الطب > مقالات طبية

ازرعْ قلبَكَ في أَصيص

استمع على ساوندكلاود 🎧

لطالما كان احتشاءُ القلبِ (الجلطة) من أكبرِ مخاوفِ الإنسانِ، ليس فقط للحاجةِ للسرعةِ في تدبيره و إنّما بسببِ التبعاتِ السلبيةِ الناجمةِ عنه. ولكن هل يُعقَلُ أن يُصبحَ هذا الكلامُ تاريخاً طبّياً في السنواتِ القادمةِ؟

وفقاً لهؤلاءِ الباحثين قد يكون هذا الأملُ أكثرَ من معقولٍ!

يواجهُ العلماءُ تحدّياً جوهريّاً في سعيِهم للارتقاءِ بإعادةِ تجديدِ الأنسجةِ البشريّةِ؛ من عيّناتٍ مخبريةٍ صغيرةٍ إلى أنسجةٍ كاملةِ التطوّرِ، وصولاً إلى أعضاءٍ كاملةٍ، وزرْعِها في المرضى لعلاجِ مختلفِ الأمراضِ والإصاباتِ الرّضّيةِ.. كيف يصنعون جهازاً وعائيّاً يؤمّنُ إيصالَ الدمِ من أجل نموِّ النسيجِ، حيثُ أنَّ تقنيّاتِ الهندسةِ البيولوجيةِ الحاليةِ بما فيها الطباعةُ ثلاثيةُ الأبعادِ غيرُ قادرةٍ على تصنيعِ تفرّعاتِ الشبكةِ الوعائيةِ، وصولاً إلى مستوى الشُّعيراتِ التي تؤمّنُ الأوكسجينَ و المغذِّياتِ والجزيئاتِ الأساسيةَ للنموِّ النسيجيِّ الصحيحِ.

لحلِّ هذه المشكلةِ قام فريقٌ متعدّدُ التخصصاتِ في معهد ورسيستر بوليتكنيك Worcester Polytechnic Institute (WPI) باللجوءِ إلى استخدامِ النباتاتِ بنجاح. ضمَّ هذا الفريقُ العديدَ من الاختصاصيّين في علمِ النباتِ وعلمِ الأحياءِ والهندسةِ الطبيةِ الحيويةِ واختصاصيّين في الخلايا الجذعيةِ، والكثيرَ من الخبراتِ الأخرى.

وردَ في التقريرِ البدئيّ للفريقِ عن البحثِ المسمّى "عبورَ الممالك Crossing Kingdoms": "استخدامُ نباتاتٍ منزوعةِ الخلايا كقاعدةٍ هندسيةٍ للأنسجةِ القابلةِ للتناضح". وذكروا أيضاً أنّه بالرّغمِ من الاختلافِ الكبيرِ بين النباتاتِ و الحيواناتِ في نقلِ السوائلِ و المغذّياتِ إلّا أن الشبكةَ الوعائيةَ متشابهةٌ بشدةٍ.

التقنيةُ المستعملةُ في إنتاجِ هذه النباتاتِ هي ضخُّ محلولٍ منظِّفٍ بتركيبٍ دقيقٍ عبرَ أوعيةِ الأوراقِ، ثم تُغسلُ الورقةُ من البقايا الخَلَويةِ، لنحصلَ على هيكلٍ من السليلوزِغيرِ المؤذي للإنسان والمستخدَمِ في مجالٍ واسعٍ من التطبيقاتِ الطبيةِ فيما يخصُّ التجديدَ والترميمَ، كهندسةِ الأنسجةِ الغضروفيّةِ والعظميةِ ومعالجةِ الجروحِ. وتمَّ تصميمُ وتطبيقُ هذه التقنيةِ من قبلِ طالبِ الاختصاصِ في الهندسةِ الطبيةِ الحيويةِ جوشوا غيرزْلاك Joshua Gerslak.

نجح الفريقُ عبرَ سلسلةٍ من التجارِبِ بزراعةِ خلايا قلبيةٍ نابضةٍ على أوراقِ السبانخِ منزوعةِ الخلايا، ثمَّ قاموا بضخِّ السوائلِ وحبّاتٍ مجهريةٍ من الخرزِ مشابهةٍ لحجمِ خلايا الدمِ، وزرعوا الخلايا البشريةَ المبطِّنةَ للأوعيةِ الدمويةِ في أوعيةِ ورقةِ السبانخ.

إضافةً للسبانخ استخدمَ الفريقُ البقدونسَ و نبات الأرطُماسيا من النوع Artemisia annua وجذورَ الفستقِ، ولكن تبقى أوراقُ السبانخِ هي المفضَّلةُ في تصنيعِ النسيجِ القلبيِّ نظراً لغناها بالنسيجِ الوعائيِّ كما هو القلبُ في الحالةِ الطبيعيةِ، وبالتالي تتمكّنُ من تأمينِ ترويةٍ مناسبةٍ للعضلةِ القلبيةِ في أثناءِ عملِها.

إنّ هذه الدراساتِ المعتمِدةَ على البراهينِ تتيحُ المجالَ لاستخدامِ عدةِ أوراقٍ من السبانخِ، وإنتاجِ عدةَ طبقاتٍ من العضلةِ القلبيةِ لعلاجِ مرضى احتشاءِ القلبِ، عن طريقِ إعادةِ زراعةِ نسيجٍ طبيعيٍّ بدلاً من الجزءِ المتموّتِ من القلبِ غيرِ القابلِ للتقلّص، إضافةً إلى أنَّ أنواعاً أخرى من النباتاتِ منزوعةِ الخلايا يمكنُ أن تشكّلَ هيكلاً للعديدِ من تقنيّاتِ الهندسةِ النسيجيةِ.

يكمنُ في اعتمادِ النباتاتِ كأساسٍ للهندسةِ النسيجيةِ فوائدٌ اقتصاديةٌ و بيئيةٌ قيّمةٌ، حيث يمكنُ تجاوزُ العقباتِ التي تتجلّى بالتكلفةِ الماديةِ المرتفعةِ لمركّباتِ الموادِ الاصطناعيةِ، عن طريقِ زراعةِ هذه النباتاتِ بسهولةٍ ضمن بيئةٍ يمكن التحكّمُ بها لتأمينِ قاعدةٍ مستدامةٍ لهندسةِ الأنسجةِ الموعّاةِ، وكلُّ هذا في النهايةِ سيقودنا إلى مستقبلٍ زاهرٍ لزراعة الأعضاءِ.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا