البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

القردَة والكلاب تحكم على البشر بناءً على كيفية معاملتهم للآخرين!

أظهرت مجموعةٌ من الدراسات أُجريت على الأطفال أنَّه بعمر السنة يبدأ الطفل بالحكم على الآخرين بطريقة تعاملهم مع من حولهم، وتشيرُ تلك الدراسات إلى أنَّ من الممكن وجودُ حسٍّ أخلاقي فطري لدى الأطفال يسبق الأخلاقَ التي يُعلمهم إياها الوالدان والسلوكَ المكتسبَ الذي يتعلمونه تدريجيّاً. وتساءل عالم النفس المقارن جيمس آندرسون James Anderson في جامعة كيوتو مع زملائه فيما إذا كانت الأنواعُ الأخرى من الكائنات تقوم بإجراء التقييم الاجتماعي وإطلاق الأحكام بطرق مشابهة، فكيف اختبرَ آندرسون ردودَ أفعال الحيوانات تجاه صفتي التعاون والإنصاف؟

التجربة الأولى: اختبار ردة فعل قردة الكابوشين تجاه صفة التعاون:

بدأ آندرسون مع زملائه الباحثين باختبار سلوك قردة الكابوشين لرؤية إن كانت ستبدي أيَّ تفضيلٍ للناس الذين يساندون بعضَهم بعضاً، فجعلوا قردة الكابوشين تشاهد رجلاً يُمثِّلُ أنَّه يعاني أثناء فتح علبةٍ محكمة الإغلاق حاويةٍ على لعبة بداخلها، ثم يطلب الممثّل المساعدةَ من ممثّل آخر معه تارةً يقبل مساعدته وتارةً يرفض. وبعد الانتهاء من تمثيل ذلك المشهد يقدم كِلا الممثّلَين الطّعامَ لقردة الكابوشين التي شاهدت ما حصل. والنتيجة؟

عندما أبدى الممثّلُ الثاني تعاوناً لم تبدِ القردة أيّ فرق في قبول الطعام من كلا الممثلين سواء الذي طلب المساعدة أو الذي قدّم المساعدة، ولكن عندما رفض الممثّل الثاني المساعدة أبدت القردةُ ميلاً أكبرَ لقبول الطعام من الشخص الذي طلب المساعدة؛ إذ ترفضُ القردةُ الطعامَ من الشخص الذي رفضَ تقديم المساعدة وتتقبّلُ الطعام من الشخص الذي قدم المساعدة.

التجربة الثانية: اختبار ردة فعل قردة الكابوشين تجاه صفة الإنصاف:

يحملُ كلٌّ من الممثلَين ثلاثَ كراتٍ، ثم يطلب الممثّل الأوّل الكراتِ من الممثل الثاني، فيسلمُه الممثّلُ الثاني إياها، ثم يطلب الممثّل الثاني الكراتِ من الممثل الأول، فإما أن يعيدَ الممثلُ الأول الكراتِ الثلاثَ أو يرفضَ إعادتها. وفي النهاية يقدم الممثلان الطعامَ للقردة كمكافأة. وكانت النتيجة أن لم تبدِ القردة أيَّ تفرقة في تفضيل الطعام من الممثلَين عندما أعاد الممثل الأول الكراتِ للممثل الثاني، ولكنها أبدت ميلاً أكبر لقبول الطعام من الممثل الثاني عندما لم يعد الممثّلُ الأوّل الكرات.

ما التجارِب التي أجراها الباحثون لاختبار الحس الأخلاقي عند الكلاب؟

اختبر الباحثون هنا إن كانت الكلاب تفضّل الأشخاص الذين يساعدون مربيهم، وتبدأ التجرِبة بأن يحاول كلُّ مربٍ فتحَ علبة محكمة الإغلاق ثم تقديمها إلى أحد ممثلَين اثنين، بحيث يقدم الأول المساعدة أو يرفض، بينما يُمارس الممثّل الثاني دوراً سلبيّاً (دور المشاهد)، ثم يُقدم الممثّلان الطعامَ للكلاب كمكافأة. والنتيجة: لم تبدِ الكلابُ أيَّ فرقٍ في تفضيل قبول الطعام من الممثلَين عندما قدم الممثل الأوّل المساعدة لمربيها، ولكنها كانت أكثر ميلاً لقبول الطعام من الممثل الذي أدى دور المشاهد عندما رفض الممثل الأوّل تقديم المساعدة لمربيها.

