النظام على التقاعد النهائي عام 2010. [6]

أما سببُ هذا الصمودِ الطويلِ لهذا النظام في مواجهة نظام GSM الأحدث، فيعود لسبب هامٍّ جداً وهو الانتشارُ الأكبرُ للإشارة، حيث تستفيد من ذلك دولٌ تملك مساحاتٍ واسعةً وكثافةً سكانيةً منخفضةً، كدولة آيسلندا التي تملك تغطية شبكة الجيل الثاني بنسبة 98%، نظراً للعوائق الطبيعية التي تسبب مشاكلَ تقنيةً تحولُ دون الوصول بالتغطية إلى 100%. [6]

2.2.3.نظامُ الخدماتِ المتقدمةِ للهاتف النقال Advanced Mobile Phone Services AMPS:

نظامُ اتصالٍ تماثلي Analog System ظهر بين عام 1982 و1983 في الولايات المتحدة الأميركية من تصميم شركة Regional Bell Operating Company، وبدأت خدماته في مدينة شيكاغو.

يعتمدُ النظامُ في عمله على التردد 800 MHz ويستخدمُ طريقةَ النفاذِ المتعددِ بتقسيم التردد Frequency Division Multiple Access FDMA. تقتصرُ خدماتُ هذا النظامِ على نقل الصوت، وقد تم تطبيقه في كل من كندا وأميركا الوسطى وأستراليا. [1، 5]

تم تقسيمُ المجالِ الترددي لمجموعة قنواتٍ صوتيةٍ بعرض 30 KHz لكلٍ منها مخصصةً لنقلِ الصوت أو التحكم، حيث استخدمَ التعديلُ الترددي FM للقنوات الصوتية في حين تم استخدامُ نظام التعديل الثنائي بإزاحة التردد Binary Frequency Shift Keying BFSK في قنوات التحكم بمعدل10kpbs.

[5]

عملت شركةُ بيل في الولايات المتحدة على محاولة إيجادِ حلولٍ لمشكلة الانتقال بين الشبكات والحفاظِ على الاتصال Roaming، ورغم النجاحاتِ في هذا المجال إلا أنَّ وجودَ شبكةِ اتصالٍ أرضي قويةٍ وتنافسيةٍ في الولايات المتحدة ومنتشرةٍ بشكلٍ جيد عبر أراضي الدولة، إضافةً لمشاكلَ تتعلقُ بالقيود الصارمة المفروضة على استخدام المجال الترددي في الولايات المتحدة بعكسِ المرونةِ التي قدمتها حكومات الدول الأوروبية للشركات، جعل العوائدَ الاقتصادية لمتابعةِ تطويرِ هذا النظام الخليوي التماثلي غيرَ كافية. [1]

2.2.4.أنظمةُ النفاذ الكامل للاتصالات Total Access Communications Systems TACS:

نظامُ اتصالٍ تماثلي Analog System ظهر حوالي عام 1985 في المملكة المتحدة، ليكون نظام الاتصالات الخليوي الوحيد المعتمد ضمن حدود المملكة. اعتمد هذا النظام على معايير نظام AMPS standards الأميركي من ناحية استخدام تقنية النفاذ المتعدد بتقسيم التردد FDMA والعمل ضمن مجال الترددات 800Mhz.

[1]

2.2.5.أنظمة أوروبية أخرى أقل شهرة: [5]

• نظام C-450 الذي عمل في كل من ألمانيا والبرتغال.

•نظام Radiocom 2000 في فرنسا.

•نظام Radio Telephone Mobile System RTMS في إيطاليا.

ساهم كل من نظامي AMPS وNMT في وقت لاحق في تطوير عدة تقنيات اندرجت ضمن أنظمة الجيل الثاني الذي سنتناوله بالشرح في مقالنا القادم.

تابعونا في المقال القادم لنكمل قصة أجيال الاتصالات الخليوية ونتحدث عن الجيل الثاني ...

المراجع:

[1] هنا

[2] هنا

[3] هنا

[4] هنا

[5] هنا Nicopolitidis، Petros، et al. Wireless networks. John Wiley & Sons، Inc.، 2003

[6] هنا

[7] هنا