علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

هل الاضطرابات الموسميّة موجودة فعلاً؟ دراسات جديدة أكّدت عدم وجودها.

استمع على ساوندكلاود 🎧

أغلبنا لا يحبّ الشّتاء لأنّه يجعلنا نشعر بالكآبة والحزن وخصوصاً عند نزول المطر وغياب الشّمس بسبب كثرة الغيوم في السّماء، ويعود ذلك إلى شيء يُسمّى الاضطراب الموسميّ، ولكن تبعاً لهذه الدّراسة فإنّ هذا الاضطراب غير موجود!!

في عام 1980، قاد بحث في المؤسسات الوطنيّة للصّحة النّفسيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة إلى اكتشاف شكل من أشكال الاضطرابات النّفسيّة معروف باسم "الاضطراب الموسميّ". وتمّ تصنيف هذا الاضطراب تحت الحالات النّفسيّة المؤثرة ذات التّكرار السّنويّ، وتأثيره أقوى من مجرّد ما يسمى بالاكتئاب الشّتويّ، وقد ارتفع ذكر هذا الاضطراب في الأبحاث والكتب في عام 1990، واليوم يعتبر الاضطراب الموسميّ حالة نفسيّة قابلة للتّشخيص. ويتراوح علاج هذا الاضطراب بين العلاج النفسيّ ومضادات الاكتئاب والعلاج بالضّوء، وهو عبارة عن صناديق مليئة بالمصابيح الّتي تشبه سرر تسمير الوجه.

إلّا أنّه حسب دراسة حديثة تمّ التّشكيك في وجود الاكتئاب الموسميّ بحدّ ذاته، إذ تقوم مراكز مراقبة الأمراض كلّ سنة بدارسة على نطاق واسع لسكان الولايات المتّحدة. أدرك مجموعة من الباحثين أنّه يمكنهم استخدام نتائج هذه المراكز بشكل مستقل للتّحقيق بعمق تأثر الحالة النّفسية بتغير الموسم.

تضمنت الدّراسة الّتي قامت بها مراكز مراقبة الأمراض في عام 2006 مجموعة من الأسئلة اُستخدمت للبحث عن الاكتئاب، و بتحليل أجوبة مجموعة من 34000 شخص بالغ على مدار السّنة، تمكّن الباحثون من الكشف عن بعضِ الأخطاء في الاضطراب الموسميّ، إذ قال الباحث الدّكتور (ستيفن لوبيلو) "لنكن صريحين، لم نشكّ في تشخيص الاضطراب الموسميّ في البداية، ولكن كان الهدف هو تحديد أيّ اضطراب نفسيّ يتأثّر بتغيّر المواسم".

يمكن أن تظهر أنماط أخرى، ويمكن أن تكون زيادة شاملة في أعراض الاكتئاب المنقولة عند خطوط العرض الشّماليّة إذا كان التّعرض للضّوء الخفيف هو ما يسبب الاكتئاب فمن الواضح أنّ الضّوء هو العنصر الأساسيّ وتطوير علاجات الضّوء الصّناعي من أجل مرضى الاضطراب الموسميّ اعتمد على روابط بين زيادة في الضّوء وتحسّن في المزاج بالنّسبة للأشخاص المصابين بهذا الاضطراب، فإنّ كلا الموسم وخطّ العرض يجب أن يتفاوتوا بمستويات الضّوء ويتفاعلوا مع أعراض الاكتئاب.

قام كلّ من (ميغان ترافنستيد) والدّكتور (لوبيلو) بالتّعاون مع الدّكتورة (شيلا مهتا) بالبحث في نتائج استبيان مراكز مراقبة الأمراض لإيجاد روابط بين نتائج عالية من ناحية الاكتئاب وموسم محدّد أو خطوط العرض، و بحثوا أيضاً فيما إذا كان لارتباط خطوط العرض العالية مع فصل الشّتاء أثر أكبر على زيادة نسبة الاكتئاب أم لهم أثر أكبر بمفردهم. تتوفّر ساعات طويلة من ضوء الشّمس في مكان ووقت محددين عند مركز المراقبة البحريّ الأمريكيّ، لذلك قام الباحثون باختبار وجود روابط بين نتائج الاكتئاب والسّاعات الطّويلة من ضوء الشّمس وسُجلت النّتائج، فإذا كان الضّوء مسؤول عن الاضطراب الموسميّ، فهذا يعني أنّ النّظر لساعات إلى ضوء الشّمس يجب أن يكون كافياً لكشف المصابين بهذا الاضطراب بين عامة النّاس، فاعتقدوا أن استبيان مراكز مراقبة الأمراض لم يقدم أيّ دليل لوجود الاضطراب الموسميّ.

قلق الباحثون من زيادة التّفكير بهذا الاضطراب بين النّاس غير المصابين به، لذلك قاموا بإعادة تحليل الأجوبة المأخوذة من مجموعة ثانويّة من النّاس الّذين اعتبروا مصابين بالاكتئاب خلال وقت أخذ هذا الاستبيان، لم يجدوا أيّ أثر للاضطراب الموسميّ ولا حتّى أثراً لزيادة الاكتئاب المتعلّق بالموسم أو نسبة التّعرض للضّوء في النّتائج المأخوذة. يمكن أن نتساءل فيما إذا حصل خطأٌ ما في دراسة الهاتف، و لكن ظهرت نتائج أخرى في بيانات الاستبيان، كمستويات عالية في الاكتئاب عند النّساء والعاطلين عن العمل. إنّ تأرجح وجود الاكتئاب في الاضطراب الموسميّ إمّا أنّه غير موجود أو أنّه غير قابل للكشف.

