الطب > موسوعة الأمراض الشائعة

ابتلاع البطاريات قُرصيّة الشكل

استمع على ساوندكلاود 🎧

يحاول الأطفالُ الصّغارُ معرفةَ العالمِ من حولِهم كلما تقدّموا في العمر. ويحاولون اكتشافَ هذا العالمِ وفهمَ ماهيّةِ الأشياءِ بوضعِها بشكلٍ خاصٍّ في أفواهِهم، ولهذا كان معظمُ مرضى حالاتِ الأجسامِ الأجنبيّةِ في المريءِ (Esophageal foreign bodies) هم من الأطفالِ الذين تتراوحُ أعمارُهم من سنةٍ إلى ثلاثِ سنوات.

بالرُّغم من أنّ القطعَ النقديةَ تُعتبر أشيَعَ هذه الأجسامِ الأجنبيّةِ، إلا أنّ أقراصَ البطّارياتِ تحتلُّ مكانةً خاصّةً، وتزداد نسبةُ حدوثِها بسرعةٍ بين الأطفالِ الصّغار.

ابتلاعُ البطارياتِ القُرْصيةِ Disk Battery ingestion:

البطارياتُ القُرْصيّةُ هي البطارياتُ المستخدمةُ في الساعاتِ والآلاتِ الحاسبةِ وبعض الألعابِ وغيرِها من الأجهزةِ، وتشبه قطعةَ النقودِ. يُطلَق عليها أحياناً اسم "بطاريات الأزرار" (button batteries) بسببِ شكلِها وحجمِها الشبيهِ بأزرارِ الملابس.

يمثّل ابتلاعُ البطاريات القُرصيّةِ –خاصةً من قبلِ الأطفالِ- حالةً طارئةً وخطِرةً، يزداد وقوعُها تدريجياً بازديادِ التكنولوجيا والأجهزةِ المنزليةِ التي تعتمد على هذه البطّارياتِ كمزوِّدٍ للطاقة.

يترافقُ ابتلاعُ البطارياتِ مع مضاعفاتٍ خطيرةٍ كانثِقابِ المريءِ وانْثِقابِ الأبْهَرِ، إضافةً لإمكانيةِ حدوثِ نواسيرَ رغاميّةٍ مريئيةٍ (tracheoesophageal fistulae).

أرقامٌ وإحصائياتٌ سريعة(4):

أظهرتْ دراسةٌ إحصائيّةٌ قام بها نظامُ بياناتِ المراكزِ الوطنيةِ للسمومِ في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ بين عامَي 1985-2015، تزايداً ملحوظاً في عددِ حالاتِ ابتلاعِ البطارياتِ المبلَّغِ عنها، من 745 حالةً في عام 1985 إلى 3189 حالةً في عام 2015، بعددٍ إجماليٍّ بلَغَ 76836؛ منها 51794 حالةً سُجِّلت لأطفالٍ أعمارُهم تحتَ ستةِ أعوام. وفي دراسةٍ حديثةٍ أخرى أجراها "الخطُّ الساخنُ الوطنيُّ لابتلاعِ البطاريات" في الولاياتِ المتحدةِ، لعددِ الحالاتِ الشهريةِ المسجَّلةِ، وصل هذا العددُ إلى ما يقاربُ 120 حالةً مسجَّلةً في شهرِ نيسانَ فقط من عامِ 2016.

الفيزيولوجيا المرَضية(1):

لا تسبّب البطارياتُ عادةً أيَّ مشاكلَ إلا إذا استقرّتْ في المريءِ، حيث تُسبّبُ اختلاطاتٍ سريريةً مهمّةً وخطيرة. البطّارياتُ التي تتجاوز المريءَ بنجاحٍ لا تستقرُّ عادةً في أيِّ مكانٍ آخرَ في الجهازِ الهضمي. تَحدُث أذيّةُ المريءِ بعد مدةٍ تتراوح من ساعتين إلى ساعتين ونصفٍ من توَضُّعِ البطاريةِ في المريءِ. قد يلي ذلك حدوثُ انثِقابٍ للمريءِ خلالَ أربعِ ساعاتٍ، ويوجَد عدّةُ أسبابٍ لأذيّةِ المريء(3):

1- يعود السببُ الأولُ إلى الضغطِ المباشرِ على الأنسجةِ المحيطة.

2- إمكانيةُ حدوثِ سمِّيةٍ جهازيّةٍ (معمَّمة) بسبب بعضِ أنواعِ البطارياتِ المحتَوِيةِ على الزئبق.

3- أشارتْ بعضُ الدراساتِ إلى إمكانيةِ حدوثِ دارةٍ مغلَقةٍ عند توضُّعِ البطاريةِ في المريءِ، تؤدي بالنتيجةِ إلى نشوءِ تيّارٍ كهربائيٍّ يسببُ حروقاً في الأنسجةِ المحيطةِ بالبطاريةِ، ومن ثَمَّ إمكانيةِ حدوثِ نَخْرٍ في تلك المناطق.

حروقٌ في المريء ناتجةٌ عن ابتلاعِ بطارية

الجنس(1):

يلاحَظُ وجودُ تبايُنٍ بين الذكورِ والنساءِ، حيث يتفوقُ الذكورُ بنسبة 59%.

العمر(1):

يشكّل الأطفالُ تحت عمرِ الستِّ سنواتٍ أكثرَ من نصفِ الحالاتِ (%67.4)، مع ذروةِ حدوثٍ بين عمرِ سنةٍ وثلاثِ سنوات.

توجد ذروةٌ أخرى للحدوثِ عند كبارِ السنِّ الذين تجاوزوا السّتينَ من العمرِ، حيث تتوضّعُ البطارياتُ لديهِم في الأمعاءِ بشكلٍ رئيس.

