الفيزياء والفلك > أساسيات الرصد الفلكي

أساسيات الرصد الفلكي_ الجزء الخامس: نقاط البداية

استمع على ساوندكلاود 🎧

نقاط البدايّة:

بعد أن عرّفنا لكم بشكلٍ نظريٍّ السّماء وحركتها ومحتوياتها، حان الآن وقت التّطبيق العمليّ.

سنبدأ الآن بإرشادكم في رحلتكم بين النّجوم والمجرّات في هذا الكون الفسيح. لكن قبل أن نبدأ علينا تخصيص هذا المقال لتعريفكم بنقاط البداية وكيفيّة حساب المسافات الظاهريّة بين النّجوم.

نقاط البدايّة هي نجوم واضحةٌ جداً في السّماء لا يُمكن تُخطئ بتمييزها. ما نعنيه بهذا، أنّ هناك بعض النّجوم في السّماء تتفرّد بلمعانها ومكانها، بحيثُ يمكننا معرفة تماماً أين ننظر عندما نرى تلك النّجوم، تلك النّجوم ستكون نقاط البدايّة. ومن تلك النّجوم سوف نحسب بعض المسافات بطرقٍ عاديّةٍ وبسيطةٍ جداً لنجد أهدافاً خافتةً ومُثيرة.

في البدايّة سنتعرّف على كيفيّة حساب المسافات الظاهريّة بين النّجوم. وحدة القياس هي الدّرجة. هذا يعني أن المسافة الظاهريّة بين نجمين قد تكون درجة أو درجتين أو أكثر. وليس بالمتر. لم الدّرجة وليس المتر؟ الأمر يعود إلى شبكة الإحداثيات الفلكيّة، لن نتعمّق بالأمر كثيراً ودعونا ندعو المسافة في هذه الحالة بواحدة الدّرجة. إن تناسق جسم الإنسان وتناسق الأحجام في الجّسم الواحد جعل البشريّة قادرةً على إيجاد قاعدةٍ موحدةٍ لحساب المسافات في السّماء. في البدايّة عليك مدُّ ذراعِك اليُمنى وشدها بأكثر ما يمكن، لا تثنِ ذراعك اجعلها ممددة. ومن ثم تغلق عينك اليُسرى وتنظر إلى يدك بعينك اليُمنى. والآن كلُّ ما عليك فعله هو إظهار الحركات التّاليّة:

المسافة التّي يُغطيها الخِنصر تُعادل درجةً واحدة.

المسافة التّي تغطيها الأصابع الثلاثة معاً تعادل خمس درجات.

المسافة التّي تُغطيها قبضة اليد تُعادل عشر درجات.

المسافة التّي يغطيها الإصبعين معاً مع المسافة بينهما تُعادل خمسة عشر درجة.

المسافة التّي يُغطيها الإصبعين معاً مع المسافة بينهما تُعادل خمسٌ وعشرون درجة.

كما ذكرنا سابقاً، تناسق جسم الإنسان جعل القاعدة السّابقة صالحةً وصحيحةً لكلّ شخص. بالطبع، المسافات المحسوبة ليست دقيقةً تماماً ولكنها قاعدةٌ مُفيدة تساعدنا كثيراً بالوصول إلى هدفنا وسهلةُ الفهم والاستعمال.

أما الآن دعونا نبدأ بنقاط البدايّة.

يتميز فصل الرّبيع بوجود كَوكَبة الدّب الأكبر في وسط السّماء تماماً، فأين ماكنت في فصل الرّبيع، كلُّ ما عليك فعله هو النّظر إلى الأعلى تماماً وستجد كَوكَبة الدّب الأكبر. ما يمكن تمييزه في كَوكَبة الدّب الأكبر هو تشكيلة النّجوم المُسماه بالعربة الكُبرى الصّورة أدناه توضح شكل التّشكيلة في السّماء.