الاستجابة العاطفية:

يعتقدُ الباحث آندرسون أنَّ القردةَ والكلابَ تجري تقييماً لسلوك الأفراد بطريقةٍ مماثلةٍ للتي يجريها أطفال البشر؛ إذ يقول: "إذا تصرّف أحدهم بطريقة معادية للمجتمع، فربما تتوصل هذه الحيوانات إلى نوع من رد فعل عاطفي سلبي تجاهه". وفي الغالبِ تستخدمُ القردة في الطبيعة آلياتٍ مشابهةً لتحليل تصرفات بني جنسها وتقرير من هم الأفراد الذين يستحقون أن تتعاون معهم. هذا ما يقوله اختصاصي الرئيسيات العليا فرانس دو فال Frans de Waal من جامعة إيموري في ولاية جورجيا الذي كتب عن أصول الدافع الأخلاقي، فهو يقول إنَّ الدوافعَ الأخلاقيةَ تنبع من ماضينا التطوري كرئيسيات عليا اجتماعية، فقد تطوّر البشر ضمن جماعاتٍ صغيرة متماسكة ومتعاونة ولذا أصبح البشرُ أكثرَ قدرةً على الإحساس بمشاعر بعضهم بعضاً وقراءة احتياجاتِهم وإدراك نوايا بعضهم بعضاً. وإذا كانت هذه الحيواناتُ قادرةً على تحرّي الميول والنزعات التعاونية عند بشر مثلوا أمامها، فهي حتماً قادرة على إدراك ذلك عند رفاقها من القردة العليا.

إنّ العلاقاتِ طويلةَ الأمد التي تشكّلها الكلابُ بوصفها حيواناتٍ أليفة مع البشر تعني أنَّ هذه الكلاب تطوّرت لتمتلكَ حسّاً واستشعاراً عالياً للسلوك الخاص بنا كبشر وطريقة تعاملنا مع الكلاب نفسها أو مع الأشخاص الآخرين في بيئتنا، ولربما يكون الدافعُ الأخلاقيُّ الخاص بنا نحن البشر يمتلك أصولاً وجذوراً تعود إلى هذه الأشكال من التقييمات البدائية لسلوك الآخرين. يقول آندرسون: "أعتقد أنَّه يوجد عند البشر هذا النوع من الحساسية والاستشعار تجاه التصرفات المعادية للمجتمع بشكل أساسي، وبعد النضوج وتقدّم الوعي، ونتيجةً لتضامن عوامل التعليم والتثقيف فإنَّ الحسَّ الأخلاقيَّ يتشكّلُ بمعناه الكلي".

تسهم القدرةُ على تقييم سلوك الآخرين في تأمين الاستتباب والاستقرار في الأنظمة الاجتماعية المعقدة من خلال منح الأفراد القدرة على استبعاد الأنماط الاجتماعية السيئة، وإنَّ هذه القدرة على الاستبعاد لا تعني فقط أن الأفرادَ القادرين على إجراء التقييمات لسلوك الآخرين يستطيعون تجنّبَ التعامل الاجتماعي المؤذي لهم، بل أيضاً ثني الأفراد عن التصرف بشكل مشين أو سيئ في المقام الأوّل، على افتراض أنَّ هؤلاء الأشخاص لا يرغبون بأن يُقصَون من النظام الاجتماعي.

يرى دو فال أنَّ هناك رابطاً قويّاً بين الدافع الأخلاقي ومكانة الفرد أو سمعته، فهو يقولُ بأنَّ الدافعَ الأخلاقيَّ لدى البشر قائمٌ بشكل أساسي على بناء السُّمعة أو المكانة، وإلَّا فلماذا يبذل الإنسان جهداً من أجل أن يكون صالحاً إن لم يكن هناك من يهتم بذلك؟

تضافُ هذه التجربةُ إلى مجموعة من الدراسات التي تحاول اكتشافَ أصول الدافع الأخلاقي لدى البشر، وتبيان الصورة الكاملة حيال هذا الموضوع، والإجابة عن الكثير من التساؤلات التي تتعلّق بنشأة الدين والصفات الإنسانية التي تميّز البشر. لا يمكننا بالضرورة استنتاجُ أنَّ ما سبق يجعل القردةَ كائناتٍ أخلاقية، ولكنَّه يشكّل آليةً أساسيّةً لتشكيل ذلك الدافع الأخلاقي، لذلك كن لطيفاً ولا تبدِ سلوكاً سيئاً وإلا فإنَّ حيوانك الأليف سيحكم عليك!

المصادر:

هنا

هنا