الرياضيات > الرياضيات

سلسلة أحجيات أويلر: معادلة الأجسام مُتعدّدة الوجوه

استمع على ساوندكلاود 🎧

فَكِّر بمثلث، والآن فَكِّر بمربّع، يليه خماسيّ أضلاع ثم سُداسيّ وهكذا. يُطلق على هذه الأشكال اسم "المُضلّعات" (polygons). وهي كلمةٌ يونانيّةٌ حيث تعني "poly" باليونانيّة "مُتعدّد"، أمّا "gon" فتعني باليونانيّة "الزّواية".

والآن انْتَقِل إلى البعد الأعلى. فَكِّر في مُكَعّب، هَرَم، أو مثلاً مُجسَّم ثُماني. يُطلق على الأجسام السّابقة اسمَ "المُجسّمات مُتعدِّدة الوجوه" (polyhedra) وتعني كلمة "hedra" باليونانيّة "القاعدة". إنّ المُجسَّم مُتعدّد الوجوه هو مُجسّم مُكوَّن من عِدّة أوجه كلُّ وجهٍ هو مُضَلَّعٌ مُسطّحٌ. تُسمى جوانبُ الوجوه هذه بالحواف وأمّا زواياه فتُسمّى رؤوساً.

تُعد الحواف الأفلاطونية أمثلة عن المُجسّمات مُتعدِّدة الوجوه. من اليسار لليمين لدينا رباعي الأسطح بأربعة وجوه، المكعّب بستّة وجوه، المُجسّم الثُّماني بثمانية وجوه، واثنا عشريّ السّطوح باثْنَي عشر وجه، وعشرونيُّ الوجوه بعشرين وجه.

الآن تخيلو أن نقوم بعدّ عدد الرّؤوس V وَعدد الحوافِ E وَعدد الوجوه F لأحدِ المُجسّمات مُتعدِّدة الوجوه. لقد تبيّن أنّه طالما أنّ المُجسّمَ مُتعدّدَ الوجوهِ مُحدّبٌ (لا يوجدُ تقعراتٌ فيه) ولا يحوي حُفراً بداخلِه، فيكونُ ناتجُ طرحِ مجموعِ عدد الحواف والوجوه من عدد الرّؤوس يساوي 2 دائماً، أي:

V-(E+F)=2

وسواءٌ كان المُجسّمُ كثيرُ السّطوحِ مُكعّباً أو مُجسّماً ثُمانيَّ الوجوه أو حتّى لو كانَ مُعقداً أكثر مثل "great rhombicosidodecahedron" الموجود في الصّورة التّالية، أو شكلاً آخرَ غيرَ مُنتظمٍ، فستبقى المعادلةُ السّابقةُ صحيحةً وهذه نتيجةٌ رائعةٌ حقّاً.

صورة للمجسم متعدد الوجوه المسمى بـ great rhombicosidodecahedron

تُعرفُ المعادلةُ السّابقةُ على أنّها معادلةُ أويلر للمُجسّماتِ مُتعدِّدةِ الوجوهِ. ولكن لم يكن أويلر هو أوّلُ من اكتشفها، بل يعودُ الفضل إلى الرّياضيِّ الفرنسيِّ "رينيه ديكارت" الّذي كتب عنها في عام 1630 تقريباً. بعد موته في السّويد في عام 1950، حُملت الأوراقُ البحثيّةُ الّتي كتبها ديكارت إلى فرنسا ولكنَّ القاربَ الّذي كان يحملها غَرِقَ في نهرِ السّين. بقيت الأوراقُ في قاعِ النّهرِ ثلاثةَ أيّامٍ ولكن لحُسنِ الحظِّ تمكَّنوا من تجفيفها بعد أن عثروا عليها.

أمّا "Gottfried Wilhelm von Leibniz" فهو رياضيٌّ آخرَ مشهورٌ قام بنسخِ ملاحظاتِ ديكارت الّتي كتبها عن هذه المعادلةِ في عامِ 1675 تقريباً. بعدها اختفت مخطوطةُ ديكارت كُليّاً وأمّا نسخة "Leibniz" فقد ظلت مفقودَةً إلى أن عثرَ عليها مُجدّداً شخصٌ في إحدى الخزن في المكتبةِ الملكيّةِ في هانوفر عام 1860. يا لها من أحداثٍ دراميّةٍ مرّت بها هذه المعادلةُ الرّياضيّةُ!

بالرّغم من أنّ ديكارت هو من اكتشفَ المعادلةَ أوّلاً، ولكن أويلر هو من كان يمتلك نظرةً حاسمةً. فعندما تنظر إلى معادلةِ مُتعدّدِ الوجوه، لا تهمُّ القياساتُ الدّقيقة: فلا يهمُّ أن نعرفَ في أيِّ زاويةٍ يلتقي وجهين من أوجهه، أو كم يبلغُ طولُ حوافِه. وذلك أنّ مُتعدِّدَ الوجوهِ ينتمي إلى عالمِ التّبولوجيا، كما هو الحال في مسألةِ جسورِ مدينة كنيغسبرغ الّتي تحدّثنا عنها في مقالٍ سابقٍ من هذهِ السّلسلة ( هنا ). فهي تخبرنا شيئاً ما عن طبيعةِ فضاءِ المسألةِ، وليس عن العناصرِ الموجودةِ فيه أو أبعاِدها الدّقيقة.

ويمكنكم قراءة البرهان الرياضي على تلك المعادلة من here on Plus أو قراءة عشرين برهاناً هنا: Geometry Junkyard

والآن نكون قد وصلنا إلى نهايةِ سلسلةِ أحجياتِ أويلر، استعرضنا لكم فيها أهمَّ الأحجياتِ وأكثرَها مُتعةً، آملين أن تُعطيكم لمحةً عن أهميّةِ أعمالِ العالِم أويلر والإسهاماتِ الّتي قدَّمها من خلالِ الرّياضيات في حلِّ مُشكلاتٍ من الحياةِ العمليّةِ.

المصدر:

هنا