الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

الحرب تترك أثرها على الزراعة والمياه في الجنوب السوري!

استمع على ساوندكلاود 🎧

دأب الباحثون في السنوات القليلة الماضية على دراسة تأثيرات كلٍّ من التغيُّر المناخي والجفاف على اندلاع النزاعات حول العالم، ولاسيما في المناطق الفقيرة بالمياه كالشرق الأوسط، لكن قلة قليلة منهم درس تأثير النزاعات ونزوح اللاجئين من مناطق النزاع على الموارد المائية، واستخدامات الأراضي في مناطق الحروب النشطة.

أثّرت الحرب الدائرة في سورية بلا أدنى شك على الموارد المائية فيها، وكذلك على استخدامات الأراضي، سواء نتيجة انهيار البنية التحتية، أو نزوح السكان منها، أو حتى ضعف إدارة الموارد المائية خلال فترة الحرب.

يعتبر الأردن أحد أفقر دول العالم بالمياه وهو مهدّد بمواجهة آثارٍ خطيرة نتيجة التغير المناخي. برغم ذلك، استقبل الأردن منذ عام 2013 آلاف اللاجئين السوريين الذين نزحوا هرباً من الحرب الدائرة في بلدهم.

لاحظ باحثون من جامعة ستانفورد ازدياداً مفاجئاً في تدفّق نهر اليرموك خلال سنوات الحرب السورية تبعاً للبيانات الرسمية الأردنية، مما دفعهم للبحث عن الكيفية التي أثرت بها هذه الحرب على حوض نهر اليرموك – الأردن الذي يوفر امدادات هامة من المياه لكل من سورية والأردن وفلسطين المحتلة.

جمع البيانات من منطقة تنشط فيها حرب

تعتبر البيانات الهيدرولوجية الموثوقة واستخدامات الأراضي وحجوم المياه بياناتٍ ضروريةً لا يمكن بدونها إتمام البحث والتحقق من التغيرات الحاصلة على تدفق نهر اليرموك العابر للحدود، ولكن الحرب النشطة في سورية جعلت من جمع البيانات تحدّياً كبيراً للباحثين الذين بحثوا عن طريقةٍ بديلةٍ فعالةٍ وسليمةٍ علمياً، فوجودها متمثلة بالأقمار الصناعية، والتي يتزايد استخدمها في أيامنا هذه للحصول على بيانات بزمنٍ سريع من بيئات يصعب الوصول إليها.

وتعتبر هذه المرة الأولى التي يتمكن باحثون فيها من إجراء تحاليلَ على نطاقٍ واسعٍ باستخدام الاستشعار عن بعد في منطقة تنشط فيها الحرب، لفهم الآثار البيئية للنزاع، والبرهان على وجود علاقة سببية بينه وبين الموارد المائية، وأبلت هذه الطريقة الجديدة بلاءً حسناً في تقديم بياناتٍ تعوّض استحالة جمع البيانات الأرضية.

النتائج والمناقشة

قدمت التحليلات المكانية والإحصائية لصور الأقمار الصناعية دليلاً واضحاً على التغيرات السريعة الحاصلة في استخدامات الأراضي، والطّلب على المياه، وإدارةِ الموارد المائية في حوض نهر اليرموك – الأردن خلال الفترةِ الحديثة لنزوح اللاجئين السوريين.

سبَّب النزاع في سورية والنزوح الناتج عنه تخلي سورية عن الزراعة المروية إلى حد كبير وانخفاض مساحات الأراضي المروية فيها إلى النصف، وساهم انخفاض تخزين السدود السورية لمياه الهطول المطري إلى النصف أيضاً خلال فترة الحرب، إلى جانب التعافي الذي شهدته المنطقة من فترة الجفاف السابقة، بوصول كميةٍ إضافيةٍ غير متوقعة من المياه إلى الأردن.

نستعرض الآن نتائج نزوح اللاجئين السوريين التي توصل إليها فريق الباحثين.

1- تأثير نزوح اللاجئين على تدفق نهر اليرموك

تقترح النتائج وجود علاقةِ ارتباطٍ بين تدفق النهر ونزوح اللاجئين، ويمكن ملاحظتها من الشكل (1)، حيث تزامنَ نزوح اللاجئين السوريين من حوض اليرموك إلى الأردن مع الزيادة غير المتوقعة في تدفق نهر اليرموك والتي بلغت 3.5 ضعفاً من التدفق المار في فترة ما قبل الحرب، (الشكل 1 – المخطط الوسطي).

وتقترح نتائج التحليلات الإحصائية أن هذه الزيادة تعزى إلى عاملين أساسيين:

1- تعافي المنطقة من فترة الجفاف القاسية التي ضربتها قبل عام 2009، (الشكل 1 – المخطط العلوي).

2- انخفاض كميات مياه الأمطار المخزنة في السدود السورية الموجودة ضمن الحوض وهو ناتج عن ازدياد أعداد اللاجئين السوريين القادمين من الجزء السوري للحوض (الشكل 1 – المخطط السفلي)، وانخفاض الطلب السوري على مياه الري، والتغير الحاصل بإدارة الموارد المائية في المنطقة.

الشكل 1 - كميات الأمطار السنوية الهاطلة فوق حوض اليرموك (في الأعلى) والتدفق السنوي المار في نهر اليرموك (في الوسط) والعدد التراكمي للاجئين السوريين النازحين إلى الأردن (في الأسفل) بين عامي 2007 و2015

2- تأثير نزوح اللاجئين على التغير في استخدامات الأراضي

قدّر الباحثون مساحة الأراضي الزراعية المروية عبر 16 نقطة زمنية باستخدام التحليلات الإحصائية لصور الأقمار الصناعية.

ويتضح من الشكل 2 أن الجفاف الذي ضرب المنطقة أدى إلى انخفاض مساحة الأراضي الزراعية المروية في حوض اليرموك في كل من سورية (بالأحمر) والأردن (بالأخضر) وذلك بين عامي 2006 و2008.

أما الانخفاض الثاني الذي حصل أثناء فترة نزوح اللاجئين السوريين من منطقة الحوض بعد عام 2013 فيظهر بشكل كبير جداً في الجزء السوري.

الشكل 2 - مساحة الأراضي المروية في الجزأين السوري (بالأحمر) والأردني (بالأخضر) لحوض اليرموك بين عامي 2000 و2015

كما يتّضح من الشكل 3 التغيرات الكبيرة في استخدامات الأراضي في حوض اليرموك، والانخفاض الحاصل في النشاط الزراعي أثناء فترة الحرب ونزوح اللاجئين السوريين (2015) بالمقارنة مع فترات ما قبل الحرب، وقد بلغت نسبة الانخفاض 47%.

الشكل 3 – صور جوية معالجة تظهر كثافة النشاط الزراعي في حوض اليرموك في الجزأين السوري (بالأحمر) والأردني (بالأخضر) خلال أعوام 2000، و2007، و2015

3- تأثير نزوح اللاجئين على تخزين المياه في السدود

استخدم الباحثون صوراً متراكبةً لأكبر 11 سداً واقعاً ضمن الحوض في الأراضي السورية، حيث أن هذه السدود توفّر 93% من المياه اللازمة لري الأراضي السورية في حوض اليرموك، وكذلك 8 خزانات في جزء الحوض الواقع ضمن مرتفعات الجولان السوري المحتل، واستخدموا 189 نقطة قياس زمنية لحجم المياه المخزنة في كلا الجانبين.

لاحظ الباحثون زيادة في الكميات المخزنة من المياه في كلا الجانبين بين عامي 2009 و2012 تزامناً مع تعافي المنطقة من فترة الجفاف السابقة، قبل أن يحدث انخفاض جديد بين عامي 2013 و2015 كان أكبر بكثير في الجانب السوري الذي نزح اللاجئون منه (الشكل 4 – الخط البياني الأحمر) عنه في الجولان المحتل (الشكل 4 – الخط البياني الأزرق)، وقد وصل هذا الانخفاض إلى 49%، وهو ما يدل على تغير في ممارسات إدارة المياه خلال فترة الحرب الحاصلة.

الشكل 4 – مخطط بياني يظهر كميات المياه المخزنة في السدود الرئيسية في حوض اليرموك في سورية (بالأحمر) والجولان (بالأزرق) بين عامي 2000 و2015

يمكننا القول بشكل عام أن النزاع والحرب في سورية والنزوح الناتج عنها، قللا من مساحة الأراضي الزراعية في الجنوب السوري، وخفضا من الطلب السوري على مياه الري، كما تسببا بتغيير جذري في طريقة إدارة السوريين لمواردهم المائية.

وبكافة الأحوال، تعتبر الزيادة في التدفق أمراً جيداً نوعاً ما للأردن، وستساعده على توفير المياه للاجئين.

يوضح هذا البحث أن النزاعات البشرية المسلحة يمكن أن تغير بشكل كبير من استخدامات الأراضي وإدارة الموارد المائية، والتوازن المائي في الأحواض المائية في منطقة النزاع، وكذلك قد تؤثر على امدادات المياه لسكان الحوض.

ويُظهر البحث كذلك إمكانية الاعتماد على بيانات الاستشعار عن بعد للحصول على معلوماتٍ هامةٍ عن الموارد المائية عندما يصعب الحصول على بيانات أرضية.

وكلنا أمل في أن نعي جميعاً ونعمل على إيقاف هذه الحرب التي حطمت الإنسان والبيئة، لنتلافى الكوارث الأخرى التي قد تنتج عنها.

المصادر:

هنا

هنا