الطب > موسوعة الأمراض الشائعة

تصلُّب الجلد (Scleroderma)

استمع على ساوندكلاود 🎧

"تصلُّبُ الجلدِ" أو Scleroderma هو مرضٌ مناعيٌّ غيرُ شائعٍ، يؤدي إلى حدوثِ تصلُّبٍ في الجلد -كما يوحي الاسمُ العربيُّ أو اللاتينيُّ بطبيعةِ الحالِ- إضافةً إلى تأثيرِه في أعضاءٍ أخرى في الجسم. يحدث المرضُ بشكلٍ رئيسٍ نتيجةَ مهاجمةِ الجهازِ المناعيِّ للنسيج الضامِّ* تحتَ الجلدِ وحولَ الأعضاءِ الداخلية، كالرئتين والقلب، مما يؤدي إلى موتِ الخلايا الموجودةِ بشكل طبيعيٍّ في هذه الأماكنِ لِتحُلَّ محلَّها نُدبةٌ ليفيةٌ لا تقوم بالوظائفِ الحيويةِ التي كانت سابقتُها تقوم بها.

هناك عدةُ أنواعٍ لهذا المرضِ، تختلف في شدّتِها وما يؤول إليه حالُ المريض عند إصابتِه بها (ما يُطلق عليه المَآل أو الإنذار prognosis).

أنواعُ المرض:

هناك نوعان أساسيان هما:

1. تصَلُّبُ الجلدِ المُوَضَّع (localized scleroderma)، الذي يصيبُ الجلدَ فقط.

2. تصَلُّبُ الجلد المَجموعِيُّ ( systemic scleroderma)، الذي يؤثّر على الجلدِ وأجهزةٍ أخرى في الجسم.

والآن إلى التفاصيل:

تصَلُّبُ الجلدِ المُوَضَّع:

هو النَّمطُ الأبسطُ (الأقلُّ وطأةً أو شِدةً على المريضِ)، ويصيبُ عادةً الأطفالَ وصغارَ السنِّ، لكن من الممكنِ أنْ يُصابَ به أشخاصٌ أكبرُ من ذلك، ولا يصيب هذا النوعُ من المرضِ سوى الجلدِ. وبالإمكانِ تقسيمُهُ إلى نوعين فرعيَّين آخَرَين، هما:

- تصلُّب الجلدِ المُوَضَّعُ الخطّيُّ، وفيه تكون المِنطقةُ المصابةُ من الجلد على شكلِ خطّ.

- وتصلُّبُ الجلدِ المُوَضَّعُ القُشَيعِيّmorphea localized scleroderma ، والذي تكون فيه المناطقُ المصابةُ على هيئةِ لَطخاتٍ بيضويةٍ تَفقدُ لونَها الطبيعيَّ وتكون حاكّة.

تصَلُّبُ الجلد المَجموعِيُّ:

في هذا النوعِ -وعلى خلافِ سابقِه- فإنّ معظمَ المصابين من النساءِ، وتكون الفئةُ العمريةُ التي يَشيعُ فيها هي ما بينَ 30 و 50 سنةً، وما يميّزُه بدرجةٍ رئيسةٍ عن النوعِ السابقِ هو أنّ الأعضاءَ الداخليةَ للجسم قد تُصاب بالمرضِ أيضاً، لكنّ شدةَ إصابةِ الجلدِ وباقي الأعضاءِ ليست واحدةً في كلِّ الحالاتِ؛ بل يمكن تقسيمُها هي الأخرى إلى فئتين ،هما:

1. تصَلُّبُ الجلدِ المَجموعِيُّ المحدَّد (limited).

2. تصَلُّبُ الجلد المَجموعِيُّ المُنتشِر (diffuse).

وفيما يلي تفصيلُ ذلك:

تصَلُّبُ الجلدِ المَجموعِيُّ المحدَّد:

يصيب هذا النوعُ مناطقَ معينةً من الجلدِ، مثلَ المناطقِ البعيدةِ عن المرفَقِ؛ ونقصد بها اليدين وأسفلَ الذراعين وكذلك القدمَين والرأسَ، وقد يصيب أخيراً الأعضاءَ الداخليةَ كالرئتين والجهازِ الهضمي.

فيما مضى كان هذا النوعُ من المرضِ معروفاً باسم CREST حيث كلُّ حرفٍ من هذه الحروفِ هو الأولُ في كلمةٍ تشيرُ إلى حالةٍ طبيةٍ يسبِّبُها هذا المرضُ، وهي:

(C) Calcinosis أو الكُلّاس، وهو ترسُّبُ الكالسيوم في أنسجةِ الجسم.

(R) Raynaud’s phenomenon أو ظاهرة رينو، وهي تضيُّقُ الأوعيةِ الدمويةِ الموجودةِ في نهايةِ الأطراف (في أصابعِ اليدينِ على وجهِ الخصوص)، نتيجةَ البردِ ممّا يسبّب الألمَ وشحوبَ لونِ الجلدِ وموتَ أنسجةِ هذه المِنطقة.

يدان مصابتان بظاهرة رينو

(E) Esophageal dysmotility أي "عُسرُ تحرُّكِ المريء، وذلك نتيجةَ تضرُّرِ (تلَف) النسيجِ الطبيعيِّ فيه، وتَوَضُّعِ نسيجٍ ليفيٍّ غيرِ فعّال، كما سنرى فيما بعد) والذي قد يسبب عودةَ الطعامِ من المعدةِ إلى المريء)، وهو ما يُعرفُ بالقَلَس، ومن ثَمَّ يولّد حسَّ الحرقة.

(S) Sclerodactaly تصلُّب الأصابع**.

تصلّب الأصابع، وصعوبة تحريكها نتيجة لهذه الحالة

(T) Telangiectasia أي توسُّعُ الشُّعَيراتِ الدمويةِ، وذلك نتيجةَ ترسُّبِ موادَّ ليفيةٍ كالكولّاجين في جدارِها الداخليِّ، ويحدثُ ذلك بدورِه نتيجةً لتأثيرِ الجهازِ المناعيِّ غيرَ الطبيعيِّ عليها في سياقِ مرضِ تصلُّبِ الجلد.

طبعاً ليس من الضروريِّ أن تكونَ جميعُ هذه التظاهُراتِ موجودةً لدى كلِّ المرضى.

تصَلُّبُ الجلد المَجموعِيُّ المُنتشِر:

هذا النوعُ من المرضِ هو الأشدُّ، وتكون فرصةُ إصابةِ الأعضاءِ الداخليةِ هي الأكبرُ، ومن الممكنِ أن تُصابَ أيُّ مِنطقةٍ من الجلدِ بالتَسَمُّك، وقد يعاني المريضُ من أعراضٍ أخرى كفقدانِ الوزنِ والتعبِ وألمِ وتيبُّسِ المفاصلِ. ويصيب المرضُ - كما أشَرْنا أكثرَ من مرةٍ- بعضَ الأعضاءِ الداخليةِ في الجسم، مثلَ القلبِ والرئتين والكليتين، مما يؤدي إلى أعراضٍ كضيقِ النفَسِ وارتفاعِ الضغطِ الدمويِّ والرئويّ(هنا) (هنا).

وهناك حالةٌ مميَّزةٌ تُسمى تصلُّبَ الجلدِ دونَ تصلبِ الجلد! وهي تصيب الأعضاءَ الداخليةَ دون أن يتأذّى الجلدُ بالمرض(هنا).

الآلِيّة المَرَضيّة:

مع الأسف، فإنّ الآليةَ الدقيقةَ ليست مفهومةً بوضوحٍ إلى الآن، ولكنْ يُعتقَدُ أنّ ثلاثةَ خطواتٍ تتسبب في المرض، وهي:

- التكاثرُ الشديدُ للخلايا المولِّدةِ للّيف.

