الموسيقا > موسيقيون وفنانون سوريون وعرب

داليدا.. الغنية عن التعريف

استمع على ساوندكلاود 🎧

وُلدت داليدا، واسمُها الحقيقيّ "يولاندا كريستينا جيجليوتي"، في السابعِ عشرَ من كانون الثاني عام 1933 في مصر، شُبرا – القاهرة (المملكةُ المصريّة سابقاً). وكانت داليدا الشقيقةَ الوحيدةَ لـ"أورلاندو" و"برونو"، وهم أبناء عازفِ كمانٍ إيطالي هاجرَ وزوجتُهً من إحدى جزرِ إيطاليا هرباً من الحرب القائمة آنذاك، لينعمَ بخيراتِ مصرَ حيث عملَ كعازفٍ في أوبرا القاهرة وترترعَ أولادُه الثلاثة في جوّ موسيقي ساحر.

عانَت يولاندا (داليدا لاحقاً) في سنواتِ عمرِها الأولى من عيوبٍ بعينها نتيجةَ إصابتِها بعدوى في العين عندما كانت طفلةً في شهرِها العاشر، الأمرُ الذي زادَت حدّتُهُ بحلولِ عامِها الرابع، فخضعَت لعمليتين جراحيتين عينيّتين، وأُجبِرَت على ارتداء النظارات الطبيّة منذ الصّغر. تملّكتها فكرة القباحةِ بشكلِها الجديد فظلّت حبيسةً حتّى سنِّ الثالثة عشر حين قرّرت أن ترمي نظاراتِها خارجاً وأبَت إلّا أن ترى العالمَ بصورةٍ مغشّاة في سبيل جمالِها وصورتِها.

استمرّت معاناتُها مع مشاكل العينين حتى سنِيّ مراهقتِها، فخضعَت ثانيةً لعمليّةٍ جراحيّةٍ بهدَفِ إصلاح المشكلة، وكان لها ذلك بالفعل! كَبُرت يولاندا وازدادَت جمالاً، ولم يرِد في ذهنها أنّها بشعةٌ بعد ذلك، بل ازدادت ثقةً بالنفس وشاركَت عامَ 1951 بالسرّ في إحدى مسابقاتِ الجمالِ المحليّة.

بعد المشاركةِ الأولى، فكّرت يولاندا ملياً في المشاركةِ بمسابقةِ ملكةِ جمال مصر عام 1954، وابتسمَ لها القدر ليجعها ملكةَ جمالِ مصر في ذلك العام، وفتحَ لها أبواب الدخولِ إلى السينما المصريّة، ونالت إعجابَ المخرجِ الفرنسي "مارك دو غاستين" الذي أقنَعها بتغييرِ اسمها ليصبحَ ذا رنّةٍ فنيّةٍ، وكان اسمُ "داليلا" هو المُختارَ.

زوّدَها "مارك" بالعديدِ من النصائحِ التي ساعدَتها وأخذت بيدِها لتبدأ مشوارها الفنيّ في باريس، وهي فكرةٌ عارَضها أهلُها بشدّة، ولكن لم يكُن بمقدورِهم منعُها من السفر، فانتقلَت إلى باريس عام 1954 وبدأت حياتَها الجديدةَ باحثةً عن مكانٍ لها في السينما الفرنسيّة.

لم تكن الحياة الجديدةُ سهلةً مع الوحدةِ والعُزلةِ في العاصمةِ الفرنسيّةِ الكبيرة، خصوصاً أنّ الحظّ لم يُحالفها هذه المرةَ، فأُجبِرت على الخوضِ في المجالِ الغنائي لتتمكّن من الاستمرار، وتلّقت دروساً في الغناء وتقدّمت لمسابقةِ عمل في إحدى حاناتِ الشانزليزيه، وتمكّنت من الحصول عليه بعد أن كانت على وشكِ خسارةِ مدّخراتِها والعودةِ إلى مصرَ مُطأطَأةَ الرأس. فحازت فرصة حياتها أخيرًا، إذ تعرّفت على "برونو كوكاتريكس"، الرجل الذي اشترى سينما "أولومبيا" وحوّلها إلى واحدٍ من أشهرِ معالمِ باريس المسرحيّة؛ قاعة العروضِ التي غنّى وما زال يُغنّي فيها أشهرُ مغنّيي العالم.

دُعيَت داليلا من قبل برونو لتغني في مسرحه في البرنامج الراديويّ "Tomorrow's N1s" على قناةِ "Europe 1" وغنّت "Etrangère au Paradis" (غريبة في الجنّة) سالبةً قلوبَ ملايين المستمعين، وأهمُّهم المدير الفنيّ للقناة "لوسيان موريس"، ومنتجُ الأُسطوانات "إيدي باركلي"، واللذان وجدا ضالّتَهُما في داليلا، والتي عرفَت حينها بـ "داليدا".

في عام 1955، أصبحَ موريس مديرَ أعمال داليدا، التي أصدرت بمساعدةِ باركلي أغنيتَي "Madonna" و"Bambino" اللتان أُذيعَتان على قناةِ "Europe 1" دونَ توقف حتى تصدّرَتا قوائمَ الأغاني الفرنسية آنذاك.

في أثناء مسيرتِها الفنيّة، سجلّت داليدا 500 أغنيةٍ فرنسية، 200 منها تُرجمَت للإيطاليّة، و300 للغاتٍ أخرى، وباعَت 150 مليونَ ألبومٍ في كافةِ أرجاء العالم، وحازَت العديدِ من الجوائز، محقّقةً سبعين تسجيلاً ذهبياً.

وبعيداً عن الحياةِ الفنيّة، كانت حياةُ داليدا الشخصيةُ صعبةً ومليئة بالآلام، فبعدَ أن تزوّجَت مديرها موريس عادا انفَصًلا بعد عدّةِ أشهر، ثم تزوّجَت بعدها عدّةَ زيجاتٍ انتهَت سريعاً بالطلاق وانتحارِ أزواجِها السابقين ممّا جعلَها ضعيفةً ومهزوزة، فتراجَع حماسُها المهنيّ بعد الصدمةِ العاطفيّة الأخيرة عامَ 1983، لكن وقوفَ جمهورِها حولَها كان مصدراً داعِماً معنويّاً مهمّاً لها ودائماً ما كان يخفّفُ عنها، لكنَّ خضوعَها لعمليتين جراحتيين في عينَيها مرةً أخرى عامَ 1985 أعادَ إليها العديد من الذكرياتِ الأليمة.

شارَكت داليدا أثناء نجاحِها المنقطِع النظير الذي امتدّ قرابةَ الأربعين عاماً في الكثيرِ من الأعمال السينمائيّة، ولم تتوقف على الرغمِ من كل الظروف التي مرّت بها، فشاركت عام 1986 بعملٍ كبيرٍ في فيلم "Le sixieme jour" (اليوم السادس) من إخراجِ يوسف شاهين، آخذةً دورَ البطولة، وقد أظهر هذا الدور قدرتَها التمثيليةَ الكبيرة في مجال التراجيديا.

أُنهكت روح داليدا في سنواتِها الأخيرة، فسنينُ العمل جعلَتها تخسرُ حياتها الشخصيّة على حسابِ النجوميّة والشهرة. وبدون زوجٍ أو أولاد؛ بقيَت تبحثُ عن إنجازٍ على الصعيد الشخصيّ دون جدوى، وعلى إثرِ تلكَ الصدماتِ العاطفيّةِ التي رَمت أثقالها على المغنيّةِ الحسناء، تناولَت داليدا كميةً كبيرةً من المهدّئات ففارَقت الحياةَ بسببِ جرعةٍ زائدةٍ في ليلةِ الثاني من أيار عام 1987، تاركةً رسالةً كتبَت عليها "سامحوني، الحياة لم تعُد تُطاق بالنسبةِ لي".

دُفنت داليدا في مقابرِ المشاهير، ونُحت تمثال لها، ظلّ واقفاً على قبرها ليشهَد على عظمةِ تلك النجمةِ وحياتِها وإنجازاتِها، ويبقى رمزاً يُذكّرنا بألّا نحكمَ على الكتاب بمجرّد النظر إلى غِلافِه، فتحْتَ ذلك الحُسن والوجه الجميل كانت هناك امرأةٌ جريحةٌ عاشت حياتَها وماتت فاقدةَ كل الأمل بالحياةِ ومتاعِها.

أخيراً، ندعوكُم للاستماع إلى بعضِ أغانيها على الروابط الآتية:

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا