الهندسة والآليات > الروبوتات

آخرُ ما توصّلتْ إليه أبحاثُ الجلود الاصطناعيّة - الجزء الأول

استمع على ساوندكلاود 🎧

يحوزُ علمُ الرّوبوت حصّةً كبيرةً من اهتمام مراكز البحث العلميّ والتقنيّ اليومَ، ويعمل المئاتُ من الباحثين يوميًّا على تطوير الرّوبوتات وتحسين تفاعلها مع البشر والحياة اليوميّة. تتنوّعُ أحدثُ الأبحاث في هذا الموضوع بين الاهتمام بالذّكاء الاصطناعيّ، والمرونة في الحركة، وتوفير الطّاقة ومجالات أخرى من تطوير الرّوبوتات.

لكن ثمّةَ دائمًا مجالُ تطويرٍ معيّن يتصدّر اهتمام تلك المراكز عدّةَ سنوات إلى أن ينتقلَ الاهتمامُ إلى مجالٍ آخر. وقد انصبَّ التوجّهُ التطويريّ في السّنوات الماضية على منح الرّوبوت مظهرًا بشريًّا أبرز وأشدَّ تفاعلًا مع محيطِه المباشر. أحدُ الأساليب المُستخدَمَة كان عن طريق تطوير الجلد الاصطناعيّ.

سينقسم حديثُنا عن الجلود الاصطناعيّة إلى مقالين اثنين نستعرض فيهما أربعة أبحاث وتطبيقات توصّلت إليها عدّةُ مراكز علميّة رائدة في مجال الرّوبوت، وعلى الرَّغم من أنَّ الطريقَ لم ينتهِ بعد إلى جلدٍ اصطناعيّ شبيهٍ تمامًا بالبشر، إلّا أنَّ النّتائج مُذهلة حتّى الآن.

البحثُ الأوّل: جلدٌ اصطناعيٌّ يُمكنه تحسّس الضّغط والحرارة بصورةٍ متزامنة

جلدٌ مُستوحى من بصمة اليد، بنية ميكرويّة، وعازل للكهرباء، يستطيع التحسّس والتّمييز بين الضّغط الثّابت والاهتزاز الدّيناميكيّ والتغيّر الحراريّ كما لو أنّه إصبعٌ بشريّ.

طوّرَ فريقٌ من الباحثين في كوريا الجنوبيّة جلدًا اصطناعيًّا يستطيع تحسّس الضّغط والحرارة بحسّ عالٍ في الوقتِ نفسِه. نشرَ الفريقُ بحثَه في مجلّة Science Advances واصفًا فيها كيف توصّلَ إلى هذا الجلد وماذا اكتشفَ عندَ اختبارِه، والأشياء الأخرى التي يُمكنه تحسّسها.

يعمل العديدُ من العلماء حولَ العالم على صنع جلدٍ اصطناعيّ من أجل استخدامه في الرّوبوت أو من أجلِ خدمة البشر الذين فقدوا حسَّهم اللمسيّ أو أطرافَهم. قادتْنا تلك الجهود إلى طيفٍ واسعٍ من أنواع الجلود الاصطناعيّة، ولكنّها لم تمتلكْ القدرةَ حتّى الآن على تحسّس الضّغط والحرارة في الوقت عينِهِ وبدرجة عالية.

يتألف هذا الجلدُ الاصطناعيّ من طبقتين من الموادّ: العليا مُكوَّنة من سطحٍ مرنٍ الغرضُ منه محاكاة بصمة الإصبع (يُمكنه تحسّس النّسيج)، وتحته توجد الحسّاسات الموضوعة بين صفيحتي جرافين. للحسّاسات شكلُ القُبَب ويُمكن أن تُضغط بدرجات متفاوتة عندما يتعرّض الجلد لكمّيّة ضغط مختلفة. يُسبّب الضّغط نشوء شحنة كهربائيّة صغيرة تنتقل عبر الجلد إلى الحسّاسات، وكذلك تفعل الحرارة والصّوت بالجلد، ثمَّ يُستخدم حاسوب لقياس الشُّحنة وتحديد درجة الإحساس التي شعرَ بها الجلد. كلَّما ازدادَ الضّغطُ أو الحرارة أو الصّوت الذي يتعرّض له الجلد، ازدادت الشحنة. يذكر الفريقُ أنَّ الإحساس بالصّوت كان مفاجئًا قليلًا، ثمَّ أظهرت الاختباراتُ الإضافيّة أنَّ الجلدَ الاصطناعيّ كان أفضلَ، في التقاطِ الصّوت، من ميكروفون هاتف آيفون.

