الفيزياء والفلك > أساسيات الرصد الفلكي

أساسيات الرصد الفلكي_الجزء الرابع: الكوكبات

استمع على ساوندكلاود 🎧

الكَوكَبات:

السّماء، تِلك الرّقعة السّوداء المليئة بالنّجوم والأجرام السّماويّة المُختلفة ترسم لنا كلَّ ليلةٍ صوراً وأشكالاً مُختلفةً لشخصياتٍ وحيواناتٍ خرافيّة كان لها وجود في الأساطير القديمة. عندما ننظر إلى السّماء وندقّق النّظر، سنلاحظ أن بعض النّجوم تأخذ تشكيلاتٍ معينةٍ، نُسمي تِلك التّشكيلات باللّغة العربيّة بـ الكَوكَبات أو باللّغة الإنكليزيّة Constellations.

فما هي الكَوكَبات وما أصلها؟ وكيف يمكنُنا التّعرف عليها؟ وماهي الأبراج الفلكيّة وما علاقتها بالكَوكَبات؟

كما ذكرنا سابقاً، يمكننا تعريف الكَوكَبات على أنّها تشكيلاتٍ من النّجوم تأخذ شكلاً معيناً في السّماء يمكن التّعرف عليه بسهولة. تعود أصول الكَوكَبات إلى قبل 6000 عاماً من يومنا هذا. ولكن العمل الأكثر بروزاً في تاريخ الكَوكَبات هو بيت الشّعر الذي قاله الإغريقي هوميريوس Homer في القرن السّابع قبل الميلاد: "وعليها خلق الأرض والسّماء والبحر والشّمس التي لا تَكلُّ والقمر المُكتمل وكلُّ كوكبات السّماء، الثّريا والقلائص والجّبار العظيم والدّب، الذي يُسمونه النّاس "وين"، فهي تدور في المكان نفسه وتحمي الجّبّار، وهي الوحيدة التّي لا تستحمّ في المحيط.

في القِدم لم تكن الكَوكَبات مقرونةً بحكايا وشخصياتٍ أسطوريّة، إنّما برزت تِلك التّسميّة من الشّكل الذي تأخذه الكَوكَبة. لاحقاً وبحلول القرن الخامس قبل الميلاد أُلحقت قصّةٌ أو أسطورةٌ بكلِّ كَوكَبة. جُمعت النّجوم لأول مرةٍ وبشكلٍ رسميٍّ ضمن كوكباتٍ بمسمياتٍ عديدةٍ في القرن الثّاني بعد الميلاد من قِبل الفلكي والجّغرافي الإغريقي بطليموس Ptolemy الذي توفي فيما بعد بمدينة الاسكندريّة. بطليموس صنّف ما يُقارب 1022 نجماً في 48 كَوكَبة مُختلفةً. في الواقع بطليموس لم يذكُر شيئاً عن كوكبات نصف الكرة الجّنوبي، وعلى الرّغم من هذا فإن تصنيف بطليموس يُعد اليوم حجر الأساس في التّصنيف الجّديد الذي أطلقه الإتحاد الفلكيّ الدّوليّ (International Astronomical Union) حيث صنّف النّجوم في 88 كَوكَبة مُختلفة.

في يومنا هذا عندما نتحدّث عن الكَوكَبات وعِلم الفلك، فإن أوّل ما يُفكر فيه مُعظم النّاس هو الأبراج السّماويّة وعِلم التّنجيم، فما هي تِلك الأبراج وما أصولها وما هو عِلم التّنجيم؟

تعودُ أصولُ الأبراج السّماويّة إلى الحضارة المَصريّة القديمة لتتبناها لاحقاً الحضارة البابليّة التّي يُعتقد أنها مصدر علم التّنجيم. البابليون في القِدم استعملوا علم التّنجيم (أو باللغة الإنكليزيّة Astrology) للتنبّؤ بالأحداث الفلكيّة والتّنبؤ بتقلبات الطّقس، لذا فإن علم الفلك وعلم التّنجيم عند البابليون كان العلم نفسه. لاحقاً قدم البابليون علم التّنجيم إلى الإغريق والعرب، ليحتضنه فيما بعد الرّوم. اليوم لا نزال نستعمل المُسميّات التّي وضعها الرّوم لتسميّة الأبراج السّماويّة.

