الفيزياء والفلك > فيزياء

نظريّة أربطة الحذاء: بحثٌ يُظهر السّبب الكامن وراء انحلال عقدة أربطةِ الحذاء!

استمع على ساوندكلاود 🎧

جميعنا يطرح السّؤال نفسه؛ لِمَ يجبُ عليَّ إعادةُ عَقدِ أربطةِ حذائيَّ بعدَ أن عقدتّها بإحكام؟ في الحقيقةُ أنّه لم يُفكّر أحدٌ بالإجابةِ على هذا السّؤال، إلى أن قررت مجموعةٌ من المهندسين الميكانيكيّين في جامعةِ كاليفورنيا في بيركلي "University of California, Berkeley" أن تبحث في السبب الكامن وراءَ انحلالِ أربطةِ الحذاء.

تقترحُ الدّراسةُ أن القِوى النّاتجةَ عن دوس الأقدامِ واحتكاك خيوط الأربطةِ تتصرّف وكأنّها يدٌ خفيّة تعمل على فكّ ربطةِ الحذاء؛ لتنتقل القوّة فيما بعدُ إلى النّهايةِ الحُرّة من ربطة الحذاء، تتكرّرُ هذه العمليّة حتّ

قد يبدو الأمرُ في البدايةِ بسيطاً، لكنّ الواقعَ أمرٌ مُختلفٌ تماماً. فعلى الرّغم من البساطةِ الظاهريّةِ لهذه المُعضلة، إلا أنّنا بحاجةٍ إلى فهمِ القِوى الّتي تؤثّرُ في العُقَدِ وتؤدّي لحلّها لنتمكّن من الإجابةِ على هذا السؤال. أجرى العلماءُ في هذه الدّراسة عدداً من التّجارب تحت التّصوير البطيء، ليستنتجوا لاحقاً أنّ عمليّة فكّ العقدةِ تحدثُ في ثوانٍ نتيجةَ تفاعلٍ مُعقّدٍ بين القِوى المؤثّرة على العُقدة.

يعدُّ فهمُ هذه المشكلة أمرًا مهمًا، فإذا تمكّنّا من فهمِ بُنىً كأربطةِ الحذاء، يُمكننا تطبيقُ فهمنا هذا على بُنىً أُخرى فشلت القِوى الحركيّة في تفسيرها؛ كبُنى الـ DNA والبُنى الميكرويّة، وتفسير السّبب الّذي يجعلُ بعضُ العُقدِ أفضلُ من غيرها.

هناك طريقتانِ أساسيّتانِ في عقدِ أربطةِ الأحذية، إحداهما أقوى من الأخرى؛ تعتمدُ العُقدةٌ الأقوى على ما يُسمّى: عقدةُ المربّع، وهي أن نُمرّر النهايتين المُختلفتين لأربطةِ الحذاءِ فوق بعضهما البعض بالاتّجاه المُعاكس. أما العُقدة الأضعفُ فتعتمدُ على ما يُسمّى: العقدةُ الخاطئة، إذ نوجّه النهايتين المتقابلتين لأربطةِ الحذاء بالاتّجاه ذاته. أظهرتِ الدّراسة أنّ العقدتين فشلتا بالطّريقة ذاتها، لكنّ لماذا تمتلكُ البُنيتان المُتماثلتان قدرةَ تحمّلٍ مُختلفة؟

الأمر أشبه بمحاولةِ فهمِ المُعضلة التّالية: لديك حبلان، يُمكنكُ ربطهما بطريقةٍ بحيث تكونُ البُنية النّاتجةُ ضعيفة، ويُمكنكُ ربطُهما بطريقةٍ أخرى بحيث تكونُ البنيةُ النّاتجة قوية. يتابع أوليفر قائلاً: "نحن قادرون على إظهارِ فشلِ العُقدة الضّعيفة دائماً وإظهارِ فشل العقدةِ القويّة بعد فترةٍ من الزّمن، لكنّنا لا نفهم سببَ وجودِ الفرقِ بين العقدتين إلى الآن.