كَوكَبة الدّب الأكبر هي مجموعة النّجوم الظّاهرة بالصّورة، أما المجموعة الملوّنة باللّون الأحمر هي العربة الكُبرى. تلك المجموعة تمتدُّ في السّماء على مسافة ثلاثين درجة. فإذا رسمنا من النّجم الأخير قوساً يُكمل الانحناء في مجموعة نجوم العربة الكُبرى ويمتد ثلاثين درجةً في السّماء فسنصل إلى نجمٍ لامعٍ جداً يُدعى السّماك الرّامح (Arcturus) في كَوكَبة العواء (Boötes). السّماك الرّامح هو ألمع نجمٍ في تلك المنطقة لذا فالنّجم لا يُضللّ الباحث عنه. الصّورة التّالية توضّح طريقة إيجاد السّماك الرّامح.

وإذا تابعنا رسم القوس نفسه لثلاثين درجةٍ أُخرى فسنصلُ إلى نجمٍ يُدعى السّماك الأعزل (Spica). السّماك الأعزل هو ألمع نجمٍ في منطقته وهو أخفتُ قليلاً من السّماك الرّامح.

والآن نعود إلى العربة الكُبرى ولننظر إلى النّجمين الذين يُشكلان جوف العربة القريب من مِقبض العربة. والآن نتخيل خطاً باتّجاه الجّنوب على امتداد خمسةٍ وأربعين درجة. سنصل إلى نجمٍ لامعٍ يُدعى نجم المليك أو قلب الأسد (Regulus). الصّورة التّاليّة توضح ما ذكرناه:.

هذه النّجوم الثلاثة، السّماك الرّامح، السّماك الأعزل وقلب الأسد هي أهمّ النّجوم في رحلتنا في السّماء في فصل الرّبيع. سنُطلعكم في مقالاتٍ لاحقةٍ كيف تنطلقون من هذه النّجوم للّوصول إلى أهدافٍ أخرى. والآن دعونا نُعرّف أهم النّجوم ونقاط البدايّة في سماء فصل الصّيف.

أهم ما يميز سماء فصل الصّيف هو مثلّث الصّيف (Summer Triangle) المُثلث مكونٌ من ثلاثةِ نجومٍ لامعةٍ تلك وهي النّسر الواقع (Vega)، ذنب الدّجاجة (Deneb)، النّسر الطائر (Altair). الصّورة التّاليّة توضح مثلث الصّيف في السّماء:

لإيجاد مثلث الصّيف علينا بالعودة إلى العربة الكُبرى. علينا الانتباه لأن العربة الكُبرى في فصل الصّيف تتواجد باتجاه الشّمال الغربيّ. وليس كما في فصل الرّبيع في الأعلى تماماً. نرسم من النّجمين الذين يُشكلان حوض العربة والقريبين من المقبض خطاً باتجاه وسط السّماء، نتابع رسم الخط على مدى ستين درجة، عندها نُلاحظ وجود نجمين لامعين جداً على يمين ويسار الخط. النّجمين هما النّسر الواقع وذنب الدّجاجة، النّجمين يسهل التّفريق بينهما إذ أن نجم النّسر الواقع ألمع من نجم ذنب الدّجاجة. الصّورة التّاليّة توضح كيفيّة إيجاد النّجمين:

والآن نُتابع رسم الخط إلى أن نصل إلى نجمٍ لامعٍ جداً، ألمع قليلاً من ذنب الدّجاجة وأخفت قليلاً من النّسر الواقع، ذلك النّجم هو النّسر الطّائر. بهذا يكتمل مُثلث الصّيف لدينا.

والآن نجد السّماك الرّامح بنفس الطّريقة التّي وجدناه بها في فصل الرّبيع، والآن نرسم خطاً وهمياً بين السّماك الرّامح والنّسر الواقع. ذلك الخط يمرّ من كَوكَبات مُهمةٍ سنستخدُمها فيما بعد لإيجاد أهدافٍ أخرى.

والآن لنتخيل أنفسنا واقفين تحت السّماء المُعتدلة في فصل الخريف. أهم ما يميّز سماء الخريف هي كَوكَبة ذات الكُرسي (Cassiopeia)، الكَوكَبة لها شكلٌ ممُيزٌ وسهل الإيجاد.