الأبراج السّماويّة باللغة الإنكليزيّة تعني Zodiac، وهي كلمةٌ مُشتقةٌ من اللّغة الإغريقيّة والتّي تعني "دوائر الحيوانات". الأبراج السّماويّة هي عبارةٌ عن اثنا عشرةَ كَوكَبة (تِلك الكَوكَبات هي: الحمل، القوس، الأسد، السّرطان، العقرب، الحوت، الميزان، الدّلو، الجّوزاء، الجّدي، الثّور والعذراء) تأخذ موقعاً مُميزاً في السّماء. ذلك الموقع يُعرف باسم الخط المداريّ Ecliptic Line، وهو الخط الذي يرسم مسار الشّمس والقمر والكَواكب جميعها عبر سماءنا. يجدر بنا الذّكر أن علم الأبراج السّماويّة وعلم التّنجيم علمٌ مُختلفٌ تماماً عن علم الفلك والفيزياء، فلا علاقة بين العلمين. علاوةً على ذلك، فإن علم التّنجيم علمٌ لا يستند على أساسٍ علميٍّ ثابتٍ على عكس علم الفلك والفيزياء.

تحدثنا حتّى الآن عن تاريخ الكَوكَبات وأصلِها، والآن دعونا نتعرّف على أهم كوكبات سماء اليوم.

نبدأ بإحدى أشهر الكَوكَبات في السّماء، الدّب الأكبر أو باللاتينيّة Ursa Major، تضمّ مجموعة الدّب الأكبر إحدى أشهر النّجوم في السّماء، نذكر منها: القائد (Alkaid)، الدّبه (Dubhe)، الفخدة (Phecda) وغيرها من النّجوم. تبدوا كَوكَبة الدّب الأصغر في السّماء مع القليل من التّخيل بهذا الشّكل:

وكيف لنا أن نذكر الدّب الأكبر دون ذكر صغيره، الدّب الأصغر Ursa Minor. تتألّف كَوكَبة الدّب الأصغر من عدد من النّجوم أهمها: نجم الشّمال (Polaris)، فرقد (Pherkad) ويُسمى أحياناً بأنور الفرقدين، كوكب (Kochab) ويسمى أحياناً بأخفى الفرقدين. ويبدو في السّماء بهذا الشّكل:

كَوكَبة الجّبار Orion وتُدعى أحياناً بكَوكَبة راعي الغنم، وهي تُعتبر إحدى أهمّ وأجمل كوكبات الشّتاء، فهي تتألّف من لوحةٍ مُميزة من النّجوم لا وجود لها في السّماء كلها إلا في هذه الكَوكَبة، نذكر اهم تِلك النّجوم: رجل (Rigel)، سيف (Saiph)، المرزم (Bellatrix)، منكب الجّوزاء (Betelgeuse) وغيرها من النّجوم. تبدوا الكَوكَبة في السّماء بالشّكل هذا:

التّوأمان Gemini، تتألف المجموعة من عددٍ من النّجوم اللامعة التّي تُعتبر ألمع نجوم السّماء، نذكر منها: رأس التّوأم المؤخر (Pollux) ورأس التّوأم المُقدم (Castor).

تبدو مجموعة التّوأمان بالشّكل التّالي:

المرأة المسلسلة Andromeda، علينا ألا نخلط بين كَوكَبة المرأة المُسلسلة ومجرّة المرأة المُسلسلة، فالمجرّة موجودةٌ ضمن مجموعة النّجوم. تتألف المجموعة من عددٍ صغيرٍ من النّجوم أهمها:

عناق الأرض (Almak)، الرّشا (Mirach). تبدو المجموعة في السّماء بالشّكل التّالي:

العقاب Aquila، هي إحدى كوكبات فصل الصّيف، يبرز فيها عددٌ من النّجوم الشّهيرة منها:

ذنب العقاب 1 (Deneb el Okab) وذنب العقاب 2 (Deneb Okab)، النّسر الطّائر (Altairr) والميزان (Tarazed) وهي تبدو بالشّكل التّالي:

إن الهدف من تجميع النّجوم تحت مسميّاتٍ معيّنة وفي مجموعاتٍ كبيرةٍ هو تسهيل عمليّة البحث في السّماء، فإذا قرأت في الأخبار أن هناك حمام شُهب سيحدث في كَوكَبة الدّب الأصغر، فعندها تعرف تماماً أين يجب عليك النّظر. فكيف يمكننا التّعرّف على الكَوكَبات بالعين المجردة وكيف يُمكننا استخدامها لتحديد أهدافنا، هذا ما سنتحدّث عنه في المقال القادم من سلسلتنا هذه، فانتظرونا.

المصادر:

هنا

هنا