الغذاء والتغذية > مدخل إلى علم التغذية

سلسلة المحليات البديلة للسكر – السكرين Saccharin

استمع على ساوندكلاود 🎧

السكرين Saccharin هو أقدمُ المحلّياتِ الصناعيّةِ المعروفةِ على الإطلاق، فقد اكتُشِفَ في العامِ 1879 عن طريقِ الصدفةِ من قبل العالمَين Fahlberg وRemsen في جامعةِ جون هوبكينز John Hopkins University.

يصنّفُ السكرين ضمنَ المحليّاتِ الشديدةِ منخفضةِ الحُريرات Low caloric intense sweeteners، وتُعادل قدرتُهُ على التحليةِ 300-400 ضعفِ قدرةِ السكروز (أو سكرِ المائدة)، إلّا أنّ البعضَ يشيرُ إلى امتلاكِهِ طعماً لاحقاً معدنياً أو مرّاً غيرَ مرغوب، يظهرُ خاصةً عند استخدامِهِ بتراكيزَ عالية. ومع ذلك، يمكن التّغلُّبُ على هذا الطعمِ اللاحقِ بمزجِهِ مع موادَ أخرى ذاتِ طعمٍ حلو، كالفركتوز، أو الغلوكونات Gluconates، أو الطرطرات Tartrates، أو سكرِ المائدة، أو السكرياتِ الكحولية Sugar alcohols.

وعلى عكسِ المُحليّاتِ الطبيعيّةِ والسكرياتِ الكحولية، فإنّ السكرين لا يتفكّكُ بعمليةِ الهضم، بل يتمُّ امتصاصُهُ ببطءٍ ثم يُطرح بسرعةٍ دون أي تغيّرٍ يُذكر عن طريقِ الكلى.

يُستخدمُ السكرين في العديدِ من الموادِ الغذائيةِ والمشروباتِ المختلفةِ والتي نستهلكُها بشكلٍ كبيرٍ دونَ الانتباهِ إلى ما تحتويه، ونذكرُ منها المنتجاتِ المخبوزةَ، واللبانَ (العلكة). كما يستخدمُهُ الكثيرون كبديلٍ عن السكروز (سكر المائدة) لتحليةِ مشروباتِهِم اليوميّةِ كالقهوة والشاي. يُضاف إلى ما سبق بعضُ الاستخداماتِ غيرِ الغذائية، كدخولِهِ في تركيبِ معجونِ الأسنان، وغسولِ الفم، وملمّعِ الشفاه (كمنتجاتٍ تجميلية)، ومع الفيتاميناتِ وبعضِ الأدوية (كاستخداماتٍ صيدلانية).

يتّصِفُ السكرين عندَ استخدامِهِ في الصناعاتِ الغذائية بثباتيّتِهِ المرتفعة، إضافةً إلى تكلفتِهِ المنخفضةِ مقارنةً بالسكروز. كما أنّهُ كان يعطي طعماً قريباً جداً من السكروز عند مزجِهِ مع السيكلامات Cyclamate بنسبةِ 3 أجزاء إلى جزءٍ واحد من السكرين، وكان ذلك الإجراءُ قيدَ الاستخدام حتى مُنعَت السيكلامات في الولاياتِ المتحدة في العام 1969.

ويتميّزُ السكرين إلى جانبِ ما سبق بأنّهُ المادةُ المحليّةُ الوحيدةُ المُصرّحُ بها والقادرةُ على تحمّلِ درجاتِ حرارةِ الخَبْزِ، والأوساطِ شديدةِ الحامضيّة (بين pH 2 و7).

بناءً على ما سبق، فإنّ السكرين مادةٌ مناسبةٌ جداً للتصنيع، ويمتازُ بمرونةٍ عاليةٍ تسمحُ لمصنّعي الأغذيةِ باستخدامِهِ بحريّةٍ مع العديدِ من المواد الأخرى، وهو أمرٌ رائعٌ بالتأكيد. ولكن ماذا عن تأثيراتِهِ الصحيّة؟

كان السكرين موضعَ جدلٍ كبيرٍ من حيثُ تأثيرِهِ على الصحة، وتحديداً تسبُّبِهِ بحدوثِ سرطانِ المثانة لدى ذكورِ فئرانِ التجارب، الأمرُ الذي أدّى إلى منعِ الحكومةِ الكندية لاستخدامِهِ كمادةٍ مضافةٍ للأغذية في العامِ 1977 (علماً أنّهُ بقيَ يُستخدم بشكلٍ محدودٍ كبديلٍ لسكر المائدة). أمّا الولايات المتحدة، فقد أصدرَت تشريعاتٍ تُجبِرُ جميعَ مصنّعي الأغذية الحاويةِ على السكرين أن يُدرِجوا تحذيراً يوضّحُ تسبُّبَهُ بالسرطانِ لدى حيواناتِ التجارب. ولكن كيفَ تمّ دحضُ هذه النظرياتِ الخطيرة؟

بعدَ الدراسات التي أشارَت إلى زيادةِ خطرِ سرطانِ المثانة لدى حيوانات التجارب بتأثيرِ الجرعاتِ العالية من سكرين الصوديوم Sodium Saccharin (وهو أحدُ أشكال مركب السكرين)، ركّزَت العديدُ من الأبحاثِ على استيعابِ وتفسيرِ الارتباطِ بين استهلاكِ السكرينِ وزيادةِ تشكُّلِ الأورام.

وقد أظهرَت الدراساتُ أن هذهِ الظاهرةَ كانت نتيجةً لسلسلةٍ من الأحداثِ التي بدأَت بإعطاءِ جرعاتٍ كبيرةٍ من سكرين الصوديوم، مما أدّى إلى تشكّلِ وسطٍ يشجّع على تكوينِ راسبٍ كلسيّ حاوٍ على الفوسفاتِ ويتّسِمُ بسُمّيتِهِ تجاهَ الخلايا المبطِّنَةِ للجهاز البولي لدى الفئران. أدّى ذلكَ إلى حدوثِ زيادةٍ غيرِ طبيعيةٍ في الخلايا المكوّنةِ لنسيجِ المثانةِ، استمرّ طوالَ فترةِ حياةِ حيواناتِ التجربة طالما أنّ تناولَ سكرين الصوديوم ما زالَ مستمراً، ليؤدّي أخيراً إلى ظهورِ سرطانِ المثانة. وقد تبِعَت تلكَ الدراساتُ مجموعةً أخرى من الأبحاثِ قادَها عددٌ من العلماءِ في تسعينيّاتِ القرنِ الماضي ساعَدَت على توضيحِ نقطةٍ مفصلية؛ ألا وهي أنّ أملاحاً أخرى للصوديومِ (كملحِ أسكورباتِ الصوديوم Sodium ascorbate على سبيلِ المثال) قد أعطَت نفسَ النتيجةِ لدى حيواناتِ التجربة، ومنها دراسةٌ للعالِمين Ellwein وCohen في العام 1990، وأخرى للعالمِ Cohen مع عددٍ من زملائِهِ في العامِ 1998. وقد كانت هذه الاستنتاجاتُ شديدةَ الأهميّةِ حيث فتحَت البابَ أمامَ احتمالِ وجودِ مسبّبٍ آخرَ غيرِ مركّبِ السكرين لظهورِ سرطان المثانة.

يُضافُ إلى ذلك ما توصّلَ إليهِ العديدُ من العلماءِ في أكثرَ من ثلاثينَ دراسةً مفصّلةً أُجريَت على الإنسانِ مباشرةً، والتي خلُصَت جميعُها إلى عدمِ حدوثِ زيادةٍ في خطرِ سرطانِ المثانة لدى المتطوّعينَ الذين تناولوا السكرين، مما دعمَ سلامتَهُ عند الاستهلاكِ ضمنَ الحدود المسموحةِ ADI.

أجرَت لجنةُ خبراءِ الموادِ المضافةِ للأغذيةِ المشتركةِ بين منظمَتّي الغذاء والزراعة/والصحة العالمية The Joint Food and Agriculture/World Health Organization Expert Committee on Food Additives (JECFA) في العامِ 1993 مراجعةً حولَ سلامةِ السكرين على الإنسان، وقامَت إثرَ تلكَ المراجعةِ بمضاعفةِ الجرعةِ اليوميةِ المسموحة منه ADI (والتي أصبحَت تساوي 5 ملغ/كغ من وزن الجسم) معتبِرةً بياناتِ الدراساتِ السابقة على حيواناتِ التجارب غيرَ ذاتِ علاقةٍ بالإنسان.