الأعراض والعلامات(1+3):

إنّ الكثيرَ من الحالاتِ المسجَّلةِ والمصنَّفةِ ضمنَ إطارِ الحالاتِ الخطِرةِ لدى الأطفالِ كانت تحدثُ بغيابِ الرّقابةِ من قِبلِ الأبوين. وما يقارِب نصفَ هذه الحالاتِ كان يحدثُ خطأٌ في تشخيصِها بسببِ عدمِ القدرةِ على تمييزِها عن ابتلاعِ القطعِ النقديةِ، ويعود ذلك إلى تشابُهِ الأعراضِ والعلاماتِ التي تكون غيرَ مميَّزةٍ، وهي تتضمن:

الإقياء

عُسْرَ البلعِ و ألماً بالبَلع

ألماً بطنياً

تغيُّرَ لونِ البُراز

ارتفاعاً بالحرارة

إسهالاً

طفحاً جلدياً

ضائقةً تنفسيةً

هِياجاً ورفضاً للطعامِ وفقداناً للشهيةِ وسُعالاً وسيلاناً لُعابياً وشعوراً بعدمِ الارتياحِ خلفَ القَصّ.

أما الحالاتُ الخطيرةُ فقد تترافقُ مع:

حروقٍ في المريء

انثقابِ المريء

ناسورٍ رُغاميٍّ مَرِيئيّ

ناسورٍ شِرْيانيٍّ مَريئي

مشاكلَ وعائيةٍ أخرى قد تؤدي إلى النُّزوفِ وتوقفِ القلب.

من المهمِّ جداً تمييزُ حالةِ ابتلاعِ البطارياتِ عن حالاتٍ أخرى قد تتشابه معها في بعض الأعراض، مثلَ(1):

ابتلاعِ النقودِ المعدنية

تناولِ الموادِّ الكاوية

تمزُّقِ المريء

التهابِ المريء

التسمُّمِ بالمعادنِ الثقيلة.

التشخيص(1+3):

يعتمد العلاجُ بالدرجةِ الأولى على التشخيصِ المبكّرِ لهذه الحالةِ وتوقُّعِها، خاصةً لدى الأطفال. لذلك يعتبَرُ من الضروريِّ أخذُ القصةِ بدقةٍ عند الشكِّ بابتلاعِ البطارياتِ، وقد نلجأُ أيضاً لإجراءِ تحاليلَ دمويةٍ وقياسِ نسبةِ الزئبقِ في البولِ والدم.

أما الخطوةُ الأهمُّ فهي إجراءُ صورٍ شعاعيةٍ، وذلك بمجردِ الشكِّ بوجودِ حالةِ ابتلاعٍ للبطارياتِ؛ حتى بغيابِ علاماتٍ سريريةٍ مميِّزة. ستكونُ الصورةُ الشعاعيةُ كافيةً لإظهار خيالِ حلقتَين، يُميِّزُ أن الجسمَ المبتلَعَ هو بطاريةٌ وليس قطعةَ نقود.

صورة أمامية خلفية للصدر تظهر توضع البطارية في القسم العلوي من المريء

من الممكنِ أيضاً إجراءُ صورةِ صدرٍ جانبيةٌ Lateral view تكون أيضاً مميَّزةً، وذلك بظهورِ علامةِ step-off sign التي تتميز بارتِسامِ البطاريةِ مع وجودِ فَرْقٍ في التبايُنِ والشكلِ في المِنطَقةِ الفاصلةِ بين القطبِ الموجبِ والسالب.

صورة جانبية للعنق تظهر علامة step-off

صورة جانبية تظهر علامة step-off

العلاج(1):

يعتمد العلاجُ أساساً على مكانِ توضُّعِ البطاريةِ، وإن كان المريضُ يعاني من أيِّ أعراضٍ أم لا. ويَشرَح المخطّطُ الآتي طريقةَ التصرُّفِ والتدبير:

تعقيبات على الصورة:

(1) يجب أن تُراقَبَ مستوياتُ الزئبقِ في المَصْلِ لدى المرضى الذين يُظهرونَ علاماتِ التسمُّمِ بالزئبق، وليس فقط لأنّ الزئبقَ لم يلاحَظ شعاعياً. (2) ألمٌ بطنيٌّ، بُرازٌ مُدمّىً أو قَطْرانِيٌّ (زفْتي)، حرارةٌ، إقياءٌ مستمر. (3) يجب إزالةُ البطارياتِ القُرصيةِ الموجودةِ في المريء. يساعد التنظيرُ إن كان متوافراً. يمكن استعمالُ تقنيةِ قَثطرةِ فولي، إن كانت عمليةُ البلعِ قد حدثت خلال أقلِّ من ساعتين من الزمنِ وليس أكثرَ من ذلك، لأنها قد تُسببُ المزيدَ من الأذى للمريءِ المتضرّرِ. (4) في حالِ فشلِ قثْطرةِ فولي أو في حالِ وجودِ مضادِّ استِطْبابٍ يمنعُ إجراءَها فيجب استخراجُ البطاريةِ وإزالتُها عن طريقِ التنظير. وهذا قد يتطلب نقلَ المريضِ إلى مُنشَأةٍ طبيةٍ متخصصة. (الأرقام ضمن الصورة السابقة).

بقيَ أن نذكُرَ أنه في حالِ قيامِ الطفلِ بابتلاعِ بطاريةٍ، فيجب عدمُ إعطائِه أيَّ أدويةٍ ولا تحريضِ الإقياءِ لديه، بل التوجُّهُ إلى أقربِ مشفىً وبأسرعِ ما يمكن.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا