العمارة والتشييد > التشييد

نفقٌ بطابقين في هولندا

استمع على ساوندكلاود 🎧

مقدمة:

يشهدُ قلبُ مدينةِ ماستريخت Maastricht الآن بناءَ النّفقِ الهولندي الأوّلَ من نوعِهِ على الإطلاق، الذي يتألّفُ من طابقَين يضمّان أربعةَ مساراتٍ، وسيؤدّي عندَ اكتمالِهِ إلى نقلِ كيلومترين من طريقِ A2 المزدحم إلى تحتِ سطحِ الأرضِ. غيرَ أنّ مراسلَ موقعِ تانل توكTunnel Talk للشؤونِ الأوروبيةِ، أرماند فان فايك Armand van Wijck، قد علمَ أنّ شقّ الأنفاقِ بطريقةِ الحفرِ والتغطيةِ في مكانٍ ضيّقٍ، معَ الإبقاءِ على الطريق الذي فوقَ سطحِ الأرضِ مفتوحاً بغيرِ توقّفٍ، يؤدّي إلى تحدياتٍ تصميميةٍ وهندسيةٍ على حدٍّ سواء.

إنّ أفضلَ ما يمكنُ اتّخاذهُ مثالاً تقليديّاً عن المساحةِ التي سيتمُّ توفيرُها تحتَ سطحِ الأرضِ، لتعودَ على البيئةِ بالنفع ولتحسّنَ جودةَ حياةِ سكّانِ مدينةِ ماستريخت Maastricht الذين طالت معاناتُهُم، أنّ طريقَ A2 السّريع المزدحم الذي يخترقُ قلبَ المدينةِ سيصبحُ نفقًا تحتَ سطحِ الأرضِ.

وقال بارت غروت Bart Grote مديرُ المشروعِ في مجموعةِ شركاتِ JV Avenue2 التي تضمُّ شركتَي شتروتون Strukton وبالاست نيدم Ballast Nedam المتخصّصتَين في الإنشاءِ والمقاولاتِ: "يشبُه طريقُ A2 في ماستريخت قناةً مروريّةً مفتوحةً، وبنقلٍ أكبرَ ما يمكنُ منَ الحركةِ المروريّةِ إلى تحتِ سطحِ الأرضِ؛ نكونُ قد أعدنا ربطَ الجزأينِ الشرقيّ والغربيّ منَ المدينةِ، وذلكَ يجعلُ البيئةَ ملائمةً للعيشِ مجدّداً."

هذا ويتمُّ الآنَ تحويلُ جزءٍ طولُهُ كيلومترين من الطريقِ السّريعِ الحالي إلى نفقٍ ذي طابقَين بأربعةِ مساراتٍ وثماني حاراتٍ مروريّةٍ، بحيث يربطُ بين تقاطعاتِ الطّرقِ الشّماليّةِ والجنوبيّةِ لمدينةِ ماستريخت، ممّا سيقلّصُ عددَ المركباتِ التي تسيرُ على الأرضِ بنسبةِ 80%، ويخفّضُ مستوياتِ التلوّثِ المرتفعةِ خفضاً هائلاً.

عندَ اكتمالِ المشروعِ، كلُّ ما سيبقى فوقَ سطحِ الأرضِ هو 2000 شجرةِ زيزفون منَ المُزمعِ زراعتُها لتحلَّ مكانَ الطّريقِ السّريعِ. وسيشهدُ تدفّقَ حركةِ المرورِ الذي يتأثّرُ حاليّاً بالعددِ الكبيرِ للتّقاطعاتِ والمعابرِ المرتبطةِ بالطّرقِ المحليّةِ تحسّناً هائلاً، نتيجةً لأنَّ الطابقَ السّفليَّ من النفقين سيُخصَّصُ للحركةِ المروريّةِ العابرةِ للمنطقةِ، بينما يُخصَّصُ الطّابقُ الأعلى للحركةِ المروريّةِ المحليّةِ.

إنّ مشروعاً إنشائيّاً مثلَ هذا النّفقِ ليسَ بغريبٍ على القارّةِ الأوروبيّةِ، إلّا أنّهُ سيكونُ الأوّلَ من نوعِهِ الذي يسمحُ بعبورِ البضائعِ الخَطِرَةِ.

