الطب > طب الأسنان

لقاح ضد التهاب النسج الداعمة الشديد Severe Periodontitis

استمع على ساوندكلاود 🎧

لمعرفة أهمية هذا اللقاح، لا بدَّ من التعرُّف على التهاب النسج الداعمة أولاً. التهابُ النسج الداعمة هو مرحلةٌ متقدمةٌ من الالتهابات اللِّثوية. يؤدي التهاب اللِّثة في المراحل المبكرة إلى احمرار اللِّثة وانتباجها وابتعادها عن السن لتشكلَ ما يُسمَّى "الجيوب"؛ إذ تتراكم البكتريا في هذه الجيوب على شكل فيلم حيوي (اللُّويحة البكتيرية أو طبقة البلاك).

في المرحلة المتقدمة، تبدأ البكتريا وسمومُها بالإضافة إلى ردة فعل الجسم المناعية بتخريب النسج حول السنية والعظم والنسج الضامة، وفي حال عدم المعالجة سيحدث تخريبٌ كبيرٌ في اللِّثة والعظم والنسج حول سنية، وفي نهاية المطاف ستظهر حركةٌ في الأسنان وقد يُفقَد بعضٌ منها. وبالإضافة إلى مخاطر التهاب النسج الداعمة على الأسنان أُثبت أنَّ البكتريا الموجودةَ في اللويحة السنية مسؤولةٌ عن حالات أمراض القلب والشرايين والتهاب المفاصل الرثوي والولادة المبكرة.

لماذا عمل العلماءُ في جامعة ملبورن الأسترالية على إيجاد لقاحٍ لكبح هذه العملية أو حتى منع حصولها تماماً؟

أشارت الإحصائياتُ لعام 2010 إلى انتشارٍ كبيرٍ في التهابات النسج الداعمة يصل إلى 10.5-12% وإلى التكاليف الاقتصادية الكبيرة في المعالجات السنية التي يشغل التهابُ النسج الداعمة جزءاً كبيراً منها؛ إذ يُدفَع ما يصل إلى 442 مليار دولار سنوياً في الولايات المتحدة وحدِها على معالجاتٍ لِثوية معتادة تتضمن التَّقليحَ وأحياناً الجراحةَ أو ما تطلبه احتياجاتُ كل مريض.

كيف صُنع اللَّقاح مع أنَّ سببَ هذه الآفة الكثيرُ من أنواع البكتريا المجتمعة في اللويحة السنية؟

إنَّ سببَ التهاب النسج الداعمة هو اللويحةُ السنيةُ التي تتكوَّن من طيفٍ كبيرٍ من الميكروبات المجتمعة مع بعضها البعض، ولكن تأكَّد العلماء من خلال أبحاث سابقة أنَّ هناك أنواعٌ متّهمة أكثر من غيرها وهي: Porphyromonas gingivalis، Treponema denticola، Tannerella forsythia، ومن خلال التجارِب السريرية تأكَّد الباحثون أنَّ البكتريا P. gingivalis هي التي تسببُ التراجعَ الأكبرَ في النسج الداعمة الذي يؤدي إلى تهدمٍ قد يزيد عن 2 ملم خلال 3 أشهرٍ فقط، وأنَّ نسبتَها كبيرةٌ في اللويحة البكتيرية مقارنةً مع باقي البكتريا (حوالي 10-15%)، إذ تختبئ بكتريا P. gingivalis في الميازيب العميقة في اللِّثة حول السن لتحمي بذلك البكتريا الأخرى وتغذيها، وعندما تصل هذه البكتريا إلى درجةٍ معينة من البلوغ سيكون باستطاعتها قلبُ الجهاز المناعي ضدَّ النسج اللِّثوية بدلاً من أن يعملَ على محاربة البكتريا! وهذا ما يؤدي إلى تخريب الأسنان والنسج.

إذا كانت الإصابةُ حادةً فإنَّ النسجَ تبدأ بالتّقرُّح وسيصبحُ بإمكان البكتريا الدخولُ إلى مجرى الدم والوصول إلى أعضاء أخرى. ولهذا تُعدُّ التهاباتُ النسج الداعمة متهمةً في الأمراض القلبية وهذا أيضاً ما يُفسر وجودها في أعضاء أخرى مثل الدماغ أو البنكرياس.

تُسمَّى الأنزيمات التي تفرزها بكتريا P. gingivalis أنزيماتُ gingipains وهي التي تسمح للبكتريا بتشكيل مستعمراتٍ وتخريب النسج الداعمة، ولكنَّ اللَّقاحَ الذي توصل إليه الباحثون يُوقف عملَ هذا الأنزيم ونتيجةً لذلك يوقف الضررَ الذي تسببه البكتريا. ولهذا -على خلاف اللَّقاحات كلها التي تحمي من الإصابة بمرض معين- فإنَّ هذا اللَّقاح يُمكن أن يُعطى لأشخاص مصابين بهدف التعافي من المرض. وقد استغرقَ الباحثون لإيجاد هذا اللَّقاح الذي استطاعوا بوساطته قلبَ استجابة الجهاز المناعي من "مُخرِّبة" إلى "بنَّاءة" 15 عاماً.

لا شكّ أنَّ التهابَ النسج الداعمة مرضٌ شائع عند ملايين الأشخاص، ولكن نأمل أن يجلِبَ هذا اللَّقاح أملاً في تعافي الكثيرين.

المصادر:

هنا

هنا

هنا