قد يحتاجُ الجلدُ الاصطناعيُّ هذا إلى وقتٍ طويلٍ قبل أن يخضع لتطبيقات عمليّة، إذ يتوجّب على فريقِ العمل أن يطوّروا وسائلَ لوصلِ البيانات بين الجلد والرّوبوت أو الكائن البشريّ مثلًا. هذه هي إحدى المشاكل البحثيّة التي يقوم الفريقُ بالتّركيز عليها. فهو يخطّط لتطوير تلك الوسائل بشكلٍ يأخذ بعينِ الاعتبار القدرات الخاصّة للجلد الذي صنعوه، لا أن يُركّبَ ببساطةٍ على نظامٍ أو جهازٍ موجود سابقًا.

[1]

البحثُ الثّاني: تمكين الرّوبوتات من اللمس بواسطة جلدٍ ذكيّ ذاتيّ التزوّد بالطّاقة

يكمنُ أحدُ التحدّيات أمامَ تطوير الجلود الاصطناعيّة في استمرارِ تغذيتها بالطّاقة، وبحسّ عالٍ، وبأرخصِ التّكاليف. أعلنَ العلماءُ في مجلّة ACS NANO عن جلدٍ ذكيّ شفّاف وذاتيّ التّغذية، وهو أبسطُ من العديدِ من النّسخ التي طُوّرَت حتّى الآن وأقلُّ كلفةً منها.

نستطيعُ تطوير تكنولوجيا الرّوبوتات والأطراف الاصطناعيّة بشكلٍ أفضل في حال تزويدِها بحاسّة اللمس الشّبيهة بالبشر. لكنَّ زيادة حساسيتها تتطلّب زيادة الأقطاب الكهربائيّة التي تصلها بالجهاز على حسب حجم الجلد، ممّا يزيد التّكلفة. تحتاجُ أنظمةٌ أخرى إلى بطّاريّات وأسلاك خارجيّة كي تعمل، وبالتّالي زيادة كتلتها. يرغبُ هايتشيا زانج وزملاؤه في إيجاد حلول أكثر عمليّة.

صنعَ الباحثون جلدًا ذكيًّا من أغشية بلاستيكيّة شديدةِ الرقّة وأربعة أقطاب مصنوعة من أسلاكٍ نانويّة فضّيّة، في حين تحتوي النماذجُ الأخرى ما يقارب 36 قطبًا. بالإضافة إلى ذلك يقومُ أحدُ العناصر بجمعِ الطّاقة الميكانيكيّة - الطّاقة النّاتجة من حركة أصابع اليد الاصطناعيّة مثلًا - ويحوّلها إلى تيّارٍ كهربائيّ، ممّا يجعل الجلدَ مستقلًّا لا يحتاجُ إلى مصدرِ طاقة خارجيّ. أظهرَ الجلدُ تحتَ الاختبار حساسية عالية، حيث استطاع الإحساس بنحلة وهي تقتربُ وتبتعدُ عن الجهاز، وأبدى استقرارًا كهربائيًّا أيضًا، محافظًا على المستوى نفسه خلال 30 ألف دورة للمحرّك.

[2]

وهكذا عزيزي القارئ عرضنا في مقالنا هذا مثالين مهمّين عن التقدّم في مجال الجلود الاصطناعيّة، وسنستعرضُ لاحقًا، في مقالٍ آخر، تطوّرين أشدّ إثارة للإعجاب في هذا المجال.

المصادر:

[1] هنا

[2] هنا