وقد أتى قرارُ وضعِ المساراتِ ثنائيّةِ الحارةِ بعضَها فوقَ بعضٍ، بدلاً من جعلِ المساراتِ كلِّها جنباً إلى جنبٍ، من أجلِ الإبقاءِ على الطريقِ A2 الذي يسيرُ فوقَ الأرضِ مفتوحاً طوالَ مدّةِ التّنفيذِ التي تستغرقُ خمسَ سنواتٍ.

حيثُ أضافَ غروت Groteقائلاً: "باتّباعِ هذه الطريقةِ، نحتاجُ إلى حيّزٍ وحيدٍ ضيّقٍ لإنشاءِ النّفقِ، وهذا يعني أنَّ هناكَ الآن متّسعٌ لتحويلِ الحركةِ المروريّةِ المستمرّةِ إلى الجهةِ الغربيّةِ بمحاذاةِ النّفقِ طوالَ مدَّةِ إنشائِهِ. ولو أنَّنا اخترنا تنفيذَ المساراتِ الأربعةِ بحيث تكونُ كلُّها جنباً إلى جنبٍ، لتوَجَّبَ علينا أن نحفرَ بمقدارِ ضعفِ العرضِ الحالي غربي النّفقِ على طولِ امتدادِهِ، ولكان لزاماً علينا أيضاً أن نغيّرَ مسارَ الطّريقِ المؤقّتِ مرتَين على الأقل."

طرائقُ التّشييد:

يقولُ غروت Grote: "إنّه مشروعٌ معقدٌ جداً، لذلك فقد حاولنا أن نجعلَ طريقةَ شقِّ النّفقِ بسيطةً قدرَ الإمكانِ. إنّ طريقةَ الحفرِ والتّغطيةِ سهلةٌ وموثوقةٌ، وقد درسنا مسألةَ حفرِ النّفقِ بحفّارةٍ تعملُ تحتَ سطحِ الأرضِ، لكنّ ذلكَ كان سيتطلّبُ استخراجَ أكوامٍ تعادلُ قطرَ النّفقِ المحفورِ، ولكان علينا أن نجعلَ النّفقَ أعمقَ بكثيرٍ ممّا هو عليهِ الآنَ. وكانَ ذلكَ سيعني ممراتٍ ومخارجَ أطولَ، تكادُ لا يكونُ لها أيُّ مكانٍ. والآن يبلغُ سمكُ طبقةِ الغطاءِ 1.5 متر، وهو أكثرُ من كافٍ."

تتمُّ عمليّةُ تشييدِ النّفقِ بخطواتٍ تتكرّرُ على امتدادِ كلِّ 750 متر من الشّمالِ إلى الجنوبِ بالتزامنِ مع شقِّ الجدرانِ الحاجزةِ لطَوقِ النّفقِ بعرضِ 600 ملم وعمقِ 26 متر. ويوضّحُ المصمّم باس فان آرت Bas van Art أنّه: "يتمُّ حفرُ خندقِ النّفقِ باستخدامِ حفّارةٍ ذاتِ كمّاشٍ، لأنّ حقولَ الصّخورِ والصوّانِ القاسي تجعلُ منَ المُحالِ وضعُ الركائزِ الصفائحيّةِ أو غرزُها في عمقِ الأرضِ. وبعدَ ملءِ الرّكائزِ الصّفائحيّةِ التي يبلغُ طولُها 20 متر بالبيتونِ الإسمنتي، نقومُ بغرزِها بعنايةٍ في الأرضِ، وبفضلِ الأرضيّةِ الصّلبةِ إجمالاً، لا نحتاجُ إلى وضعِ أساسٍ تحتَ النّفقِ." وهذا يوفّرُ حوالي 10000 من الرّكائزِ الدّاعمةِ و150000 طن من الخرسانةِ المستخدمةِ خصيصاً تحتَ الماءِ، وهذه حالةٌ فريدةٌ لأنَّ الأرضَ الهولنديّةَ عادةً ليّنةٌ جداً ودائماً ما كانت عمليّاتُ التّشييدِ السّابقةِ تتطلّبُ وجودَ نوعٍ من الأساس.

إذ يقومُ نظامٌ لتفريغِ المياهِ بتجفيفِ حفرةِ التّشييدِ، حيثُ يضخُّ نحوَ 1000 مترٍ مكعّبٍ منَ المياهِ في السَّاعةِ على امتدادِ 500 متر. ويضيفُ فان آرت van Art قائلاً: "النّفقُ محاطٌ بالمياهِ الجوفيّةِ، وكي لا يعومَ الهيكلُ في المياهِ، نقومُ بتثبيتِ دعاماتٍ إسمنتيّةٍ بعرضِ مترين ونصف على جانبي النّفقِ. لذا فإنَّ وزنَ الأرضِ التي فوقَ الدّعاماتِ، إلى جانبِ طبقةِ الغطاءِ الأرضيّ التي يبلغُ ارتفاعُها متراً ونصف، تشكّلُ قوّةَ دفعٍ تكفي لإبقاءِ النّفقِ في مكانِهِ."

ولأنَّ النّفقَ يقعُ بالقربِ من الضفّةِ الشّرقيّةِ لنهر ماس، فإنَّ المياهَ الجوفيةَ تجري على نحوٍ يتقاطعُ مع النّفقِ في طريقها إلى النَّهرِ. ولمنعِ المياهِ من الوصولِ إلى ارتفاعٍ عالٍ جداً عندَ الجدارِ الشّرقي للنّفقِ، فإنَّ التصميمَ يستوجبُ تركيبَ أنابيبٍ لنقلِ المياهِ الجوفيّةِ من فوقِ النّفقِ إلى نهرِ ماس.

وستتولّى شركةُ JV أمرَ شقّ حفرةِ النّفقِ على ثلاثِ طبقاتٍ، لتزيلَ 12 ألفَ متر مكعّب من الحفريّاتِ كلَّ أسبوعٍ. وبعدَ حفرِ الطبقتين الأولى والثّانية، سيتمُّ تثبيتُ دعاماتٍ لتثبيتِ حُفرةِ التّشييدِ.

وبعد تثبيتِ الدّعاماتِ تقومُ طواقمُ العملِ بإرساءِ طبقةِ الإسمنتِ الأرضيّةِ، والشّروعِ بوضعِ القوالبِ الجانبيّةِ للنّفقِ في حفرةِ التّشييدِ. والخطوةُ التّاليةُ هي تثبيتُ تسليحِ النّفقِ وتثبيتُ الطّبقةِ الأرضيّةِ. يقولُ فان آرت: "نحنُ نعملُ من الأسفلِ إلى الأعلى، فنبدأُ بالطابقِ السّفلي، ثمَّ الطابقِ الأعلى، فنبني أقساماً بطولِ 24 متر، ثمَّ نردمُ فوقَها حتّى نصلَ إلى مستوى سطحِ الأرضِ. ثمَّ تتمُّ إزالةُ الرّكائزِ الصّفائحيّةِ ونقومُ بتثبيتِها عندَ بدايةِ القسمِ التّالي من الحفرةِ، ونبدأُ بعمليّةِ التّشييدِ كلّها من جديدٍ."

مقاطعُ عرضيّةٌ معقّدةٌ:

عندَ مدخلِ النّفقِ، حيثُ تبدأُ المساراتُ التي يبلغُ ارتفاعُها 4.7 متر، لا تكونُ مساراتُ الطّابقِ العلوي فوقَ مساراتِ الطّابقِ السُّفلي. وبعدَ اجتيازِ مسافةِ 400 متر تصبحُ المساراتُ العلويّةُ فوقَ المساراتِ السّفليّةِ مباشرةً. ويوضّحُ فان آرتvan Art بالقولِ: "يؤدّي هذا إلى مقاطعَ عرضيّةٍ معقّدةٍ جداً، إلّا أنّنا جعلنا الأمرَ بسيطاً من ناحيةِ التّصميمِ والتّشييدِ، حيثُ أنّ جميعَ مساراتِ النّفقِ منفصلةٌ بعضُها عن بعضٍ، وكأنّها مستقلّةٌ تماماً. ولو أنّنا جعلناها متداخلةً معاً بدايةً منَ المسافةِ الأوليّةِ التي قدرُها 400 متر، لكانَ علينا أن نتعاملَ مع عواملَ مؤثّرةٍ لا يمكنُ التّحكّمُ بها. وكانت الأقسامُ العُليا من النّفقِ ستُعلَّقُ فوقَ الأجزاءِ السّفليّةِ، وكانَ ذلكَ سيؤدّي إلى تصدّعاتٍ في الخُرسانةِ."