و كما يمكن أن تتوقعوا، قام باحثون آخرون بالبحث بكيفيّة وجود الاضطراب على مدار المواسم، و إذا كان يتعلق وجوده بالمكان وبخطوط العرض. كانت النّتائج مختلطة، وقد واجهت هذه الدّراسات مشكلتين، المشكلة الأولى في الأسئلة الّتي سُئلت، إنّ هذه الأسئلة استُخدمت فقط للمسح عن الاضطراب الموسميّ، بينما التّفاوت فيها يمكن أن يكون موجّه بشكل كبير. تخيّل أنّك تجاوب على أسئلة عن مزاجك ووزنك وتفاوت شهيّتك خلال السّنة وبعدها تقوم بإملاء جداول لتقارن عاداتك خلال الموسم، و تُسأل بأيّ وقت من السّنة تكتسب أو تخسر الوزن، تنام و تأكل بشكل أقلّ. باستخدام هذا التّقييم المعياريّ للاضطراب، يمكن أن تعيد التّفكير بامتلاكك دورة مزاج سنويّة حقاً، ولكن الاستبيان الهاتفيّ الخاص بمراكز مراقبة الأمراض لم يقم بسؤال أسئلة الاضطراب نفسها، وإنّما اعتمد على ثماني أسئلة اُستخدمت بشكل عام لكشف حالات اكتئاب أكبر، تسأل هذه الأسئلة عن مواضيع لم تُغطّى في التّقييم العام للاضطراب، كفقدان الأمل وقلّة الاستمتاع بالنّشاطات وصعوبة التّركيز، وتسأل عن الأسبوعين الماضيين بدلاً من الاثنين و خمسين أسبوعاُ الماضية، إذ أنّ تذكُر ما شعرت به في الماضي القريب أسهل من تذكُر ما شعرت به في شهر حزيران الماضي، ويمكن لذكرياتنا أن تضمحلّ بمرور الوقت، خصوصاً إذا توقّعنا نمطاً محدّداً.

إنّ ما سبق يُولّد مشكلة أخرى في دارسات الاضطراب الموسميّ وهي مشكلة التّوقعات، فسماع ما يسمى بـ (اكتئاب الشّتاء) في الثّقافات المشهورة يمكن أن يزرع تحيّزات للتّأكيد، و يدفع إلى ظهور مرضى و (باحثين) من أجل إيجاد دلائل على وجود هذا الاضطراب. ولأنّ تصوّراتنا السّابقة دائماً تكون مزدحمة خلال العمل، لذلك فإنّ البيانات المأخوذة بدون أيّ ذكر للاضطرابات الموسميّة تكون أفضل لتجنّب التّحيزات، والشّخص الّذي يعاني من حالات نفسيّة عميقة خلال فصل الشّتاء يمكن أن يحتاج لعلاج من أجل الاضطراب الموسميّ أو أيّ علاج ليتغلّب على ضغوطات فترة العطلة.

قامت دراسات أخرى وخصوصاً في النّرويج، بطرح أسئلة عن كيفيّة قياس الاكتئاب الموسميّ، فإذا كانت التّغيّرات في ضوء الشّمس أو في أيّ عامل من عوامل الشّتاء هي الّتي تحرّض الاكتئاب الموسميّ، فلماذا لا يسجل الشّتاء النّرويجيّ ذا النّهار القصير معدلات عالية من الاضطراب؟ يمكن أن يكون ذلك بسبب الثّقافة النّرويجيّة الّتي تساعد على التّغلب على الآثار السّلبيّة في الشّتاء، أو يمكن أنّ الاضطراب الموسميّ ليس كما نظنّه.

يمكن اعتبار استبيان هاتفيّ كبير للولايات المتّحدة بخصوص الاكتئاب فرصة مهمة للكشف عن الاضطراب الموسميّ عند السّكان، ولكنّ قلّة الأدلّة لهذا الاضطراب لا يؤكد عدم وجوده فنحن نعلم أنّ الضّوء يقوم بتنظيم التّأثيرات على صحّتنا وأنّ الميلاتونين وهرمونات أخرى تستجيب للضّوء، وهناك جزء من الدّماغ يأخذ المدخلات من العين ليس من أجل أن نرى بل من أجل الإبقاء على النّبض اليوميّ. من الممكن أن يكون الاضطراب الموسميّ نادراً جداً وصعب الكشف على مستوى السّكان، وهناك دليل على ذلك في استبيان للولايات المتّحدة عام 1998 لثماني آلاف شخص. ومن الممكن أن تكون حالات الاضطراب الموسميّ حالات مزاجيّة والّتي لا يكون لها نفس أعراض الاكتئاب.

يبقى الأشخاص المصابون بالاضطراب محلّ شكّ، و خصوصاً الّذين يشعرون بتحسّن بعد العلاج بالضّوء، فإذا استطاعت صناديق الضّوء رفع مستوى المزاج بدون تأثيرات جانبيّة خطيرة، سيبقى هناك تحقيقات بخصوص العلاجات الضّوئية وكلّ العلاجات المتعلّقة بالاضطراب الموسميّ أمّا بالنّسبة للوقت الحاليّ فلا يمكننا أن نحسم الأمر بخصوص الاضطراب الموسميّ تبعاً لاستقرار المزاج في دولة ما.

المصدر:

هنا