البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

محاربة الأورام الدماغية عبر تقنية إعادة برمجة الخلايا

استمع على ساوندكلاود 🎧

تخيّل وجود خلايا قادرة على التجول في أنحاء دماغك وتقوم باصطياد الخلايا الورمية فيه والقضاء عليها، وبعد أن تنتهي هذه الخلايا المحاربة من أداء مهمتها تختفي في جسمك دون أن تبقي لنفسها أيّ أثر.

تمكن الباحثون من تحقيق ذلك في الفئران عبر استحداث خلايا متخصصة في اصطياد الأورام، مشتقة بالأصل من خلايا بشرة بالغة، قادرة على تقليص حجم الورم حوالي 2% إلى 5% من حجمه الأصلي. وعلى الرغم من حاجتنا لاختبار هذه الآلية بشكل أكبر عند البشر فإن هذه الطريقة الجديدة في العلاج قد تشكّل حلّاً واعداً للأطباء في تقديم علاجات سريعة وتطوير خطة ملائمة للقضاء على أنواع خبيثة من سرطانات الدماغ مثل الورم الأرومي الدبقي glioblastoma. أما الأمر المدهش في الموضوع أنّ الوقت اللازم للحصول على الخلايا المُستهدِفة للأورام في الفئران كان أربعة أيام فقط.

ينتمي الورم الأرومي الدبقي إلى مجموعة الأورام الدماغية التي تنشأ من الخلايا الدبقية (نوع من الخلايا الدماغية)، ويعتبر هذا النوع هو الأكثر شيوعاً وفتكاً من بين الأورام الرئيسية التي تنشأ في الدماغ (المصدر2) فهو قادر على إيقاع ضحاياه خلال فترة قصيرة تتراوح ما بين 12 إلى 15 شهراً.

تقوم الأورام الأرومية الدبقية بنشر استطالاتها وامتدادات لها في أنحاء النسيج الدماغي وتعشّش فيه بعمق مما يجعل من الصعب استئصالها جراحيّاً. كما أنّها، بالإضافة إلى عديد من السرطانات الأخرى، تقوم بإرسال إشارات كيميائية تقوم بجذب الخلايا الجذعية، إذ يعتقد العلماء أن الخلايا الجذعية تتعرف على الخلايا الورمية على أنها جرح يحتاج للعلاج، فتتجه الخلايا الجذعية إلى منطقة الورم من أجل إصلاح الضرر، وهذا الأمر هو ما منح العلماء سلاحهم السري الذي تمثل باستغلال تلك النقطة في عمل الخلايا الجذعية، فلو استطاعوا أن يستغلوا قدرة الخلايا الجذعية الطبيعية بالتوجه نحو أماكن الأورام فإنه من الممكن التلاعب بالخلايا الجذعية لإيصال أدوية ومواد قاتلة للورم، بمقادير معينة تصل إلى الخلايا الورمية بدقة.

هل يوجد أي تجارب سابقة حول استخدام الخلايا الجذعية في علاج الأورام الدماغية؟

يقول Shawn Hingtgen عالم أحياء مختص بالخلايا الجذعية في جامعة كارولاينا الشمالية في Chapel Hill إن أحد الأبحاث السابقة استغلت هذه الطريقة باستخدام خلايا جذعية عصبية، تصدر عنها الخلايا العصبية والأنواع الأخرى من الخلايا الموجودة في الدماغ، من أجل أن تقوم باصطياد الخلايا الورمية في أدمغة الفئران، وفي نفس الوقت إيصال الأدوية المكافحة للورم، ولكن عدداً قليلاً من الباحثين حاولوا تطبيق هذه الطريقة لدى البشر، لأن استحصال هذه الخلايا الجذعية ذات الأصل العصبي هو أمر صعب.

ما هي طرق الحصول على هذه الخلايا المميزة؟

يوجد حاليّاً ثلاثة طرق من أجل استحصال هذه الخلايا: فإما أن يأخذ الباحثون الخلايا من المريض نفسه، أو أن يتم أخذها من مريض آخر بعد التأكد من التوافق النسيجي بين المريضين (استحصال بالحصد)، أو أن يقوموا بإعادة برمجة وراثية للخلايا البالغة لتحويلها إلى خلايا جذعية.

ما هي المشاكل محتملة الحدوث عند محاولة الحصول على الخلايا الجذعية بالطرق المذكورة سابقاً؟

لكن عملية الاستحصال بالحصد تحتاج إلى إجراء عمليات جراحية معقدة بعض الشيء، كما أن استحصال الخلايا الجذعية من خلايا بالغة يحتاج إلى تطبيق عملية تتألف من مرحلتين مما يزيد خطورة تحول هذه الخلايا إلى خلايا سرطانية نتيجة احتمالية ورود بعض الأخطاء الجينية أثناء حدوث المراحل.