تبعَ ذلك قرارُ اللجنةِ المتخصّصةِ في الوكالةِ الدوليّةِ لأبحاثِ السرطان International Agency for research on Cancer (IARC) في العامِ 1997، والذي أفادَ بأنّ تزايدَ سرطانِ المثانة لدى فئرانِ التجربة عند حقنِها بسكرين الصوديوم لا يمتّ بأي ٍصلةٍ للإنسان. لتنقُلَهُ في العامِ 1998 من المجموعةِ 2B (التي تضمّ المركباتِ التي يُحتمل تسبُّبُها بالسرطانِ للإنسان Possibly carcinogenic) إلى المجموعةِ 3 (وتضمّ المركبات التي أثبتَتَ الدلائلُ أنّ آلية تسبّبِها بالسرطانِ لدى حيواناتِ التجاربِ لا تعملُ على الإنسانِ ولا تملكُ أي تأثير عليه)، وهي المرةُ الأولى التي تأخذُ فيها هذهِ اللجنةُ آليةَ عملِ مركّبٍ ما بعينِ الاعتبار.

وفي عام 1996 قامَ مجلسُ مراقبةِ السعراتِ الحرارية Calorie Control Council بتقديمِ معروضٍ إلى البرنامج الوطني للحكومة الأمريكية حول علمِ السموم US National Toxicology Program (NTP) طَلب فيه المجلسُ - بناءً على المعاييرِ الجديدةِ للبرنامجِ، والتي تسمحُ بأخذِ بياناتِ آليةِ العملِ بعين الاعتبار- إزالةَ السكرينِ من التقريرِ التاسعِ للبرنامجِ كمادّةٍ يُحتمَلُ تسبّبُها بالسرطان. وبالفعلِ أصدرَ البرنامجُ النسخةَ التاسعةَ من التقريرِ للعامِ 2000 معلناً إزالةَ السكرين من القائمة.

الخلاصة:

بعدَ العديدِ من الدراساتِ، انتهَت مشكلةُ السكرين وتمّ التحققُ من أنّ هذهِ الظاهرة لا يُمكن أن تحدُثَ إلّا عندَ تناول الفئرانِ فقط لجرعاتٍ مرتفعةٍ منه دونَ أن تنطبقَ على الإنسانِ بأيّ شكلٍ من الأشكال. ومع ذلك، يبقى السكرين ممنوعاً في كندا حتى الآن، بانتظارِ المزيدِ من المراجعةِ لتأكيدِ سلامتِهِ التامّة. كما يميلُ البعضُ إلى وجوبِ امتناعِ الأطفالِ والنساء الحوامل عنه تجنباً لظهور حساسيةٍ تجاهَهُ، علماً ألّا دليلَ فعلياً يدعم ذلك.

إذاً، فقد كانت النهاية سعيدةً لمصنّعي السكرين، وخاصّةً لورثةِ العالم Fahlberg الذي سجّلَ براءةَ اختراعِ السكرين دون أيّ ذكرٍ لزميلِهِ العالم Remsen..!! وبغضِّ النظرِ عما حدث، فقد فتحَ السكرين البابَ أمامَ مجالاتٍ جديدةٍ وواسعةٍ لعلمِ السموم، وكانَ قصةً ناجحةً للعلمِ الحديث.

المصادر:

هنا

NABROS L.O., (2012). Alternative Sweeteners, 4th ed. CRC Press, USA.

SMITH J., and HONG-SUM L., (2003). Food Additives Data Book, Blackwell Science Ltd, UK.

الدراسات المرجعية:

Tisdel M.O., Nees P.O., Harris D.L., and Derse P.H., (1974). Long term feeding of saccharin in rats. In Symposium: Sweeteners by Inglett G. E., (Ed.), 145–158. Westport, CN: Avi Publishing Co.

Arnold D.L., Moodie C.A., Grice H.C., Charbonneau S.M., Stavric B., Collins B.T., Mcguire P.F., Zawidzka Z.Z., and Munro I.C., (1980). Long term toxicity study of orthotoluene sulfonamide and sodium saccharin in the rat. Toxicol Appl Parmacol 52:113–152.

Taylor J.M., Weinberger M.A., and Friedman L., (1980). Chronic toxicity and carcinogenicity of the urinary bladder of sodium saccharin in the utero-exposed rat. Toxicol Appl Pharmacol 54:57–75.

Ellwein L.B., and Cohen S.M., (1990). The health risks of saccharin revisited. Crit Rev Toxicol 20:311–326.

Cohen S.M., Anderson T.A., De Oliveira L.M., and Arnold L.L., (1998). Tumorgenicity of sodium ascorbate in male rats. Cancer Res 58:2557–2561.