منوعات علمية > منوعات

فوغراي Fuggerei: حيث السكن بدولار واحد فقط!

استمع على ساوندكلاود 🎧

هل سمعتم قبلًا بمُجمّع فوغراي Fuggerei في ألمانيا؟ والذي يُعتبر أقدم مجمّع سكني اجتماعي في العالم لا يزال قيد الاستخدام، وهو الآن أحد المناطق السياحية الأكثر جذبًا للسياح في ولاية بافاريا الألمانية، ولكن هناك ما يميزه عن بقية المدن، ماهو هذا الشيء؟ التفاصيل في التقرير التالي:

تاريخ فُوغِراي:

أنشأَ شخصٌ يدعى ياكوب فُوغِر Jakob Fugger، المُلقّب بالثريِّ، هذا المُجَمّعَ لمساعدةِ المُحتاجين من سُكّانِ مدينة أوغسبرغ Augsburg الألمانيّةِ، فقد كان لِشدّةِ ثرائِهِ يَسُكّ القِطَعَ النّقديّة للفاتيكانِ ويُموِّل الإمبراطوريةَ الرّومانيّةَ.

على عكسِ العديدِ مِنَ الأغنياءِ الآخرين، كانَ فُوغِر ملتزمًا بالقيامِ بالأعمالِ الخَيريّةِ، لدرجةِ قيامِهِ بتمويلِ إنشاء مباني مُجمّعِ فُوغِراي بدفعة أوليّة قدرُها 10 آلافِ عملةٍ ذهبيّةٍ بينَ عامَي 1514 و 1523.

تمّ تصميمُ المباني الأصليّةِ في هذا المُجمّعِ مِن قِبَلِ المهندسِ المعماريِّ توماس كريبس Thomas Krebs، أمّا كنيسةُ ساينت مارك St. Mark فقد أضافَها المعماريُّ هانز هول Hans Holl في عام 1582. وعلى مدى الأعوامِ التّاليةِ تمّتْ إضافةُ المزيدِ مِنَ المساكنِ ونافورةِ مياهٍ كبيرةٍ والعديدِ من المرافِقِ الأخرى حتى عام 1938.

للأسف، لَمْ ينجُ مُجمّعُ فُوغِراي - كالعديدِ مِنَ المُدُنِ الألمانيّةِ الأخرى - مِن ويلاتِ الحربِ العالميّةِ الثّانيةِ، إذ لحقَتْ به أضرارٌ جسيمةٌ في في عامِ 1944 تُقاربُ ال70% من المباني، لكنّ العديد مِنَ السُكّانِ احتموا في الملجأِ الذي بُنيَ عام 1943 تَحَسُّبًا لِمثلِ هذه الكارثةِ خلالَ الحربِ، وأصبح هذا الملجأُ لاحقًا متحفًا لتلكَ الحادثةِ والدمارِ الذي حلَّ بالمُجمّعِ وما لَحِقَهُ مِن إعادةِ إعمارٍ.

بدأَتْ أعمالُ التّرميمِ مباشرةً بعد حصولِ الأضرارِ في المُجمّعِ لإبقاءِهِ ورسالتِهِ من العناصرِ الفاعِلةِ في المجتمعِ لمساعدةِ المحتاجين، إذ تمَّ ترميمُ الأبنيةِ التي تضرّرتْ أثناءَ الحربِ مَعَ إضافةِ العديدِ مِنَ المباني الأخرى، مِنها مبنيانِ جديدانِ لإيواء النّساءِ والأُسرِ التي أصبحَتْ بِلا مأوى؛ ولِحُسنِ الحظِّ تمَّ التّرميمُ بمراعاةِ الشّكلِ الأصليِّ والسّياقِ التّاريخيِّ.

لطالما تكيّف فُوغِراي مع تغيّرات العُصور، إذ بُنيَت كنيسةٌ فيه عام 1582 عندما تغّير حالُ الكنيسةِ القريبةِ من الكاثوليكيّةِ إلى البروتستانت، وأُنشِئَت مدرسةٌ في منتصف القرن الـ17 لتقديمِ التّعليمِ القائمِ على الكاثوليكيّةِ للأطفالِ. وبالإضافةِ لما ذكرنا سابقًا عن التّغيّراتِ التاليةِ للحربِ، ولاستيعابِ الحشودِ المتزايدةِ مِنَ السيّاحِ، تمّ إضافةُ محلٍّ لبيعِ الهدايا وحديقةُ بيرةٍ (جُعة).