- تراكُمُ الكولّاجين بشكلٍ كبيرٍ في أنسجةِ الجسم.

- اضطرابُ مناعةِ الجسم.

في البدايةِ، قد يسببُ عاملٌ غيرُ معروفٍ أذيّةً للخلايا التي تبطِّن الأوعيةَ الدمويةَ؛ خاصةً الصغيرةَ منها، مما يؤدي إلى ردِّ فعلٍ مناعيٍّ وإطلاقِ عواملَ مناعيةٍ متعددةٍ في الدمٍ. هذا كلُّه يؤدي إلى وصولِ خلايا متنوعةٍ إلى مِنطقةِ الأذيّةِ، ومن ضمنِها الخلايا المولِّدةُ للّيفِ والتي تقوم بتشكيلِ الكولّاجين وترسيبِه. وممّا سبق نرى أهميةَ الدورِ المناعيِّ والخلايا المولِّدةِ للّيفِ وتراكُمِ الكولّاجين في إحداثِ المرضِ، وهذا كلُّه يساعدُنا في تفسير الأعراضِ، فالأذيّةُ التي يسببُها عاملٌ ما (أو حتى الجهازُ المناعيُّ نفسُه لخلايا الجسمِ الطبيعيةِ) تؤدي إلى تحريضِ الجهازِ المناعيِّ ومن ثَمَّ إلى وصولِ الخلايا المولّدةِ للّيفِ وترسيبِها للكولّاجين مكانَ الخلايا الأصلية، وهذا الكولاجين لا يستطيعُ القيامَ بوظائفِ الخلايا الأصليةِ، مما يؤدي إلى عجزِ العضوِ عن القيامِ بوظائفِه (فيُصاب المريءُ على سبيلِ المثالِ بِعُسرِ الحركةِ واضطرابِها، ولا يستطيع نقلَ الطعامِ بكفاءةٍ إلى المَعِدة).

مسبِّباتُ المرض Etiology:

قد يكون هناك عواملُ مؤهِّبةٌ وراثيةٌ (جينيّةُ)، وقد يكون للتعاملِ المستمرِّ مع بعضِ الموادِّ، وخاصةً السيلِكا، دورٌ في حدوثِ المرض. توجد موادُّ أخرى قد تساعدُ على ذلك ،مثل: كلوريد الفاينيل، ثلاثيُّ كلور إيثيلين، راتينات الإيبوكسي، البِنزين، رُباعي كلوريد الكربون، ولكنْ يُعتقَد أنّ سببَ حدوثِ المرضِ هو مزيجٌ من الاثنين؛ أي التعرّضُ لمادةٍ ما مع وجودِ عواملَ وراثيّة.

إنّ إصابةَ الإنسانِ ببعضِ الفيروساتِ قد تزيد من احتمالِ إصابتِه بالمرضِ، مثل الفيروس المضخِّمِ للخلايا Cytomegalovirus، وفيروسِ الحلأِ الخامس Human Herpesvirus 5.

قد يلعب التعرضُ للإشعاعِ أيضاً دوراً في ذلك.

الانتشار والوبائيّات:

يختلف الانتشارُ حسبَ التوزعِ الجغرافيِّ، ولكنْ في الولاياتِ المتحدةِ هناك 276 شخصاً مصاباً في كلِّ مليونِ نسمة. يصيب المرضُ الأشخاص من العِرقِ الأسودِ وذَوِي الأصولِ الأفريقيةِ أكثرَ من البِيضِ، ويصيبُ النساءَ أكثرَ من الرجالِ بمقدارِ 5-9 مرات.

يُصيبُ المرضُ الناسَ بين العَقْدين الثالث والخامس من عمرهم (هنا).

التشخيص:

يَعتمد التشخيصُ بالدرجةِ الأولى على دراسةِ الحالةِ المناعيةِ للجسمِ، ودراسةِ بعضِ المكوِّناتِ المناعيةِ، مثلَ الـ ANA، وشرحُها لا يسَعُه المقامُ (هنا).