تهدفُ هذه الدّراسةُ إلى إيجادِ قاعدةٍ أساسيّةٍ في الميكانيك تهدفُ إلى تفسيرِ كيفيّة انحلال عُقدة القوس "Bow Tie Knot" تحتَ تأثيرِ القِوى الحركيّة. تبدو العقدةُ بالشكل التالي:

فسرّت دراساتٌ سابقةٌ سبب فشل العُقد خاضعة لحمولاتٍ ثابتة، لكن لم تُفسّر أيُّةُ دراسةٍ سببَ فشلِ العُقدِ تحت ضغطٍ حركيّ ناتجٍ عن التغيّر المستمرّ في القوى والحمولات.

الخطوةُ الأولى في البحث هي تصويرُ عمليّةِ انحلالِ العقدةِ باستعمال خاصيّة التّصوير البطيء. أظهرتِ الصّورُ أنّ عمليّة انحلال العقدةِ تمرّ بالمراحل التاليّة:

1- عندما تركضُ فإنّك تضربُ الأرضَ بقدمك بقوّةٍ تُعادلُ سبعةَ أضعافِ قوّة الجاذبيّة.

2- تتمدّد العقدةُ وتسترخي استجابةً لتلك القوّة، فتبدأ العُقدةُ بالانحلالِ

3- عندما ترفعُ قدمكَ عن الأرضِ، فإنّ القدمَ تُطبّق قوّةً عطاليّةً على النّهايات الحرّة لأربطةِ الحذاء.

4- مع تكرارِ تلكَ العمليّةِ مرّتين على الأقل (عند السّيرِ أو الرّكض بمقدارِ خطوتين) تنحلّ العُقدة.

نعلمُ جميعنا أنّه لفكّ تلكَ العقدةِ (عن قصد) فإنّنا نشدُّ إحدى النّهايات الحرّة للعقدة وينتهي الأمر، وهو ما يحصل عند انحلالِ العُقدة من تلقاء نفسها (دون قصد)، إلّا أنّ العامل المسبّب في هذه الحالةِ ليسَ قوّة الشدّ من اليدّ وإنّما قوّةُ العطالةِ التي تشدُّ النّهايةَ الحرّة للأربطة بينما تعملُ قوّة الصّدم بالأرضِ على حلّ العُقدة بسبب عمليّة السّير أو الرّكض.

أظهرتِ الصّورُ إضافةً لذلك أنّ التّسارعَ في قاعدة العُقدة ذو قيمةٍ كبيرةٍ. ولمعرفةِ المزيدِ عن هذا التّسارعِ استخدم العلماءُ نوّاس التّصادم "Impacting Pendulum" واستخدموا أنواعاً مختلفةً من أربطةِ الحذاء.

بدتِ التّجربة كالتالي:

يقول غريغ: "بعض الأربطةِ أفضلُ من غيرِها في العُقَد، لكنّ السّببَ الرّئيس في فشلها جميعاً هو نفسه باعتقادنا"

اختبرَ العُلماءُ نظريّتهم بزيادةِ قوى العطالة على أطرافِ أربطةِ الحذاء، واكتشفوا أنّه بوضعِ أوزانٍ على النّهايات الحرّةِ لأربطةِ الحذاءِ فإنّ انحلالَ العقدة يصبح أسرع. يعودُ الأمر لزيادةِ قِوى العطالةِ على النّهايات الحرّة لأربطةِ الحذاء.

بمعنى آخر، لكي تفشلَ العُقدة يجبُ توافرُ قوّتين معاً: قوّةُ الاندفاعِ في قاعدةِ العُقدة وقِوى السّحبِ عند الأطرافِ الحرّة.

لا يحصل فشلُ العقدِ دائماً بالطّبع، فالأمرُ يعتمدُ على مدى شدّك لأطرافِ العقدةِ، بمعنى أن تجعلَ العُقدة مشدودةً للغاية. فبعض العُقدِ المشدودةِ لا تكفيها عددُ الخطوات الّتي يقضيها الشّخصُ الواحدُ في السّير أو الرّكض في يومٍ واحدٍ لتنحل.

يحتاجُ العلماءُ إلى تدقيقٍ أكثرَ للتّمييزِ بين كافّة الاحتمالات، لكنّ الدّراسةَ تُقدم لنا جواباً يُفسّر سبب انحلال العُقد.

المصدر: هنا