أمّا المشكلة الأخرى في الطريقة التي استهدفت أخذ الخلايا من شخص آخر لمعالجة مريض السرطان قد تفعّل الاستجابة المناعية ضد الخلايا الأجنبية.

كيف تمكّن الباحثون في هذه الدراسة الجديدة من التغلب على بعض تلك المشاكل؟

ومن أجل حل تلك المشاكل التي واجهت الباحثين في التجارب السابقة قام Hingtgen بخدعة لجعل العملية كلها تتحقق بمرحلة واحدة ضمن إعادة البرمجة الوراثية، فقام هنغتين مع زملائه بمعالجة الخلايا الجلدية بمزيج من المواد البيوكيمائية للوصول إلى الشكل الذي تظهر فيه خصائص وسمات الخلية العصبية فاختصروا بذلك العملية التقليدية التي يجب فيها أولاً إعادة الخلية الجلدية إلى مرحلة الخلية الجذعية المعيارية ومن ثمّ تحويل هذه الخلايا إلى خلايا جذعية عصبية.

كانت العقبة التالية أمام العلماء لمواجهتها هي فيما إذا كانت هذه الخلايا قادرة على التحرك نحو الخلايا الورمية في أطباق المخبر، وليس ذلك فحسب بل في جسم الحيوان أيضاً، كما تفعل بالأصل الخلايا الجذعية العصبية.

كانت النتيجة المبهرة عندما شاهد الباحثون الخلايا الناتجة عن تجربتهم تقوم بالزحف ضمن أطباق الزرع المخبرية نحو الخلايا الورمية واستطاعت أن تخترق خلايا الورم الأرومي الدبقي المنماة في المخبر، لقد كان ذلك بمثابة إنجاز عظيم بالنسبة إليهم.

تقدمت تلك الخلايا بسرعة 500 ميكرون خلال 22 ساعة –وذلك يعادل عرض خمس شعرات من شعر الإنسان بجانب بعضها- وتلك سرعة كبيرة بالنسبة لمقادير السرعات على المستوى الخلوي ضمن الجسم.

كما تمّ تزويد الخلايا بأدوية معالجة للسرطان من أجل تأمين محاربة فعالة للورم الأرومي الدبقي في الفئران.

لكن عند الحديث عن دماغ الإنسان فيجب على الخلايا الجذعية أن تقطع 20 ضعفاً من المسافة المذكورة سابقاً حتى تصل إلى هدفها.

كيف كانت النتائج؟

بينت النتائج أن الأورام التي حُقنت مباشرةً بالخلايا الجذعية المعاد برمجتها تقلصت حوالي 20 إلى 50% خلال 24-28 يوماً مقارنة بأورام الفئران التي لم تُحقن بالخلايا الجذعية.

كما أن معدل البقاء لدى الفئران المعالجة ازداد بمقدار الضعف.

في بعض الفئران أُزيلت الأورام بعد أن تم تحريض نموها داخلهم، وبعد ذلك حُقنت الخلايا الجذعيّة ضمن الجوف المتشكل نتيجة إزالة الورم، فكانت الأورام الناتجة عن بقايا الخلايا الورمية أصغر بمعدّل ثلاث مرّات ونصف في الفئران المعالجة.

في النهاية يجب القول بأنه يجب إجراء المزيد من التجارب الدقيقة من أجل تحديد مدى فعالية وتأثير هذه التقنية الجديدة في المعالجة ومعرفة المدى الذي يمكن للخلايا المتعقبة للورم أن تقطعه للوصول إليه.

ويجدر بالذكر أن الاستجابة المناعية التي تتحرّض في جسم المريض عند إدخال خلايا جذعية عصبية مستأصلة من شخص آخر قد تساهم فعلاً في مهاجمة الأورام.

حاليّاً يقوم Hingtgen وفريقه بإجراء المزيد من الاختبارات لمعرفة المسافة الذي يمكن للخلايا التي عملوا عليها أن تقطعها وذلك ضمن نماذج حيوانية أكبر حجماً من الفئران. كما أنهم يقومون بالحصول على الخلايا الجلدية من مرضى الأورام الدبقية الأرومية ليتأكدوا من أن طريقتهم االجديدة في العلاج ستقدّم المساعدة المأمولة لمرضاهم.

المصادر:

1- هنا

2- هنا