لإيجادها نعود إلى مجموعة العربة الكُبرى وننطلق من النّجم الثّالث للّمقبض (العربة الكُبرى في فصل الخريف تتواجد باتجاه الشّمال) ونرسم خطاً باتجاه وسط السّماء، الخط يجب أن يمتد تقريباً من خمسةٍ وخمسين إلى ستين درجةٍ. ما يميز ذلك الخط أنّه يمرّ من نجم الشّمال. ذلك الخط ينتهي عند كَوكَبة ذات الكرسيّ. الكَوكَبة تأخذ شكل حرف W أو M وتتألف من أربعة نجومٍ تمدُّ على مدى أربعة درجاتٍ في السّماء، الكَوكَبة موجودةٌ تقريباً في الأعلى تماماً. الصّورة التّاليّة توضح كيفيّة إيجاد الكَوكَبة:

الخط باللّون الأخضر يمتدّ مسافة ثمانٍ وعشرون درجةٍ ويُشير إلى نجم الشّمال.

نتابع في تعريف نقاط البدايّة وننطلق معاً إلى فصل الشّتاء، إذ أنَّ اللّيالي الباردة والطّويلة تشكلُ البيئة المثاليّة للّرصد ومشاهدة النّجوم.

أهم ما يميز سماء فصل الشّتاء هو كَوكَبة الجّبّار (Orion)، تلك الكَوكَبة تظهر فقط في فصل الشّتاء وفي ساعات اللّيل المُتأخرةِ جداً في فصل الخريف وساعات الصّباح الباكرةِ جداً في فصل الرّبيع. أما في فصل الشّتاء، فالكَوكَبة تتربّع وسط السّماء ولها شكلٌ لا يوجد له مثيلٌ في السّماء كلها. لذا فإن إيجاد الكَوكَبة أمرٌ سهلٌ جدّاً. كلّ ما علينا فعله هو النّظر بجهة الجّنوب ومن ثم النّظر إلى منتصف السّماء، أي بين الأفق الجّنوبي والأعلى تماماً، عندها سنجد ثلاثة نجومٍ متراصّةً فوق بعضِها البعض، لا مثيل لتلك التّشكيلة في السّماء كلها. تلك النّجوم تشكيل سيف الجّبار. لنتأكد أننا في المكان الصّحيح، ننظر إلى الأعلى قليلاً سنجد ثلاثة نجومٍ بجانب بعضها البعض وفي الأسفل نجمان لامعان مُتباعدان، تُشكّلُ النّجوم الخمسة (النّجمان المتباعدان والنّجوم الثّلاث بجانب بعضها البعض) صندوقاً يحصرُ سيف الجّبار، تلك النّجوم الخمسة تشكيل جسم الجّبار.

الصّورة التّاليّة توضح كَوكَبة الجّبار في السّماء:

تلك الكَوكَبة ستساعدنا كثيراً في إيجاد أهدافٍ أُخرى في السّماء.

نجمٌ آخرُ مهم هو نجم الشّعرى اليمانيّة (Sirius)، ألمع نجوم السّماء. لإيجاد الشّعرى اليمانيّة ننطلقُ من النّجوم الثلاثة في كَوكَبة الجّبار، النّجوم الثلاثة بجانب بعضها البعض، ونرسم خطاً باتّجاه الأفق. الخط يجب أن يمتدّ على مسافة عشرين درجةٍ. عندها سنصل إلى نجمٍ لامعٍ جداً لا مثيل له في. ذلك النّجم هو الشّعرى اليمانيّة. الصّورة التّاليّة توضح كيفيّة إيجاد الشّعرى اليمانيّة:

والآن وبعد أن قدمنا إليكم أهمّ نقاط البدايّة لكل فصلٍ من فصول السّنة، نتابع معكم في مقالات قادمةٍ من هذه السّلسلة لنقدم إليكم أهم الأهداف وأكثرها جمالاً للّمشاهدة.

المصدر:

Night Watch by Trence Dickinson

Stellarium Data Base