المضاعفات***

تَنتُجُ المضاعفاتُ عن ترسُّبِ الكولّاجين في بعضِ الأنسجةِ، وعن ردِّ الفعلِ المناعيِّ للجسمِ على خلايا الجسم. ومن هذه المضاعفاتِ:

ارتفاعُ ضغطِ الدمِ والفشلُ الكُلْوِيُّ والتلَيُّفُ الرئويُّ والتهابُ العضلات (هنا).

العلاج:

لا يوجد علاجٌ يؤدي إلى الشفاءِ من تصلّبِ الجلدِ، لكنّ العلاجَ المقدَّمَ يَعمَدُ إلى تخفيفِ الأعراضِ وتأخيرِ تقدُّمِ المرضِ والسيطرةِ على الاختلاطات أو المضاعفات (كعلاجِ ارتفاعِ ضغطِ الدم)، وعليه فإنّ معظمَ العلاجاتِ الشائعةِ هي:

- أدويةٌ خافضةٌ للضغط

- أدويةٌ مثبِّطةٌ للمناعة

- ستيروئيدات steroids لتخفيفِ الألمِ وتيبُّسِ المفاصل

- أدويةٌ لتحسينِ الجرَيانِ الدمويِّ (وذلك بسبب المشكلاتِ الوعائيةِ، خاصةً ظاهرة رينو)(هنا).

الإنذار (Prognosis):

الإنذارُ هو المآلُ الذي يَنتظر المريضَ في مستقبلِه، ولحُسنِ الحظِّ، فنسبةُ الوَفَيَاتِ ليست عاليةً، لكنّ الأمرَ يعتمد على نوعِ/نمطِ المرض (فالنوع الجهازيُّ أو المَجموعِيُّ المنتشرُ هو الأسوأ إنذاراً). ويكون إنذارُ المرضِ أسوأَ إذا كان المريضُ صغيراً، وكان المرضُ مترقِّياً بسرعة (تزداد وطْأتُه بسرعة)، وفي حالِ كَونِ المريضِ مصاباً بأمراضٍ كفقرِ الدم. كذلك يسوءُ الإنذارُ في حال إصابةِ المرضِ لعدّةِ أجهزةٍ في الجسم.

لمحة تاريخية:

نُنهي المقالَ، من حيث بدأتْ قصةُ المرضِ، حيث شُخِّصَ لأولِ مرةٍ من قِبلِ ‘أبوقْراط‘ المعروفِ بأبي الطبِّ القديمِ، وفي عام 1836 استَخدمَ Giovambattista Fantonetti (جيوفامباتّيستا فانتونيتّي) مصطلحَ “skleroderma generale” ليصفَ مريضاً يعاني من تيبُّسٍ في المفاصل. وفي عام 1945 وصَفَ H. Goetz المرضَ على أنّه مَجموعِيٌّ (أي يشملُ عدةَ أعضاءٍ في جسمِ الإنسان) وتتابعتْ الاكتشافاتُ حتى وصلتْ المعرفةُ الطبيةُ إلى الشكلِ الذي نراه اليوم(2).

* والنسيجُ الضامُّ هو مجموعةٌ من الخلايا والمادةِ بينَ الخَلَوِيّةِ التي تؤمّن للجسمِ هيكلَه العامَّ وتَجمَعُ أنسجتَه الأخرى إلى بعضِها.

** تصلُّب الأصابع: هو تثَخُّنٌ وقساوةٌ موضعيةٌ في جلدِ الأصابعِ، تترافق مع ضُمورِ النسيجِ في هذه المِنطقةِ، ويسبّب ذلك صعوبةً في تحريكِ الأصابع.

*** الاختلاطات: هي مشكلةٌ تَحدُثُ بشكل تابعٍ أو نتيجةً لمرضٍ أو عملٍ جراحيٍّ.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

مصادر الحاشية:

1- هنا

2- هنا

3- هنا