في منتصفِ المسافةِ على امتدادِ النّفقِ، تصبحُ مساحةُ التّشييدِ أضيقَ، حتّى اضطرت شركةُ JV لاستخدامِ طريقةِ العملِ من الأعلى إلى الأسفلِ على امتدادِ 170 متر. ولولا ذلكَ لما كانَ بقيَ متّسعٌ لتحويلِ حركةِ المرورِ إلى طريقٍ جانبي مؤقتٍ. وقالَ غروتGrote : "لأنّ هذا الجزءَ من مشروعِ النّفقِ يحظى بأهميةٍ خاصّةٍ، بدأنا بهِ في خريفِ عام 2011، حيثُ حدّدنا موقعَ الطّريقِ المؤقّتِ ليكونَ فوقَ سقفِ النّفقِ، وقُمنا بالحفرِ تحتَهُ، ومن حينِها اتّبعنا طريقةَ التّشييدِ ذاتَها في بقيّةِ أجزاءِ المشروعِ."

زيادةُ مسافةِ الرُّؤيةِ: هناكَ جانبٌ آخرُ مهمٌّ من هذا المشروعِ يتمثّلُ في سلامةِ السَّائقِ داخلَ الأنفاقِ، حيثُ تصلُ حدودُ السُّرعةِ القُصوى في الواقعِ، إلى ضعفِ سُرعةِ 50 كلم في السّاعةِ، المسموحِ بها على الطّريقِ الأرضي الذي يتمُّ استبدالُه. وقالَ فان آرتvan Art : "عندما تسيرُ السيّارةُ بسرعةِ 100 كلم في السّاعةِ، فإنّها تحتاجُ إلى أن تكونَ منعطفاتُ الطّريقِ بسيطةً، حيثُ هناكَ الآن ثلاثةُ منعطفاتٍ تتواءمُ مع دائرةٍ نصفُ قطرِها نحوَ 600 متر، وهي حادّةٌ جداً بالنسبةِ لحدودِ السُّرعةِ التي تبلغُ 100 كلم في السّاعةِ. لذلكَ يجبُ على السّائقينَ أن يكونوا قادرينَ على مراعاةِ مثلِ هذهِ المُنعطفاتِ حتّى يتّمكنوا من كبحِ الفراملِ في الوقتِ المناسبِ إذا حدثَ أمرٌ ما أمامَهم. وقد احتاجَ تصميمُ النّفقِ إلى أن يأخذَ بالنّظرِ نصفَ قطرِ دوائرِ الانعطافِ ومسافةَ الرُّؤيا بالنسبةِ للسَّائقين."

ولتلبيةِ هذه المعاييرِ، قامت JV بتصميمِ منعطفاتِ المساراتِ السُّفليّةِ، حيثُ يكونُ الحدُّ الأقصى للسُّرعةِ أكثرَ بمقدارِ 20 كلم في السَّاعةِ عن المساراتِ العلويّةِ، لتكونَ أوسعَ من الجزءِ المستقيمِ من النَّفقِ. قال فان آرتvan Art : "وبجانبِ الحارتين المروريّتين، سنضعُ حارةً مروريّةً زائدةً بعرضٍ أقصاهُ 3.5 متر، وهذه الحارةُ ليست مخصَّصةً للسّيرِ فوقَها، وإنّما لتزيدَ من مساحةِ الرُّؤيا للسَّائقين. وبهذه الطَّريقةِ يكونُ للنّفق عرضٌ متغيّرٌ، وهذا أحدُ الأجزاءِ الأكثرِ تعقيداً في التّصميمِ، لأنَّنا نتعاملُ فيهِ مع أربعةِ محاورٍ مختلفةٍ للطٌّرقِ."

من المقرَّرِ حاليّاً للمشروعِ أن يكتملَ إنجازُهُ بحلولِ شهرِ كانونَ الأوّل/ ديسمبر من عامِ 2016. ويقولُ غروت: "في الوقتِ الحاليّ نحنُ مشغولونَ بتشييدِ مداخلِ النَّفقِ، وحتّى الآنَ أتممنا بناءَ الجزءِ الغربيّ منَ الجدرانِ والسَّقفِ للقسمِ الذي يتمُّ بناؤهُ من الأعلى إلى الأسفلِ، وقريباً سنقومُ بتحويلِ الحركةِ المروريّةِ أعلى سقفِ النَّفقِ للمضيّ قُدُماً في أعمالِ تشييدِهِ."

تمَّ رسميّاً افتتاحُ النَّفقِ لحلِّ المشكلةِ المروريّةِ في مدينةِ ماستريخت التي تعاني منها كلُّ مدينةٍ حولَ العالمِ تقريباً. هل تجدونَ في مثلِ هذا النوعِ منَ المشاريعِ حلَّاً للمشاكلِ المروريّةِ في منطقتِكُم أو مدينتِكُم؟

المصادر:

هنا

هنا