الفيزياء والفلك > فيزياء

مبدأ ماخ وعلاقته بالنّسبية العامة

استمع على ساوندكلاود 🎧

مبدأ ماخ أو حدسيّة ماخ. هو أحد أهمّ المبادئ الفلسفيّة التي قامت عليها النّسبيّة العامّة، فما هو هذا المبدأ وما صِلته بأحد أعمق مستويات الوعي البشري المُتمثلة بالنّسبية العامة؟

مبدأ ماخ (أو حدسيّة ماخ): هو الاسم الذي أطلقه أينشتاين على الفرضيّة المنسوبة لعالِم الفيزياء والفيلسوف إرنست ماخ. ويُعتبر من المبادئ الهامّة في الفيزياء النّظريّة والمُتعلقة بنظريّات الثّقالة.

وفكرتُه تقومُ على أن توزّع المادة الكُلي في الكَون يتحكم بعطالة الجّسم ضِمن جُملته العطاليّة المحليّة، ولتبيان ما نقصد سنطرح عليك عزيزي القارئ القصّة التاليّة:

عندما تَقِف في حقلٍ ما وتنظُر إلى النّجوم وذراعاك مُنسدلتان بحريّة إلى الأسفل. يتراءى لك أنّ النّجوم البعيدة ثابتة لا تتحرّك. والآن ابدأ بالدوران فستجد أنّ النّجوم تدور من حولك ويداك تبتعدان عن جسدك. لماذا تبتعد يداك عن جسدك عندما تدور النّجوم؟ ولماذا تنسدلان بأريحيّة عندما تكون النّجوم ثابتة؟

يعتبِر مبدأ ماخ أن هذا ليس حادثاً عرضيّاً أو بالصّدفة، إذ أن هُناك قانون فيزيائي يربط ما بين حركة النّجوم والجّملة العطاليّة المحليّة. فحسب ماخ لابد من أن هُناك قانون فيزيائي ما يجعلُك تشعر بالقوّة النّابذة أو القوّة الطّاردة المركزيّة عندما تدور حول نَفسِك. يوجد أيضاً عدّة تعريفات أُخرى لهذا المبدأ، على سبيل المثال "الكُتلة هُناك تؤثر على العطالة هُنا"، وهُناك عبارة مشهورة جداً في مبدأ ماخ تقول “إن البُنية الهيكليّة الضّخمة للكَون هي التي تتحكّم بقوانين الفيزياء المحليّة.

يوجد العديد من المؤشرات التجريبيّة التي تؤكد صحّة هذا المبدأ، كما يلعب دوراً مهماُ في النّظريّة العّامة إذ يؤمن حلولاً لبعض مُشاكلها.

تاريخيِّاً أول من أشار إلى فكرة المبدأ هو جورج بيركيلي، كما تضمّن كتاب "الحركة: نسبيّة أم مطلقة؟" للأخوين فرايلاندر بعض الأفكار ذات الصّلة بالمبدأ.

أينشتاين ومبدأ ماخ :

هُناك مُشكلة أساسيّة في النّظريّة النّسبيّة، وهي: بما أنَّ جميع الحركات نسبيّة فكيف يُمكن قياس عطالة الأجسام؟ يجب أن نقيس العطالة بالنّسبة لشيءٍ ما آخر، ولكن ماذا يحدث لو تصورنا أن ثمة جسم وحيد في الكَون كلّه، يفسر مبدأ ماخ ان حركة مثل ذلك الجسم ستكَون عديمة المَعنى، ويمكن تلخيصُ مبدأ ماخ كما عبّر عنه أينشتاين كما يلي:

"العطالة : هي شيءٌ ينشأ نتيجة التّفاعل المُتبادل بين الأجسامِ مع بعضِها بعضاً"

بهذا المعنى يحوي مبدأ باخ الكثير من المفاهيم التي يمكن ربطُها مع الفلسفة الشموليّة، ويقتضي ذلك أن أي نظريّة مُحتملة للثقالة يجب ان تكَون قائمة على العلاقات المُتبادلة، وكان لآينشتاين -أثناء عمله على النّسبيّة العامة- الدّور الأكبر في تسليط الأضواء على مبدأ ماخ، وفي الحقيقة كان أوّل من قدمه كقانون فيزيائي، في حين كان عمل ماخ ذو صبغة فلسفيّة بحتة.

جدل نيوتن-ماخ:

كان لكتاب ماخ "علم الميكانيك" الأثر الأكبر على أينشتاين، حيث انتقد فيه ماخ أفكار نيوتن ولا سيّما فكرة الفضاء المُطلَق، وهاجم فكرة نيوتن عن وجود جملة مرجعيّة فُضلى على الدّوام، من خلال الرّد على فكرته المعروفة بـ"دلو نيوتن"، وهي تجربة اخترعها نيوتن ليثبت وجود الفضاء المُطلق، حيث ملأ دلواً بالماء وعلّقه بحبلٍ، ثم جعله يدور حول ذلك الحبل، واستدل من خِلال تقعّر الماء في الدّلو، أن الماء يدور ولكنّه لا يدور بالنّسبة للجُملة المرجعيّة المحليّة والتي هي الدّلو، بل بالنّسبة لجُملة مرجعيّة مُطلقة وهي الفضاء المُطلق.

ومحاججة ماخ لنيوتن، أن كلامَه يكون صحيحاً إذا كان دوران الماء بالنّسبة للدلو لا ينتج اي قوى طرد مركزي، وعليه يرى ماخ أنّه لا وجود للحركة المُطلقة، وينبغي استبدالها بالنّسبيّة كليّة، حيثُ لا يكَون لسرعة وتسارُع جسمٍ ما أي معنى بمعزلٍ عن الاجسام الأخرى، وبهذا المعنى تُعتبر القوى الظّاهريّة -التي تُميز بين الحركات النّسبيّة والمُطلقة- ناتجة عن عدم التّناسُق بين الأجسام المُتحركة ضمن الجُملةِ المدروسةِ من جهة وبين الأجسام الكبيرة كالكوكب والنّجوم البعيدة التي تملك كُتل أكبر ونعتبرها ثابتة من جهة ثانيّة، ولشرح الجُّملة السّابقة نفترِض أنّه لدينا كَوناً فارغاً يحوي على جسمين مثلاً وأحدهم يدور حول الآخر، إن حركة هذين الجّسمين في الكَون الفارغ تناظريّة بحتة، فلا نستطيع أن نميّز هذه الحالة عن حالة السّكون، وبالتالي فقط في كَونٍ يحوي توزع غير مُتناظر للأجسام، يكَون لتلك القِوى الظّاهريّة معنىً ما.

ولقد عبّر بيركليلي عن أفكار مُماثلة لما سبق، فمن غير الواضح فيما إذا أراد ماخ أن يفسر التأثرات الفيزيائيّة بين الاجسام من خلال أفكاره، إلا أن الصّياغة الفيزيائيّة لمبدأ ماخ تقتضي ان الأجسام البعيدة كالنّجوم مثلا لها أثر واضح في توليد عطالة الجّسم.

يعتقد اغلب الفيزيائيين أن مبدأ ماخ لم يُطوَّر إلى قانون كمّي (يُعنى بالكمّيات والمقادير) يشرح كيف للأجرام البعيدة ان تؤثر في عطالة جسمٍ ما، ورغم أنّ أينشتاين كان مفتوناً بمبدأ ماخ، إلا أن صياغته له ليست أمراً أساسيّاً ضمن النّظريّة النّسبيّة العامة.

المصدر: هنا