العمارة والتشييد > من أعلام العمارة

عاصم سلام

استمع على ساوندكلاود 🎧

عاصم سلام، أحد أيقونات العمارة اللبنانيَّة، ومن أبرز معاصريها الذين عملوا على محاولة خلق هويَّةٍ معماريةٍ مُعاصِرةٍ للبنان تعتمدُ على الإرث الثقافيِّ لهذا البلد.

فلنتابع معاً في هذا المقال الفلسفة المعمارية المميزة لهذا المعماري....

عاصِم سَلام أحد أيقونات العمارة اللبنانية ومُنظِّر ذو مبادئ راسِخة بشدة. ولِدَ عام 1924م، في زقاق البلاط أحد أقدم الأحياء في بيروت والذي كان له أَثَرُه في تكوين توجهه المعماري لاحِقاً، حيث عُرِفَ بنمط الحياة الـمُمَيَّز بالنسبة للهيكلية الاجتماعيَّة المتنوعة فيه والتداخل الطبقي الذي كان سلام أحد آخر مُمَثليها، ساكِناً في أحد البيوت القليلة الباقية حتَّى الآن والمُمَيزة بالنَّمط القديم الذي كان في بيروت، دالاً على روعة تلك الفترة.

توفيَّ عن عمر يناهز الـ 88 عاماً في منزله في زقاق البلاط.

سلام كان مِعماري ذو رؤى سياسية وهو الأمر الذي دفعه ليُصبِح نَقيب المُهَندِسين في بيروت عام 1995 ليعمل أثناء توليه للمنصب على المُساواة والتَفرِقة ما بين الهندسة المعماريَّة وغيرها من الهندسات، حيثُ أنَّهُ وحتى أواخر عام 1950م كانَ هُناك عددٌ قليلٌ من المُهندسين المِعماريين في لبنان والمنطقة بشكل عام، أمَّا الذين عَمِلوا على تصميم المباني فكانوا مهندسين غير مُختَصين بالدراسات المِعماريَّة.

كانَ أبناء ذلك الجيل بأغلبيته من المعماريين الذين تدرَّبوا في أوروبا وعَمِلوا على مُساعدة المنطقة في البدء بتمييز الهندسة المعمارية عن المدنيَّة، أمثال عاصم سلام الذي درسَ الهندسة المعمارية في جامعة كامبريدج Cambridge في إنكلترا وتخرَّجَ مِنها عام 1950م.

قامَ سلام في بداية الستينيات وبالتعاون مع (رايموند غصن) بإنشاء كليَّة الهندسة المعمارية (قسم العمارة والتصميم اليوم) في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)، ليبدأ جيلٌ من المعماريين المحليين بالظهور بعدها.

كان لسلام الدور الأكبر في خَلقِ جيلٍ جديدٍ من المعماريين المُتَخَرجين في الفترة ما بين 1954 ـ 1979م، وأيَّ مُتَخرِج من تلكَ الفترة لابُدَّ أن يَذكُر نظرَتَهُ الاستثنائية في النقد أثناء تحكيم المشاريع، وقدرته وبلمحة واحِدة فقط معرفة جميع نقاط القوَّة والضَّعف في أي مشروع، كما كانَ يُؤخَذ بَرأيه من قِبَل باقي المُحَكمين كَما الطلاب.

بَرَزَ نشاطهُ المِهَني مِن خلال تصميمه لعَددٍ من المَباني البارِزة في لبنان والتي تضمَّنت مبانٍ حكومية كسرايا صيدا 1964م، ومبنى وزارة السياحة في الحمراء 1963م، ومبنى بلدية الشياح 1972م، ومبنى وزارة الداخلية في الصنائع 1970م، إلى جانبِ عددٍ من المباني العامَّةِ الأخرى ومَنِزل الرئيس كميل شمعون في السعديات 1955م، وقَصر المختارة 1990م، ولكن قد يكون تصميم مسجد الخاشقجي عام 1974م من أكثر التصاميم التي تُعبِر عن الفكر المِعماري لسلام.

مسجد الخاشقجي

كانَ للحرب أثرها على عاصم سلام فقد احترق مكتبه وأرشيفه ثلاث مَرات. عَمِلَ عام 1977م في بلديَّة بيروت على الإشراف على مشروع إعادة الإعمار الأول في مركز المدينة، ساعياً بشكل مُستَمر لحل مشاكل التخطيط العمراني في لبنان. كما عمل على تَسليط الضوء على القصور في الإدارات العامَّة وعُيِّنَ عُضواً في مجلس التخطيط حَيثُ بقي هناك حتى عام 1986م وأشرفَ خِلالها على إطلاق الكثير من المشاريع، ولكن العَديد مِنها لم يَكتَمل إنجازُه إلى جانب ضياع جزء مِن أعماله نتيجة تدمرها أثناء الحرب.

بكونِه أحد أبرز المعماريين المُعاصِرين في لبنان كانَ سلام من أكبر الناشطين والدُعاة لتحسين بيئة بيروت العمرانيَّة حيثُ كانَ يهدُف لتطوير نمطٍ مميزٍ وجديدٍ للعمارة فيها في وقت أصبحت فيه العمارة في لبنان عِبارة عن نَمَاذِج تُستَورَد مِنَ الخارج بَعيداً عن أي مُراعاةٍ للتراث والتقاليد.

يقول سلام: «جميع المدن تَتَغيَّر بالطبع، ولكن لَيسَ بالضرورة أن يكون التغيُّر بهذهِ العدوانية، خُذ لندُن عَلى سبيل المِثال، لَقد تغيَّرت كثيراً مُنذ أن زُرتُها أول مرة في عام 1942م ولكنني ما زلتُ أستطيع أن استقلَّ الباص نفسه في الطريق ذاته الذي كُنت آخذه آنذاك أو أمشي في الشوارع ذاتها، بيروت على الطرف الآخر تغيرت بشكل كامل».

يَصِفُ المدينة التي دَمَرَتها الحرب، والتي قَضى فيها حياته وعَمِلَ فيها حتى وفاتِه بالمدينة المُستَهجنة. يتحدث عن الغابة الرَماديَّة من الإسمنت التي غَطَت ما كانَ سابِقاً إطلالة رائعة على البحر مِن حديقة منزله الخلفية، ولكِنها لم تكن الشيء الوحيد الذي كان يؤرقه أو حنينه الاعتيادي للمألوف وللماضي، وإنما التحركات المُتَسارِعة للبناء على مدينته. هنا نرى محاولات سلام بإنتاج عمارة تَعود إلى الماضي ولكن بالانصهار مع الحاجات المُعاصِرة، أي تطويع الحاضر بما يتلاءم وثقافة المكان.

إنَّ أسلوب سلام يُعَبِّر عن بحثه الدائم للتوفيق بين الماضي والحاضر للوصول إلى تعبيرٍ مُعاصر، مُستَخدِماً البيتون مثلاً إلى جانب الأنماط والأشكال المستمدة من التقاليد الإسلاميَّة الذي ظهرت بطريقة استخدامه للأقواس في أعماله. فقد حاربَ سلام بشكل دائم لجعل بيروت بِشكل خاص ولبنان بشكل عام بلداً ذو هويَّة مميزة عَن طريق العمارة والتصميم الداخلي حتى تفاصيل الفرش، فمثل غيره من المعماريين في ذلك الوقت كانَ بارِعاً في عكس روح ذلك الزمان عبر التصميم المعاصِر للفرش وهَذا ما يُثيرُ الاهتمام أي استِطاعَتِه التنقل بين هذه المجالات بشكل بارع.

إلى جانب كونه مُنَّظِراً في مساعدة تطوير المعماريين المعاصرين في المنطقة وبشكلٍ متوازٍ مع جميع أعماله، عَمِلِ سلام على حماية العمارة التقليديَّة والمحليَّة في لبنان بإنشاءه في ستينيات القرن الماضي الى جانب العديد من المهتمين الآخرين اتحاد حماية المواقع والمساكن القديمة (APSAD).

عاصم سلام، اللبناني المتمسك بعاداتهِ وتقاليدهِ اكتسبَ تَقديراً واحتراماً كبيراً من أقرانهِ وسوف يُذكَرُ دائِماً لإنجازاتِه العَديدة في مَجال الحفاظ على التراث اللبناني وتصوُّرِ مستقبل لبنان ما بين الإخلاص للماضي والتكامُل مع مُتَطلبات الحاضر إلى جانب العمل على تمييز الهندسة المِعمارية بمفاهيمها عن غيرها.

كما رأينا فإنَّ أكثر ما ميَّز هذا المعماري كانت نظريته للتوفيق ما بين الماضي والحاضر في التصميم للحِفاظ على الإرث التاريخي للمكان.

ما رأيكم بهذه المقاربة؟ وهل من الممكن أن نرى مثالاً لها على أرض الواقع حالياً؟

المصادر:

هنا

هنا

هنا