ويجدر بالذكر أنّ مِن أشهرِ مَن أقامَ في مباني فُوغِراي هو والدُ جدِّ الموسيقارِ المشهورِ موزارت، وكانَ معماريًّا سكن في فُوغِراي مِن عامِ 1681 إلى عامِ 1694.

ما الهدفُ مِن إنشاءِ فُوغِراي وما الذي يجعلُهُ مميزًا؟

يقوم المُجمّعُ على فكرة "ساعِدهُم ليُساعِدوا انفُسَهم"، إذ لم تُعطَ البيوتُ للمتسوّلين وشديدي الفَقرِ، بل كانَتْ أولويةُ السّكنِ في المقامِ الأوّلِ للحِرَفيينَ والعمّالِ وعائلاتِهم. كما وَجدَ العديدُ من الآخرينَ في هذا المُجمّعِ مكانًا للبدءِ بمشاريعِهِم الجديدةِ وعرضِ سلعِهِم المتنوّعةِ.

لا يملكُ فُوغِراي ماضٍ مميزًا فقط، وإنّما يملكُ حاضرًا أكثرَ تميّزًا، فسكان هذا المُجمّعِ يدفعون إيجارًا سنويًّا لم يتغيّر منذ عام 1520. يعادلُ هذا الإيجارُ 88 سنتًا أوروبيًا، أي أقلَّ مِن دولارٍ أمريكيٍّ واحدٍ.

هل الصّورةُ ناصعةٌ إلى هذه الدرجةِ؟

قد يتبادرُ إلى الذّهنِ سؤالٌ بديهيٌّ؛ فإنْ كانَت هذهِ هيَ الحالُ فلماذا لا يسكنُ الجميعُ هناك؟ الجوابُ بكلِّ بساطةٍ هو محدوديّةُ عددِ الأبنيةِ والمنازلِ التي تقتصرحاليًا على 67 منزلًا و 147 شقةً، وبالتالي يجبُ على من يريدُ السّكنَ في منازلِ فُوغِراي أن يُسجِّلَ دوّرَهُ في قائمةِ الانتظارِ لفترةٍ قد تصلُ إلى أربعةِ سنواتٍ، لدرجةِ أنّ البعضَ يقولُ إنّ السّكنَ في فُوغِراي أشبهُ بالفوزِ باليانصيب.

محدوديّةُ المنازلِ ليست العائقَ الوحيدَ أمامَ السّكنِ في فُوغِراي، فتوجدُ متطلّبات مُحدّدةٌ للعيشِ هناكَ. كأن يكونَ المرءُ كاثوليكيًّا مِن سُكّانِ مدينة أوغسبرغ وأنْ يشاركَ في ثلاثِ صلواتٍ يوميّةٍ، كما يجبُ أن يكونَ محتاجًا لمكانٍ للسكنِ ريثما يتحسّنُ وضعهُ اقتصاديًا.

يُطلب من السّكان أيضَا المساهمة في المجتمع من خلال العمل كحرّاسٍ ليليينَ أو في البَستنةِ.

بالإضافةِ إلى المعاييرِ الصّارمةِ للدخولِ، هناكَ ظروفٌ معيشيّةٌ تقيّدُ من حريّةِ القاطنين! مثلَ حظر التّجولِ ليلًا وإغلاقُ البوّاباتِ كلَّ يومٍ في السّاعةِ العاشرةِ ليلًا، ويجب على من يُريدُ الدخولَ بعدَ ذلكَ مِنَ السّكّان دفع نصف يورو، أو يورو واحدٌ بعدَ منتصفِ اللّيلِ.

ربّما يرغبُ العديدُ مِنَ الأشخاصِ أن يقطنوا في مدينةٍ ساحرةٍ وتاريخيّةٍ وتكادُ تكونُ شِبهَ مجّانيّةٍ، ولكنّ معرفةَ العديدِ مِنَ القوانينِ الصارمةِ التي تحكمُ هذهِ المدينةِ لربّما تجعلُ الرّاغبينَ يعيدوا النّظرَ بالموضوعِ. على كلِّ حالٍ تبقى قصّةُ هذهِ المدينةِ قصّةً فريدةً مِن نوعِها ومميزةً بشكلٍ كبيرٍ.

إعداد: Ali Abdo

تدقيق علمي ولغوي: سهيل زين الدين

المصادر:

هنا

هنا